من يغير توصيف الفيل لأرنب
بي دي ان |
10 نوفمبر 2024 الساعة 02:23م
يعتقد الكثيرون أنهم يعلمون جيداً توصيف الأشياء ومسمياتها ولكن هل يمكن أن نغير توصيف ما هو معلوم، فمثلاً هل يمكن أن يصبح الحيوان الأضخم والذي يملك زلوم كبير هو الأرنب، نعم إذا أعدنا تسميته ووضعنا صورة له تحت مسمى الأرنب، وعملنا على تعميمها في منهج تعليمي جديد، ومنحنى الأرنب كافة صفات الفيل.
يظن القارئ أن هذا جنون، لا ليس بجنون كيف يمكن أن يكون جنوناً، فاليوم على أرض الواقع تم تغير الخريطة السياسية للعالم واختفت فلسطين وهي دولة عربية تملك مقومات القومية العربية عن خريطة العالم، ليحل مكانها اسم جديد إسرائيل بشعب مختلف من حيث الهوية الدينية والتركيبية والثقافية عن المنطقة العربية، وبالتالي فنحن لا نملك الثبات في العالم وتغيير الحقائق ليس بغريب، لكن السؤال المطروح كيف نجحت الصهيونية في جعل الأوهام حقيقة ورسم واقع جديد مغايرا لكل ما هو قائم على أرض الواقع، ولنفهم علينا أن نبدأ من التاريخ الفعلي لتأسيس القومية اليهودية (الصهيونية) في أغسطس 1897 وهو العام الذي قرر هيرتزل عراب الصهيونية إقامة دولة للشعب اليهودي، ووضع حجر الأساس لها وهو ما سمي برتوكولات حكماء صهيون، وهي البداية الحقيقية للدعاية الصهيونية القائمة على مقولة اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى تصبح الكذبة حقيقة، لاكن هل كافياً لتغيير الحقائق العالمية أم ينبغي امتلاك الوسائل والأدوات التي تساعدنا على تحويل الأكاذيب لحقائق.
كان أهم بنود برتوكولات حكماء صهيون السيطرة على منابع الإعلام والاقتصاد في العالم، من واقع أن من يملك المال والمعلومات يملك السلطة، وعليه يملك حق إعادة ترسيم الحقائق والتلاعب بها، ومن ثم كان لزاماً وضع مجموعة من أسس الدعاية لتمرير كل ما يخدم مصالحها وكان أبرز هذه القواعد تكرار الرواية الصهيونية وعرضها بشكل متكرر وبأساليب مختلفة حتى ترسخ في العقول وتصبح حقيقة، وكانت تقدم الرواية بشكل انساني مخاطبة عواطف الشعوب والحكومات لاكتساب أكبر قدر من التأييد العالمي فعرجت على المحرقة وتلاعبت عليها ما بين مد وجزر حتى أضحى اليهودي ضحية وهو نموذج يعاد ترسيمه مع الشعب الفلسطيني، والصهيونية لم تسرق الوطن بل سرقت كل ما يتعلق بالوطن، من هوية ثقافية تتعلق بعادات الأكل وصناعته وأنواعه، وسرقت التطريز الفلاحي واستكملت بسرقة التاريخ وربط الكثير من الأماكن باليهود مثل ربط بيت المقدس بجبل الهيكل المزعوم، بل أعادت تهويد أسماء المدن والقرى الفلسطينية ، وبالتالي امتدت الأكذوبة لتاريخ طويل تم تزيفه بما يخدم مصالحة، وأقنعت العالم أن الأرنب يملك خرطوما.
وتباعاً فأساليب الدعاية الصهيونية لا تقف عند حد بل تمتد لتشمل كل ما يمكن أن يساعد على جعل الوهم حقيقة كساحر فهي تتبع المثل القائل لكل مقام مقال، وبالتالي مخاطبة الناس على قد عقولهم، وعليه الخطاب الدعائي الصهيوني منذ أكثر من 120 عام يقوم على اعداد رسائله بما يتوافق مع الجمهور المستهدف، وبالتالي فالرسائل الدعائية تختلف من جمهور لآخر وفقا لخصائصه، وبالتالي التخطيط السليم هو أساس نجاح وتحويل الأكاذيب لحقيقة، وعليه فمقولة أن الحقائق ظاهره كظهور الشمس هي خدعة فالشعب الفلسطيني رغم امتلاكه للحقوق والحقائق إلا أنها انسابت من بين أيدينا، وأضحت إسرائيل واقع ملموس معترف به دوليا بل أنها لاعب أساسي في السياسية العالمية.
وتسمر الدعاية مع السيطرة الصهيونية على وسائل الإعلام العالمية بشقيها التقليدية والجديدة فمنذ بدايتها هناك ادراك واضح للدور الفعال التي تقوم عليه هذه الوسائل لخدمة أهدافها ومصالحها في التغيير، ولا يسعنا إلا أن نؤكد أنها خدمت مصالحها جيدا وأضحت الرواية الإسرائيلية تطغى على الرواية الفلسطينية التي تم تهميشها أو عرضها على قدر غير عادل من التضليل، بل لم تترك الكلمات وعملت على تسخيرها لاستكمال التلاعب فأضحى التلاعب بالمصطلحات واستخدام الكلمات التي لا تدينها ولا تمنحها التوصيف الدقيق كمحتل تطغي على التغطية الإعلامية العالمية بل امتدت حتى للتغطية الإعلامية المحلية، وكما للسلاح قوته فالكلمة في اطارها الصحيح لها العجب وبالتالي شهدنا استبدال ضحايا بقتلي، وعمليات التجريف للأراضي الزراعية بعمليات هندسية، والسكان الإسرائيليين بدلا عن مستوطنين، وبالتالي أسست لعلم جديد من الدعاية التي حكمت عقول العالم وتلاعبت بالمفاهيم، وخطت للوهم طريقاً فأضحى الفيل أرنباً، وفلسطين أكلتها ديدان الحروب النفسية فكانت إسرائيل.