سعادتنا… تكمن في إلتزامنا بواجباتنا قبل حقوقنا

بي دي ان |

03 فبراير 2021 الساعة 06:19ص

يقول المفكر الجزائري مالك بن نبي: لسنا بحاجة إلى نظرية تهتم  بالحق أو الواجب على حدة، فإن الواقع الاجتماعي لا يفصلهما، بل يقرنهما، ويربطهما في صورة منطقية أساسية، وهي التي تسير ركب التاريخ ، كما أن العلاقة بين الحق والواجب هي علاقة تكوينية تفسر لنا نشأة الحق ذاته، تلك التي لا نتصورها منفصلة عن الواجب، والشعب ليس بحاجة إلى أن تتكلم له عن حقوقه وحرياته، بل هو بحاجة إلى نحدد له  الوسائل التي يحصل عليها،  وهذه الوسائل  لا يمكن إلا أن تكون تعبيرا عن واجباته.
والواجب معناه يتمثـل فـي "أي أفعال تفرضها قواعد مقبولة تحكم أي ناحية هامة من نواحي الحيـاة الاجتماعيـة أو أي عمـل تعاوني"، وهذه الواجبات تتمثل في الواجبات الخلقيـة، والقانونيـة، والوطنيـة، والاجتماعيـة، والعائلية، والعقائدية  
وبمعنى آخرفإن ما للإنسان يسمى «حقا»، وما عليه يسمى «واجبا»، والحق والواجب متلازمان، فمتى كان لشخص حق كان هناك واجب، بل الواقع أن كل حق يستلزم واجبين: واجبا على الناس أن يحترموا حق ذي الحق ولا يتعرضوا له أثناء فعله، وواجبا على ذي الحق نفسه، وهو أن يستعمل حقه في خيره وخير الناس، فمثلا إذا كان لي بيت فهو حق لي، وذلك يستلزم واجبين: واجبا على الناس ألا يتعدوا على هذا البيت بضرر، وأن يحترموا حقي في ملكيته وواجبا علي وهو أن أستعمل البيت في خيري وخير الناس، فإذا أشعلت فيه نارا أريد إحراقه أو آذيت الناس بإيجاره لعمل مقلق للراحة لم أكن أديت ما وجب عليّ، وهكذا.
وهنا يمكن القول أن الحقوق تُشير إلى الأشياء المُراد من الأفراد الآخرين فعلها تجاه الفرد، بينما تُشير الواجبات إلى الأشياء المُراد أن يفعلها الفرد تجاه الآخرين؛ لذلك فإنّ الحق يأتي باحترام حقوق الآخرين والالتزام بذلك ، إذ إنّ الالتزامات المصاحبة للحقوق هي في الحقيقة واجبات، ويصبح للحقوق معنى في حال قام الأفراد بواجباتهم، وتساهم كلّ منهما في تسهيل الحياة وتيسيرها في حال سارت الحقوق والواجبات جنباً إلى جنب بحيث تكمّلان بعضهما البعض، ومثال ذلك لكلّ فرد الحق في الاستمتاع بالمرافق العامة؛ كالنقل أو الخدمات الصحية، وفي نفس الوقت يكون من الواجب عليه الحفاظ عليها والسماح للآخرين بالاستفادة منها، ومثال آخر، لكلّ فرد الحق في ممارسة الحرية، لكن في نفس الوقت يكون من الواجب عليه عدم إساءة استخدام تلك الحريات في سبيل إيذاء الآخرين.
نرى  اليوم أن بعض الناس يطالبون بحقوقهم ويتجنبون القيام بواجباتهم أو يتجاهلونها، وهذا يؤدي الى وجود فجوة بين قيمة الحقوق والواجبات ، وكما أن للفرد مجموعة من الحقوق التي يتمتع بها داخل المجتمع،  عليه أيضا عدة واجبات ومسؤوليات يجب عليه القيام بها، ويمكن تقسيمها إلى إلزامية مثل: دفع الضرائب، وذلك للإسهام في الدعم الاقتصادي للدولة لتقوم بتقديم الخدمات للمواطنين، والالتزام بالقوانين على أساس المساواة والعدالة الاجتماعية، وتكريس الأمن والنظام .
وكثيرا ما  نلتقي بأناس يضجون بالشكاوى وترتفع أصواتهم مُعبرين عن حقوقهم التي هُضِمَت وامتيازاتهم التي صُودِرت، بينما يُطأطئون الرؤوس ويَصمتون ويرتبكون عند مطالبتهم بواجباتهم التي قصَّروا في أدائها والتزاماتهم التي أخلّوا بها وأهملوها ولم يؤدوها كما تستحق ومع ذلك مازالوا مستمرين بالشكوى..
فالمشاركة في الانتخابات واجب وطنى وجزء لا يتجزأ من الولاء والانتماء للوطن" وعلى المواطن أن يدرك أن مشاركته لها دور إيجابي في مسيرة الوطن الديمقراطية، وهناك واجبات ومسؤوليات أخرى يقوم بها الإنسان طوعا تتمثل في المشاركة في تحسين الحياة السياسية والمدنية، والالتزام والولاء السياسي للدولة، وانتقاد ظروف الحياة السياسية والمدنية بشكل عام، والمشاركة المجتمعية، واحترام حقوق الآخرين والدفاع عنها. 
فالصحـة حق يجب علينا أن نتمتع بها وعلينا أن نحصل على كل الظروف من أجل أن نعيش بصحة جيدة ، لكن يبقى الحفاظ عليها مسؤوليتنا وواجبنا نحوها ، فالواجب في الصحة هو الاعتناء بها والمحافظة عليها.
