"أزمة السيولة النقدية" تؤرق سكان غزة.. والدور الرقابي مغيّب!

بي دي ان |

18 أغسطس 2024 الساعة 01:25م

صورة تعبيرية
غيضٌ من فيض "أزمة السيولة النقدية" بالأسواق، وظروفٌ اقتصادية في غاية السوء، وخصمٌ مالي مرتفع، وانتشارٌ للفوضى، ونقصٌ بالمصارف ومكاتب الصرافة، ودورٌ رقابي مغيّب، في ظل حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة.

وعلى مدار عشرة أشهر، استهدف الاحتلال الإسرائيلي الأنظمة المصرفية والمالية، أدى ذلك لتدمير عشرات مكاتب الصرافة، وآلات الصرف، وحظر وصول الحوالات المالية للغزين، في ظل غياب الدور الرقابي من قبل الجهات المختصة، علاوة على ذلك، ارتفعت نسبة الخصم المالي كعمولات عن المبالغ التي يسعى الغزيون في شمال القطاع وجنوبه للحصول عليها نقدًا.

 لـ "پي دي ان"، يروي المواطن إبراهيم الخطيب، النازح لجنوب القطاع، والذي يعمل مصمم جرافيك لدى وكالة أجنبية، إنني"منذ أشهر وأنا أجد صعوبة شديدة باستلام حوالاتٍ مالية من الجهة التي أعمل معها بالخارج". 

ويتابع الخطيب:" شهرياً أضطر لاستلام حوالةٍ مالية ترد لي، مقابل خصم 18% من المبلغ المرسل عبر مكتب صرافة في مدينة دير البلح، ويُعد هذا الأقل عمولة في ظل أزمة استلام الحوالات الخارجية أو التكييش".

ووجه الخطيب اتهام لمكتب الصرافة باستغلال حاجته للمال، "فقد كان يأخذ في بداية الحرب 12% أما الآن ارتفعت لـ 18%" مشيراً إلى أن المبلغ الوارد لحسابه ثلاثمئة دولار، احتسبت قيمته قبل الخصم بألف شيقلاً، بدلاً من 1110 بالسعر الدارج بالسوق المحلي للعملات النقدية، وعدم وجود سيولة نقدية جعلته يحصل على خصم من المبلغ بنسبة18%. 

أما الشابة اسلام أبو جهل، حي التفاح شرق القطاع، تقول" أرسل لي أخي المقيم خارج القطاع، مبلغ من المال عبر حسابي البنكي لأسد به احتياجاتي الضرورية في ظل غلاء المعيشة، وبعد محاولات عديدة وطول انتظار استطعت أن استلمه بخصم قيمته 20% " مؤكدة أن التحويل الخارجي لغزة يمر بتفاصيل معقدة جدًا وأنه لولا شدة حاجتها للمبلغ لِما قبلت بالابتزاز ورضخت للأمر الواقعي

وتعقّب أسماء ماضي، النازحة لجنوب القطاع، وتعمل موظفة لدى الأونروا :"البنوك لا تسمع لعملائها المودعين بسحب أموالهم بالدولار من ماكينات السحب الآلي المحدودة العدد، والتي كانت تعمل بشكل جزئي"، موجهة اتهاما للبنوك بأنها تقوم بالتواطؤ مع الأشخاص العاملين في السوق السوداء".

ولم يتمكن الموظف في وزارة الصحة الفلسطينية أكرم المصري من صرف راتبه منذ عدة أشهر بسبب أزمة السيولة النقدية، رغم حاجته الماسة للصرف في ظل الظروف المأساوية التي خلفها الاحتلال طول أمد الحرب.

ومنذ أن شن الاحتلال الإسرائيلي حرب إبادته الجماعية عالقطاع، تعرض عدد كبير من أصحاب الحوالات لخسارات كبيرة، وارتفاع الأسعار الجنوني، وشح المواد اللازمة لاستمرار الحياة.

ووفقاً لحديث المواطنين بالسوق الغزي، 
فإنّ الصرّافين في بداية الحرب كانوا يضعون نسبة لا تتجاوز 1 إلى 2% في أسوأ الأحوال، ثم ارتفعت النسبة بشكل تدريجي حتى وصلت مع نهاية أبريل/ نسيان الحالي إلى 20%. 

وبحسب مركز الميزان لحقوق الإنسان ،"أن الاحتلال يمنع وصول السيولة النقدية الضرورية لعمل المصارف بالعملات المختلفة ولاسيما الشيقل الإسرائيلي الذي يشكل عملة التداول الرئيسية في فلسطين، وبذلك تنتج أزمة بتوفر السيولة المالية غير المسبوقة في قطاع غزة". 

‏ويبيّن المركز أن أزمة نقص السيولة تؤثر على مناحي الحياة بشكل مباشر، وتضاعف من التحديات التي تواجه الغزيين بشكل يومي، وتحول دون قدرتهم على سحب أموالهم من البنوك سواء رواتب وأجور الموظفين أو صناديق التوفير والودائع أو تلقي التحويلات الخارجية". 

