شمال غزة.. تأخر وصول المساعدات يتسبب في إتلافها أو إعياء المستفيدين

بي دي ان |

17 سبتمبر 2024 الساعة 04:57م

صورة تعبيرية- مجاعة في غزة

بعد أشهر قليلة من الحرب، وتحديدًا بعد هدنة الخمسة أيام -أواخر نوفمبر2023- بات شمال القطاع ومدينة غزة يعاني من فقدان أبسط الاحتياجات الأساسية من الطعام، فقد حُوصر السكان في البيوت بفعل الاجتياح البري والقصف الجوي المستمر، وفرغت البيوت من المونة.

وبعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من بعض المناطق الشمالية بقي السكان يعتمدون على الأعشاب التي تخرج من باطن الأرض كـ "الخبيزة والحماصيص والرجلة" – أعشاب خضراء تتقن الجدات طهيها-، وفي حال توفرت المُعلبات من الخضار واللحمة كانت بأسعار باهظة فالعلبة الواحدة كانت تصل وقتها إلى 80 لـ 120 شيكل وهي بالأساس كانت بسعر 3 شواكل فقط.

بقي الشمال لشهور طويلة تمنع (إسرائيل) إدخال شاحنات المساعدات الغذائية، حتى أفرجت عنها قبل حوالي 4 أشهر، مما تسبب بوصول عدد من المساعدات منتهية الصلاحية إلى السكان أو لتضررها لبقائها تحت الشمس لساعات طويلة دون تبريد.

وصل للمراكز الصحية في شمال القطاع بعض حالات التسمم والإعياء بفعل تناول بعض تلك المساعدات لسوء تخزينها أو انتهاء صلاحيتها، لذا بحثت معدة التقرير عن حالات توثق الأزمة التي وقعت ودور الجهات المختصة على أرض الواقع هناك.

حالات تسمم وإعياء

في حي الشجاعية لايزال يعيش منذر سليمان – 60 عاما – عاش الجوع والنزوح، يقول إنه عانى مع دخول المساعدات الإغاثية وحصوله عليها من احدى الجمعيات الإنسانية، فمن شدة الجوع كان يفتح المعلبات ويأكل بنهم كونه بقي لشهور طوال دون طعام فقد بضع تمرات والقليل من الماء والقهوة.

يضيف إنه بعد تناوله للمعلبات التي حصل عليها من طرد إغاثي أصابه الإعياء الشديد "الاستفراغ والاسهال" خاصة بعد تناوله لنوع معين من اللحوم المعلبة.

ويعلق سليمان:" شعرت بتلبك في معدتي ولم أستطع الوقوف حاولت الوصول الى مركز صحي وبالكاد ساعدوني فالأولوية للجرحى (..) كنت محظوظا فقد ركب لي الممرضين المحاليل وحصلت على إبرتين".

ويشير إلى حالته الصحية تحسنت في الفترة الأخيرة لأنه حصل على "كنز ثمين" – في إشارة إلى كابونة من مؤسسة إغاثية- فيها الفواكه المجففة من تين وزبيب وعلب الفاكهة، معلقًا بحزن " كنا عايشين بعز ولا مرة تخيلت أوصل لهيك حال".

وبحسب متابعة معدة التقرير فقد تم اتلاف7) أطنان )من الطحين من قبل وزارتي التنمية الاجتماعية والاقتصاد في شمال قطاع غزة، إلى جانب اتلاف طرود من المعلبات منتهية الصلاحية، كما تحاول الوزارة ذاتها توزيع المنتجات التي لا تتحمل البقاء في المخازن خشية انتهاء الصلاحية أو تلفها.

بدورها تقول حنين الداية طبيب عام طبيب طوارئ في مستشفى المعمداني:" لم تصلنا أي حالة تسمم، أغلب الحالات تعرضت للحساسية بفعل أكل المعلبات، حيث ظهرت عليهم الحساسية والطفح الجلدي"، مضيفة إن العلاج يكون بأدوية الحساسية المتوفرة.

وتؤكد الداية أنها خلال ثلاثة أسابيع فقط مرَّ عليها عشر حالات تعرضوا للحساسية وتم معالجتهم وفق المتوفر من الأدوية والعلاجات.