إن الحديث عن حقوق الإنسان وصمته عن واجباته، هو إقرار بالخلل الكبير في فهم مهمة الإنسان في الحياة، والتي لا تزال تعالج في أغلبية المناهج الدراسية بمنظور جزئي بعيداً عن الشمولية والتكامل؛ ولهذا  يجب أن ندرب طلبتنا على ضرورة الالتزام بالواجب، والذي  يتصل  مضمونة بالعطاء، والخدمة والتضحية والوعي الذي يبلغ سموه في هذه القيم. ويجب أن يدرك الطالب أن عليه واجب تجاه مدرسته وضرورة المحافظة عليها، والاهتمام بدروسه، وكل منا عليه واجب  أيضا فالعامل في مصنعه، وما يترتب عليه من واجبات تجاه عمله، ومدى إتقانه له، والطبيب في المشفى، وواجباته تجاه مرضاه، والجندي في كتيبته، وواجباته تجاه وطنه والدفاع عنه، وبهذا يتعلم الطالب أن الإنسان الناجح هو الذي يعطي أكثر مما يأخذ، فقيام كل فرد بواجبه خير قيام، يعني حصول كل فرد على حقه.
إن التزام المواطنين بمنظومة الحقوق والواجبات تعمل على تماسك المجتمع، وترابطه، وازدهاره ورقيه.  وذلك  من خلال  تحقيق الفرد لأهدافه في الحياة، وتحقيق الطمأنينة للفرد وانتشار الحب والوئام بين أفراد المجتمع. كما أن  اختلال الحقوق والواجبات وعدم تأديتها بحق يؤدي  إلى انهيار المجتمعات، وتفكّكها، فتصبح حياة المواطنين كحياة الغاب، حيث تتغيّر تصرّفاتهم إلى اللامبالاة  وانتشار الفوضى والتخريب والعبث بمشاعر الآخرين.
إن ترسيخ ثقافة واجبات الإنسان ينبغي أن يكون على التوازي، وبنفس القدر من الاهتمام بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، مما سيكون له بالغ الأثر على جودة الحياة، واحترام المواطنين لبعضهم بعضا، واحترام الدولة لحقوق المواطنين، وتمتعهم بحريات حقيقية دون فوضى، مما يسهم في دفع عجلة التنمية، بما يحقق الأهداف والآمال والطموحات التى يرجوها الإنسان، وهذا يتطلب من كل مواطن أن يقوم بواجباته وأن يحترم حقوق وحريات الآخرين، وكذلك يتمتع بالشفافية الكاملة في كل عمل يقوم به؛ ولهذا فان الواجب الأخلاقي يحتم علينا العمل وفق القاعدة التي تقول: افعل كما لو كان ما تفعله هو قانون كلي عليك وعلى الجميع، وافعل كما لو كنت تشرع لنفسك .
ومن هنا أرى أن الإنسان يجب أن تكون علاقته بمن حوله علاقة تفاعل بين طرفين؛ أي وجوب تحقيق الموازنة المتبادلة بما له وما عليه، وهذا يعني أن يتمتّع بالحقوق التي له، ويؤدّي الواجبات التي عليه. إنّ مفهوم الحق والواجب متلازمان في جميع الأنشطة الاجتماعية والسياسيّة في حياة المواطن؛ فبقدر التزامه بواجباته يضمن حصوله على حقوقه، فالحقوق ترفع من قدر المواطن  وحريته، والواجبات تعبّر عن احترام المواطن لحريته وحرية الآخرين.
وهنا لا بد من التركيز على ثقافة الواجب في مناهجنا المدرسية ، وهو أمر يفسر تلك الفجوة الموجودة بين ما يتم تعلمه في المدرسة والممارسات العملية على أرض الواقع؛ وتعكسه مظاهر انتهاك حقوق الانسان في المدرسة والحياة العامة، أو في المواقف المتشنجة والمتعصبة تجاه الآخر المختلف ثقافيا ودينيا وحضاريا؛لذلك يبدو أساسيا إدماج البعد المرتبط بالواجبات في السياسات التعليمية، وجعله مرتكزا من مرتكزاتها. 
وهنا يمكن القول أن نهضة الأمم تُبنى بإقرار حقوق الإنسان والعمل بها وحمايتها واحترامها، كما تُبنى بأداء الواجبات وبالحث على القيام بها وبنشر ثقافة الواجب كما تنشر ثقافة الحق، فهما متلازمان متكاملان. كما أن العدالة الحقيقية لا تبنى على الحقوق لوحدها ولا على أساس الواجبات لوحدها بل إنها تقوم على فكرة التوازن بين الحق والواجب فعدم قيام الفرد بواجبه لا يتيح له المطالبة بحقوقه ، وتبدو فكرة الموازنة بين الحق والواجب من الخيارات الأكثر فعالية وإيجابية في سبيل إقرار مبدأ العدالة القائم على فكرة التساوي في الحقوق والواجبات.
 ونختم بالقول أن جذور الحقّ والواجب واحدة، فحقِي هو واجب على غيري وواجبك هو حقّ لغيرك. وهو ما أكَّده علماء الاجتماع على تلازُم الحقّ والواجب كشرط من شروط النهضة ، ومن العدل أن ندرك ونعلم بأنّ بذل الواجبات هو أفصح محام وأعدل قاض وأمضى سلاح لنيل الحقوق، ولكي نتطور ونعلو لابد لنا أن نؤدي واجباتنا تجاه وطننا وأمتنا.. ولنعلم أن ما نهضت الأمم من كبواتها ولا برأتْ الشعوب من نكباتها إلا بعد أن علا صوت الواجب، حتى أصبحت دول متقدمة  تعتبر مَن يتخلّف عن الوفاء بواجبه الاجتماعي خائنا يستحق أقصى العقوبة.