كل هذا ولم تنتهِ الحرب!

بي دي ان |

12 سبتمبر 2024 الساعة 07:48ص

صورة تعبيرية
بعد قرابة عام، هنا وتحديداً من احدى مدن النزوح مازلنا نعيشُ في شبه صحراء حياة استنفذنا فيها كل محاولات الصمود، لا خيار غير الهروب، الهروبُ إلى الموتُِ أو الهروب منه، بل الحقيقة أننا لا نملك ثمن الهروب منه!
انتهت أموالنا مقابلَ أطعمةٍ بلا تواريخ انتهاء، بلا قيمة غذائية، سعياً منا لأن نبقى أحياء، وذهب الحرّ وجاء البرد وانقضى، وعاد الحرّ من جديد..
وانتصف النهار ثم قصُر حتى بلغ أقصر آجاله، ثم عاد ليطول من جديد..
والأجنة وُلِدت، والرُضّع غدوا أطفالاً، والأطفال كبروا، والأغصان الجافة أورقت، والعام الدراسي انتهى، وعام دراسي آخر قد بدأ.
وتجاعيد وجوهنا برزت، وخطوط الشيب فينا غدت أوضح، والغائبون في ازدياد..
أجل هانحن نعيش أبشعَ وأغربَ وأجحدَ حزن على هذا الزمان، حتى الحزن سرقوه منا أيضاً، لقد أعدمونا شعور الحزن فلم تُسعفنا ساعةٌ واحدة فقط، ساعة واحدة فقط لنُفجَع بالفراق، لم نشيّع أصدقاءنا، لم نعرف كيف قُتل أقرباؤنا؟! وأين دُفن جيرانُنا؟!، لم نرثيهم ولم نفزع إليهم، تعاقبوا راحلين خلف بعضهم، تسابقوا إلى ربهم، لم نفتح لهم بيوتاً للعزاءِ حتى في قلوبنا، لم نوقف عجلة الأسماء والمواقف والصور التي جمعتنا، كانوا يجْرُون، ويجرُون، وكنا نجري خلف أسمائهم وهيئاتهم، كالمجانين!
لا أتخيل أنني لم أبكِ أحداً، ولم أمارس أياً من مظاهر الفقد ولم أكتم شهقة الصدمة حين ارتطمتُ بأصوات الموتى!
إننا اليوم نعاني نزفاً حاداً جداً في عقولنا، كيف تعاقَبت علينا الإبادات، ولاحقتنا أهوالها في كل زاويةٍ هربنا إليها، كيف بقيتُ أنا هنا بينما رحل جمعٌ غفيرٌ من الأصحاب والمقربون، أفتّش في ذاكرتي أتفقدُ أسماءهم مطولاً حتى إذا تجلت لحظة الحقيقة وسط هذا الكابوس الممتد، أعود أنادي "ياالله أبي لم أودعه ولم أراه من قبل وفاته أشهر عديدة، ورهف وريماس يالله، ياالله شيما وأطفالها، ياالله تهاني، ياالله فادي، منصور، عماد، مازن، شفا، حبيبتي تيا، أم ياسر، أبو الطيب، يا صديقة طفولتي أميرة، معقول أبو زياد، دانا، والدها واختها، أبو فارس، وسيم، نعيم، ياالله كلهم كلهم، كلهم كلهم ياالله … وكل هذا، ولم تنتَهِ الحرب.. "
في قلوبنا سكاكينٌ بل أرتالٌ من القهر لو قُسمت على شعوب الأرض لكفتهم!
لقد خذلوا حزنَنا حتى صار الحزنُ ترفاً لم نستطعه، أمّا وقد أسعفتنا ثوانٍ قصيرة لنفعل، فقد قطعَتها كالعادة أخبارٌ لم تكن تصلنا بعد!
لم نبكِ على مايرُام، فلتبكوا على الشاشات نيابةً عنا، علّ التاريخ يوثّق مسلسل خُذلانكم ويجزيَكم ببلادتكم أضعافَ ما نذوقه اليوم.
السلام على من صدق، وقليلٌ من عباده الصادقين!