خطورة قرار فصل الموظفين

بي دي ان |

12 أغسطس 2024 الساعة 09:12م

الكاتب
سجل الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش وغيره من اركان المؤسسات الأممية مواقف نبيلة وشجاعة في مواجهة الإبادة الجماعية الإسرائيلية الأميركية على الشعب الفلسطيني خلال الشهور ال10 الماضية، مما عرضهم لحملات تحريض واسعة ومغرضة من قبل حكومة بنيامين نتنياهو النازية، وتجلت في تمرير قانون بالقراءة الأولى في الكنيست باعتبار وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الاونروا" منظمة "إرهابية" يوم الاثنين 22 يوليو الماضي، وهو سابقة خطيرة من قبل دولة مارقة وخارجة على القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي باتهام وكالة أممية معروفة بمصداقية وكفاءة موظفيها عموما في الالتزام بميثاق وأنظمة عمل الأمم المتحدة في تقديم الخدمات الإنسانية لأبناء الشعب الفلسطيني من اللاجئين، والتقيد بالحيادية، والابتعاد كليا عن الانحياز لأي طرف من أطراف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
بيد ان بعض العاملين بوكالة "الاونروا" وقعوا في خطايا التساوق أحيانا مع سياسات واتهامات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وكان آخرها خلال الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني بادعاء حكومة الائتلاف الحاكم النازي 12 موظفا فلسطينيا بالمشاركة في الهجمات المسلحة في 7 تشرين اول / أكتوبر 2023 على غلاف قطاع غزة مع إسرائيل، نجم عن ذلك توقيفهم عن العمل من قبل المفوض العام للوكالة، فليب لازاريني، ثم تبين براءة أولئك الموظفين، واعيدوا للعمل ثانية. غير ان قضية الادعاء الإسرائيلي الكاذب لم تنتهِ، وبقيت قضية التحقيق بشأن حملة التحريض الإسرائيلية الأميركية قائمة لدى مكتب خدمات الرقابة الداخلية التابعة للأمم المتحدة المكلف بالتحقيق في الادعاء.
وكانت إسرائيل اتهمت 12، وليس 19موظفا، كما جاء في تقرير مكتب خدمات الرقابة الداخلية، من موظفي "الاونروا" بالمشاركة في هجمات 7 تشرين اول / أكتوبر الماضي في نهاية العام الماضي، وطالبت الدول المانحة بالامتناع عن تحويل الأموال لها، وتحويلها لمنظمات أخرى تعمل في المجال الإنساني، بهدف تصفيتها. مما دفع عدة دول على رأسها الولايات المتحدة أكبر جهة مانحة الى تعليق تمويل الوكالة، مما هدد جهودها بتقديم المساعدات الإنسانية في غزة، الا ان كافة الدول تراجعت عن قرار عدم تمويل الوكالة، باستثناء اميركا.
ولم تنتهِ الأمور عند ما ذكر، حيث عاد مكتب خدمات الرقابة الداخلية لإثارة الموضوع مجددا لينكْ الجراح بشأن الموظفين  يوم الاثنين 5 آب / أغسطس الحالي، تمثل بأصدر مكتب المتحدث باسم الأمم المتحدة، فرحان حق بيانا جاء فيه، أن نتائج التحقيق المتعلقة بموظفي "الاونروا" ال19، الذين زعم مشاركتهم في الهجوم المسلح توصلت الى بتبرئة 10 موظفين، واما ال9 موظفين الاخرين حسب البيان الاممي "كانت الأدلة التي حصل عليها المكتب المذكور غير كافية لدعم الادعاء ضد الموظفين"، واستخدم صيغة "ربما شاركوا" في الهجمات، وسيتم إنهاء توظيف هؤلاء الافراد خدمة لمصالح الوكالة؟ وبالتالي القرار بإنهاء خدمة الموظفين الفلسطينيين باطل، ولا يستند الى الأدلة القاطعة ضدهم، وهو ما يعني الوقوع في خطيئة الحملة التحريضية الإسرائيلية الأميركية، التي لا تستهدف الموظفين، بقدر ما تستهدف وكالة "الاونروا" نفسها، التي اعتبرتها إسرائيل "منظمة إرهابية" بهدف تصفية الوكالة، وشطب ملف اللاجئين الفلسطينيين، أحد أهم اهداف الدولة العبرية ومن خلفها الولايات المتحدة على طريق تصفية القضية الفلسطينية كليا.
ومع ذلك للمضي في التساوق مع الادعاء الإسرائيلي، ورغم معرفة خلفية حملة التحريض الكاذبة، قال المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة، حق " لدينا معلومات كافية لاتخاذ الإجراءات التي نتخذها، أي انهاء خدمات هؤلاء الأشخاص ال9". رغم انه يعترف صراحة "ان الموظفين في المنظمة ربما تورطوا في الهجمات" وخلص للقول "ان المنظمة ستحتاج الى تقييم أي خطوات أخرى للتأكد بشكل كامل" حسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس"،  
وفي بيان منفصل بشأن التحقيق أعلن المفوض العام ل"الاونروا" فليب لازاريني إذا تم التحقق والتأكد من أدلة اتهام ال9 موظفين بالمشاركة في الهجمات، لا يمكنهم العمل في "الاونروا"، وسيتم إنهاء عقودهم. لكن "الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين" رفضت القرار الجديد، وأصدرت بيانا استنكرت فيه، ورفضت قرار المفوض العام بطرد ال9 موظفين، واعتبرته قرارا سياسيا، ومخالفا للإعلان العالمي لحقوق الانسان.
واعتبرته سابقة خطيرة من لازاريني. لان قراره يخالف أولا أحد بنود الإعلان العالمي لحقوق الانسان، الذي يشير الى أن المتهم بريء حتى تثبت ادانته، ويخالف التقرير الصادر عن وزيرة خارجية فرنسا السابقة، التي ترأست لجنة تحقيق مستقلة قبل 9 اشهر، الذي اعتبر ان اتهام موظفين بالضلوع في هجمات 7 تشرين اول / أكتوبر الماضي، هي اتهامات باطلة وافتقرت لأدلة دامغة، وقد أيد التقرير الأمين العام للأمم المتحدة، غوتيريش، وكانت نتائجه عدول الدول كافة عن تعليق مساهماتهم المالية للوكالة، باستثناء الولايات المتحدة، التي علقت مساهمتها حتى عام 2025.
وعليه طالبت "الهيئة 302" المفوض العام للوكالة بالتراجع الفوري عن قراره التعسفي، الذي يشوه صورة عمل الوكالة والأمم المتحدة وقيمها ومبادئها.
إذا قرار لازاريني وقبله مكتب خدمات الرقابة الداخلية باطل، ولا يمت بصلة للقانون الإنساني الدولي، والاعلان العالمي لحقوق الانسان، وهو اتهام سياسي غير مسبوق وخطير، وفيه تجني فاضح على الموظفين والأمم المتحدة على حد سواء، وتواطؤ بالغ الدلالة مع إسرائيل النازية، وهو جريمة بحق هيئة الأمم المتحدة ومنظماتها الإنسانية الملتزمة بالمبادئ والمواثيق والانظمة والمعاهدات الدولية. ولا يجوز ان يمر هذا القرار المجحف والمتناقض مع ابسط القوانين الأممية ذات الصلة، ويجب ملاحقة المفوض العام للوكالة ومكتب خدمات الرقابة الداخلية حتى التراجع عن القرار، والاعتذار عن قرارهم الخطير والمرفوض فلسطينيا وامميا.
[email protected]
[email protected]