وتشير إلى أن المواطنين في شمال غزة باتوا ينتبهون لصلاحية المعلبات خشية التسمم والحساسية، فهم يدركون أن الأدوية والعلاجات غير متوفرة، لافتة إلى أن التعامل مع الحالات التي تصلهم تكون من خلال مضادات حساسية مع توجيهات بمحاولة قدر المستطاع الابتعاد عن الأكل المُعلب.

وتجدر الإشارة إلى أنه وبحسب متابعة معدة التقرير التي لاتزال تقيم في الشمال وتحديدًا حي الزيتون، أن منظمة الغذاء العالمي بالشراكة مع الاتحاد الاوروبي استجابت لطلبات المواطنين وقامت بتغيير طرودها الغذائية، وذلك يإضافة أصناف جديدة

كانت المرة الاولى عبارة عن طرد غذائي واحد يضم المعلبات والحلاوة، بالدفعة الثانية تم تسليم طردين غذائيين بإضافة العدس والمعكرونة والملح والصلصة والحلاوة، وإزالة معلبات اللحوم بداخلها.

الجوع كافر، والتنمية اولاقتصاد تتلف الفاسد

"هل تعرضتِ للتسمم؟"، صرّحت أماني سالم بالإيجاب حين سألتها معدة التقرير، وذكرت أنها اشترت كمية من علب السردين والتونة لتعد أكلة "صيادية الحرب" لأفراد عائلتها مما أصابهم تسمم وتعبوا على أثره لمدة أسبوعين.

تقول أماني:" من الجوع لم أنتبه لتاريخ صلاحية التونة، فقط سارعت بالشراء وبسعر عالي، لتكون النتيجة مرض واعياء شديد، وما زاد الطين بلة أن المياه ملوثة (..) بحثت عن الخضراوات التي يزرعها الجيران في البيوت لأعد شوربة تسند معدتنا فترة الإعياء وبالكاد وجدت".

وتضيف:" لا أخجل حين أقول إن الجوع جعلنا نلهث وراء المعلبات وبثمن عالي، "فالجوع كافر" خاصة حين حوصرنا في مخيم جباليا لم نجد شيء لنتناوله والخروج من البيت يعني الموت".

وتحكي أنها تحاول قدر المستطاع تجنب معلبات اللحمة والسردين وتفضل الخضراوات المعلبة التي تشتريها من السوق أو التي تحصل عليها من الجهات المانحة، معلقة أنها في السابق لم تتناول المعلبات قط.

ووفق مصادر طبية في مستشفى كمال عدوان في تقرير نشرته قناة الجزيرة أعلنت عن وصول 60 حالة تسمم من مركز إيواء الشيماء نتيجة تناولهم لأطعمة فاسدة، جراء شح المواد الغذائية. نتيجة إغلاق المعابر وتوقف دخول المساعدات الإنسانية.

ولأن وزارة التنمية الاجتماعية تتولى توزيع الطرود الإغاثية الرسمية، تحدثت معدة التقرير مع رياض البيطار ممثلاً عنها وقال:" وزارته تعمل على اتخاذ اجراءات شديدة للحفاظ على سلامة المواد والطرود الغذائية منذ لحظة دخول المساعدات إلى منطقة غزة والشمال، حيث تقوم لجان متخصصة تتضمن وزارتي التنمية الاجتماعية والاقتصاد بعملية تتضمن "المشاهدة" وهي القادمة من نقاط الدخول عبر معبري "زكيم، وإيرز"، أو في الجنوب".

وتابع: أي ملاحظة تتعلق بصلاحية المساعدات القادمة يتم اكتشافها، هذه العملية تسمى" الاطلاع المباشر" أو "الفساد الظاهر"، فإذا وُجدت فيها أي ملاحظة، تتحفظ وزارة الإقتصاد على هذه الكميات.

ويضيف: "حينما تصل المساعدات لوزارة التنمية الاجتماعية، تذهب إلى أُ مناء المخازن، وبدورهم يقوموا بفحص أكثر من نوع للتأكد من سلامتها من حيث تاريخ الصلاحية".

