أوهام التفاؤل الأميركي

بي دي ان |

26 أغسطس 2024 الساعة 09:14م

الكاتب
الإدارة الأميركية تقود الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني عموما وقطاع غزة خصوصا على مدار الشهور ال11 من حرب الأرض المحروقة، ولم تحد لحظة واحدة عن خيارها وأهدافها الجيوسياسية في هندسة إقليم الشرق الأوسط الكبير وضمنه الوطن العربي. وذهاب تيار سياسي واقتصادي وثقافي الى الفصل بين إسرائيل الأداة الوظيفية للغرب عموما والولايات المتحدة بشكل أخص، التي تقود المعسكر الامبريالي، فيه اغتراب عن القراءة العلمية لطبيعة العلاقات الاستراتيجية بينهما، ومحاولة استعمال المواقف الشكلية المتباينة بين الطرفين كركيزة للبناء عليها في الفصل المشوه، لإسقاط رغبوي للي عنق حقائق الواقع، وانحراف ناجم تغييب متعمد بين البعدين التكتيكي والاستراتيجي، والتعامي عن المنهجية الناظمة لتبادل الأدوار وصولا لتحقيق المصالح الحيوية لكليهما، وبالأساس للولايات المتحدة.
من المؤكد وجود تباينات في الحسابات والاليات المتبعة في إدارة الحرب بين واشنطن وتل ابيب لبلوغ الأهداف، الا ان هذا التباين الشكلي، لا يؤثر على وحدة الهدف والمصالح المشتركة، وهي في الجوهر مصالح السيد الأميركي. وبالتدقيق في جولات المفاوضات الدائرة منذ شهور لوقف الإبادة الجماعية وابرام صفقة التبادل للأسرى وترتيبات اليوم التالي للحرب، نلحظ موظفي الإدارة الأميركية يرشون السكر على الموت الفلسطيني، وينشرون ليلا ونهارا أوهام التفاؤل عن حدوث تقدم في المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، مع أن الوقائع وباعتراف القيادات العسكرية والفريق المفاوض وقوى المعارضة وذوي الرهائن الاسرائيليين، بأن الحاكم بأمره نتنياهو يواصل بشكل مستمر اخراج أوراقه وشروطه المعطلة لأي بارقة أمل بإحداث اختراق فيها.
ولم يتوقف اركان البيت الأبيض عند حدود التفاؤل، وانما باتوا يستخدمون مفاهيم "الجولة الأخيرة" و"الاحد الحاسم" وكأن أمكانية الاتفاق باتت قاب قوسين أو أدنى. ومضت الجولة الأخيرة والأحد الحاسم، أول أمس 25 آب/ أغسطس الحالي دون أية نتائج، ولمزيد من المناورات وتبادل الأدوار بين ممثلي إسرائيل وأميركا، الذي أمسى واضحا وجليا في اجتماعات المفاوضات، مثلا فيما يتعلق بمحور فيلادفي طرح الإسرائيليون التواجد في 8 نقاط مراقبة بشكل دائم، بينما طرح الاميركيون للمناورة والالتفاف على موقف الوسيط المصري والفريق الفلسطيني بالاكتفاء بنقطتين أو ثلاثة. في حين ان هذه النقطة بالإضافة للإصرار على التواجد في محور نتساريم يتعارض مع ألف باء الموقف الفلسطيني، كما انه يتناقض مع اتفاقية كامب ديفيد المصرية الإسرائيلية ومرافقاتها في عام 1979. وأكدت مرارا وتكرارا القيادة المصرية على الانسحاب الكامل من محور فيلادفي والقطاع عموما.
أضف الى أن الفريق المفاوض الإسرائيلي بتعليمات من رئيس الوزراء الإسرائيلي يصر على أولا رفض الافراج عن عدد من أسرى الحرية الفلسطينيين؛ ثانيا ولا يقبل بمبدأ الابعاد لأي من الاسرى لخارج الوطن الفلسطيني؛ ثالثا الرفض القاطع للانتقائية في عودة النازحين الفلسطينيين من الجنوب الى الشمال، والتغيير الديمغرافي في البيئة السكانية داخل مدن وبلدات ومخيمات القطاع؛ رابعا رفض وجود أية إدارة محلية في محافظات غزة من أبناء القطاع تحت أي مسمى، روابط قرى أو غيرها؛ خامسا عدم القبول بالتواجد الإسرائيلي في أي بقعة من ارض القطاع مهما كلف الثمن؛ سادسا عدم استعداد نتنياهو تقديم اية ضمانات دولية وعربية لوقف الحرب والانسحاب الكامل من كل مليمتر من أرض غزة؛ سابعا إمعان زعيم إسرائيل القوي على استمرار الحرب حتى تحقيق ما يدعيه "النصر الكامل"، وهو ما يعكس رفض الوصول الى أية صيغة اتفاق؛ ثامنا يرفض (نتنياهو) استلام الأجهزة الأمنية الفلسطينية معبر رفح، ويصر على وجودهم بملابس مدنية، ودون التعريف عن كونهم من منتسبي الأجهزة الأمنية، كما ويرفض رفع العلم الفلسطيني.
إذاً اين هي معايير التفاؤل الأميركي؟ وهل تزحزح رئيس الائتلاف الإسرائيلي الحاكم خطوة واحدة للوراء عن مواقفه المعطلة لإبرام الصفقة؟ الا تكشف المواقف الأميركية عن خداع وتضليل وكذب معلن على الرأي العام الأميركي والعالمي؟ وهل توقفت جولات المفاوضات المتدحرجة والمتواصلة بشكل ممل وسخيف، حتى يدعي ممثلو الإدارة الأميركية عن "الجولة الأخيرة"؟ وهل نجم عن مفاوضات الاحد الماضي في القاهرة أية نتائج إيجابية بالمعايير النسبية؟
مما تقدم، تؤكد الوقائع، أن واشنطن تتوزع الأدوار مع حكومة الائتلاف الحاكم الإسرائيلي في تعطيل المفاوضات، وتغطي جرائم إسرائيل وابادتها الجماعية للشعب الفلسطيني بشكل معلن، ولو شاءت إدارة بايدن من إحداث اختراق حقيقي في ابرام الصفقة، ووقف الحرب فورا لأمكنها ذلك. لكنها لا تريد، وكما نعلم، هي صاحبة مشروع قرار مجلس الامن الدولي 2735، الذي هو أساسا موقف نتنياهو، ومع ذلك عملت واشنطن على الالتفاف على القرار الاممي، وتعمل بشكل حثيث على إفراغه من محدداته، ومراحل تطبيقه الثلاث، وكل ذلك لخدمة فرض هيمنتها على الإقليم، وتجسيد اجندتها الجيوسياسية في إطار الترتيبات الدولية لإعادة تشكل المنظومة العالمية الجديدة، وعزل منافسيها العالميين الصين وروسيا الاتحادية.
[email protected]
[email protected]