ويجدر بالإشارة إلى أن أكثر من يعاني بسبب هذه الأزمة هم الفئات الأكثر هشاشة اقتصادياً، والتي لم تستطع تلقي مخصصاتها منذ بداية العدوان، مثل منتفعي الشؤون الاجتماعية، وأسر الشهداء والجرحى والأسرى؛ ما يتطلب تدخلاً ضرورياً عاجلاً في ظل عدم وجود أي مورد مالي آخر لهذه الأسر.

وفي الوقت ذاته، لم تتجاوب سلطة النقد الفلسطينية، معنا لتبرير هذه الأزمة وتقديم توضيح يخص هذه القضية.

ولكن في السياق ذاته، أصدرت سلطة النقد، بياناً بتاريخ 24 مارس /آذار مؤكدة أن  عدد من فروع المصارف ومقراتها تعرض للتدمير الإسرائيلي، مما تسبب بتعذّر فتح ما تبقى من فروع، للقيام بعمليات السحب والإيداع في محافظات القطاع كافة.

ووفق البيان، فقد نجم عن ذلك أزمةً غير مسبوقة في وفرة السيولة النقدية بين أيدي المواطنين وفي الأسواق، "وقد تفاقمت الأزمة مع خروج معظم أجهزة الصراف الآلي عن الخدمة.

وشددت أنها تتابع شكاوى مواطنين تعرضوا للابتزاز والاستغلال مقابل حصولهم على تحويلات مالية خارجية، رافضة علميات الابتزاز واستغلال المواطنين في ظروفهم القاسية.

وتعقيبًا على هذه القضية، أوضح الخبير الاقتصادي الدكتور سمير أبو مدلله لـ"بي دي ان"، أنه وفق بروتوكول اتفاقية باريس الاقتصادية، أن السيولة تأتي من البنك المركزي الإسرائيلي للبنوك عبر سلطة النقد الفلسطينية، لكن منذ السابع من أكتوبر الماضي، يقوم الاحتلال بإغلاق المعابر، ومنع دخول البضائع، ومنع ادخال السيولة مما أدى لاغلاق البنوك بالقطاع. 

وأشار أبو مدللة، إلى أن "السيولة المتداول بها أتت من البنوك وبدأت عملية دورانها بالأسواق، وتناقصت بسبب أن جزء منها خرج للخارج مع بعض رجال الأعمال أو المواطنين المسافرين عبر تنسيقات الشركات". 

ويتابع :" أنه وفقاً لاتفاق باريس فإن العملة المهترئة يتم تحويلها للجانب الإسرائيلي لاستبدالها بعملة جديدة، لافتاً أيضا إلى حل هذه الأزمة يكون عبر سلطة النقد من خلال مخاطبتها للمؤسسات الدولية ذات الصلة والبنك المركزي الإسرائيلي والمحاكم الاقتصادية بالخارج لتنفيذ ماينص عليه اتفاق باريس واتفاقية جنيڤ الرابعة حول ادخال السيولة لقطاع غزة". 

وبيّن أبو مدللة "أن جزء كبير من المواطنين من لديه تطبيق بنكي أو صراف آلي أو فيزا يقوم بعمليات الشراء من خلال التحويل البنكي"منوهاً إلى أن ارتفاع الأسعار بشكل فلكي جدا يعود لكثرة الطلب وقلة العرض بالأسواق، وجشع بعض التجار وبعض المواطنين، فهذه الفئة تبرز في كل أزمة وفي كل بلد وهذا ما يدفع ثمنه المواطن الغزي". 

ويكمل :" إن السلع المتواجدة هي جزء من المساعدات كالمعلبات، فلا يوجد سلع جديدة تدخل للقطاع كالاحتياجات الصحية واحتياجات الزراعة والصناعة والبناء والسلع الاستهلاكية." منوهاً أن الاستيراد اليومي لهذه الاحتياجات كان بالماضي يتراوح مابين ٨٠٠ لـ  ١٠٠٠ شاحنة أصبح متوقفاً أو متقلصاً اليوم". 

وحول اسهام أزمة السيولة بانهيار البنوك الفلسطينية، اختتم د. سمير أبو مدللة، أن البنوك تعمل بطبيعتها بإدارة حسابات وتحويلات مقابل مبالغ مالية لذلك لا يوجد مخاطرة من عملية الانهيار، منوهاً أن الاقتصاد بغزة بحاجة لتعافي القطاع المصرفي وتنشيطه يأتي من خلال رفع القيود عن الحوالات المالية الفردية والمؤسسية، كذلك الافراج عن الأموال المحتجزة، وانهاء الجانب الاسرائيلي القرصنه علي أموال المقاصه
تعدييل وردع الاستغلال من أي جهةٍ".