وكما يقول البيطار:" حتى الآن عملية تسليم هذه المساعدات تجري وفق المطلوب، حيث هناك حالات نادرة تتعلق بمادة الطحين جاءت أساسًا من الجانب الآخر مكتوب عليها " اكسبير" منتهي الصلاحية" وتم تسليمها لوزارة الاقتصاد واتلافها وفق الاجراءات المعمولة بها.

ووفق معدة التقرير قالت" خلال تواجدها في إحدى مخازن التنمية الإجتماعية أنه تم إتلاف يقارب 7) طن) من الطحين الفاسد، ولم يتم تسليمه للمستفيدين منذ منتصف يونيو حتى نهاية أغسطس 2024.

وبالعودة إلى البيطار أكد على أنه" لا يوجد نظام تخزين"، عمليًا الهدف هو " صفر مخزن"، بمعنى أن المواد الغذائية تبقى داخل المخازن خلال فترة التوزيع والتسليم من يومين إلى ثلاثة وتسليمها للمستفيدين، منوهًا إلى أنه تم التعميم على كل المؤسسات الإغاثية في حال وجود أي ملاحظات يجب التبليغ عنها، وإخبار وزارة الاقتصاد.

ويوضح البيطار أسباب تلف المواد تكمن في عملية سوء التخزين البيتية، نتيجة انقطاع الكهرباء، وارتفاع درجات الحرارة، والكثير من العوامل الأخرى.

وإلى جانب الجهات الرسمية التي تقدم الدعم الإغاثي، للأونروا دورا في شمال القطاع حيث توزع المساعدات.

يقول محمد شويدح منسق غرفة عمليات الاونروا في غزة، إنهم يقدمون نوعين من المساعدات "غذائي، وغير غذائي"، موضحًا أن الغذائي جزء منه يكون من خلال المؤسسات الشريكة WFP أغلب طرودها معلبات، ومؤسسات شريكة أخرى تكون جزء كبير من طرودها من الأردن وقطر وتضم الأرز والسكر، وكذلك المطبخ العالمي يقدم أرز ومقلوبة وفريكة كوجبات، وتتعرض للتلف بسبب تعرضها للشمس داخل الشاحنات.

ووفق قوله فإن ما تم اتلافه لا علاقة له بفساد المواد، ولم تسجل الأونروا أي حالة تسمم، لافتا إلى أنهم يعملون وفق برتوكول معين عند توزيع المساعدات على مراكز التوزيع فبمجرد وصولها تكون بين أيدي المواطنين خلال48 ساعة.

وعلى ما يبدو أن الجهات الرسمية لا تعلم بوجود حالات اعياء كثيرة في صفوف المواطنين لاسيما شمال قطاع غزة، بفعل المعلبات التي توزع كمساعدات إغاثية، والمواطن أيضا لا يستطع تقديم شكوى فقط يكتفي بالإعلان عبر منصات التواصل الاجتماعي أو بالذهاب الى أي مركز صحي وفي حال حصل على العلاج يعتبر نفسه "محظوظ" كون الأولوية في العلاج للمصابين بفعل صواريخ الاحتلال.

وبعد المتابعة في موضوع توزيع المساعدات التالفة، لابد من سعى الجهات الرسمية والاغاثية بالتأكيد على الجهات المانحة بجلب مساعدات غذائية قادرة على الصمود في حالة اختلاف درجات الحرارة، وعدم وجود آليات حفظ للمواد.

بالإضافة إلى أن استمرار تنقل المواطنين من مكان إلى آخر بسبب النزوح، يتطلب جودة وتنوع باختلاف المواد، علاوة على ذلك أن تكون فترة الصلاحية طويلة.

إلى جانب السرعة في توزيع المواد الغذائية لتفادي التلف أو الاعتداء عليها وسرقتها، وكذلك تفعيل المتابعة من قبل دوائر الصحة، إلى جانب السرعة في توزيع المواد الغذائية لتفادي التلف او الاعتداء عليها وسرقتها. وكذلك تفعيل المتابعة من قبل دوائر الصحة.