أين المكان الحقيقي لإسرائيل؟

بي دي ان |

23 ابريل 2024 الساعة 09:11م

الكاتب
عملية دخول شاحنات المساعدات إلى شمال قطاع غزة أخذت اهتماما كبيرا عبر شاشات التلفاز ومواقع التواصل الاجتماعي، خاصة بعد عودة الحياة إلى أرواح من يسكنوا هذه البقعة الجغرافية وقد عانوا ويلات الحصار الإسرائيلي وعمليات التجويع والتعطيش لأيام طويلة يصعب وصف تفاصيلها. صورة جميلة خرجت من هذه المنطقة التي دمرها وخربها الاحتلال بعدوانه وحربه الدموية تعكس تمسك مواطنيها ونازحيها بحقهم في الحياة، تظهر فيها إعداد وجبات الطعام وأغذية حرموا منها لفترات طويلة، فلا ننسى حالات الوفاة التي رحلت بسبب نقص الطعام وسوء التغذية وأغلبهم من الأطفال المرضى.

حاولت إسرائيل بسلوكها الإرهابي الممتد أن تظهر بوجها إنسانيا خلال موافقتها على دخول المساعدات للمدنيين، وتعاملت مع شعبنا الصامد على أرضه "معاملة القطيع" خلال إلقاء مظلات الأغذية وتصويره بالغير منظم ولا يستحق أن يكون لديه دولة وهوية، وهذا ما تروجه إسرائيل في روايتها الكاذبة والمخادعة، كما أوضحت تصريحات للأمم المتحدة أن "إرسال المساعدات إلى قطاع غزة عن طريق البحر وعمليات الإنزال الجوي لا يمكن أن تحل محل المعابر البرية الأقل كلفة، والأسرع والأدق وصولاً".

ربما الضغوطات الدولية والمطالبات الأممية لإسرائيل بوقف عمليات الإبادة الجماعية في قطاع غزة لها دور في تخفيف حدة الجوع والعطش الذي أصاب قرابة 700 ألف شخص يعيشون في محافظتي غزة والشمال، وهذا بالطبع لا يعني انتهاء الأزمة في جوهرها، بل تأكيد على السياسة الخطيرة التي تمارسها إسرائيل والتي لم تتوقف وهذا ما أكدته المتحدثة باسم المكتب الأممي للشؤون الإنسانية في تصريحات محدثة، حين قالت: "70% من سكان الشمال يواجهون المجاعة".

تتنافى تصريحات الناطق باسم جيش الاحتلال الذي أكد أن "إسرائيل لا تستخدم التجويع كسلاح حرب وأنها لا تفرض قيود على المساعدات الإنسانية واتصالها بالمجتمع الدولي لزيادة كميتها"، مع السلوك الإرهابي لجيشه الذي طال مركبةً لأشخاص دوليين يعملون في "المجال الإنساني"، وهذا يعتبر جريمة من نوع جديد وتهديد حقيقي لكل الجهات والمنظمات الدولية والأممية التي تعمل على إنقاذ حياة جموع غفيرة من الغزيين ما زالوا تحت مقصلة القصف والجوع والموت البطيء.

وأفاد مصدر طبي في شمال القطاع خلال شهر أبريل 2024م بأنه سجل نحو 35 حالة وفاة نتيجة سوء التغذية والجفاف ونقص الدواء الناجم عن سياسات الاحتلال، وهذا توافق مع اتهام منظمة أوكسفام بعد منتصف شهر مارس بانتهاك إسرائيل للقانون الدولي الإنساني، مضيفةً: "أنه رغم مسؤوليتها كقوة احتلال فإن ممارسات إسرائيل وقراراتها تواصل بشكل منهجي ومتعمد عرقلة ومنع استجابة إنسانية دولية ذات مغزى في القطاع".

هذا الخطر الإنساني يستدعي تدخل دولي واسع لوقف الجريمة التي ترتكبها إسرائيل باستمرار حرب التجويع ومنع إدخال المساعدات بطريقة انسيابية، وأن تتوقف الإدارة الأمريكية عن حالة التناقض التي تعيشها في ظل صمتها وتبريرها للإبادة الجماعية التي راح ضحيتها نحو 34 ألفا وإصابة أكثر من 76 ألفا ونزوح نحو 85% من سكان القطاع، ودعم رواية الاحتلال المزيفة على حساب معاناة شعب أعزل بأكمله، كما بات مطلوبا أن تخجل الأطراف الدولية والعربية وتعمل جاهدة على فتح معابر القطاع وإدخال المساعدات الإنسانية.

رغم أن محكمة العدل الدولية أدانت المجازر الوحشية وأمرت بوقفها، عبر وقف القتل، وإمداد القطاع بحاجاته الإنسانية كاملة إلا أن جيش الاحتلال يصر على استمرار حرب الإبادة الجماعية، ومواصلة استخفافه بالمجتمع والمؤسسات الدولية، الرسمية والأهلية، متحديا لكل أشكال القوانين الدولية.

فلا يمكن ردع الأعمال الوحشية للاحتلال سوى موقف عملي، تتخذه أطراف المجتمع الدولي، دون إستثناء يربط القول بالفعل، وتفرض من العقوبات على دولة الاحتلال بما يضعها في مكانها الحقيقي، دولة إجرام وإبادة جماعية، وتطهير عرقي، وتمييز عنصري، تتوسل العنف والإرهاب والقتل الجماعي، سبيلاً إلى تحقيق أهدافها الاستعمارية الاستيطانية الهادفة إلى الاستيلاء على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة وضمها، وإقامة دولة إسرائيل الكبرى، وقطع الطريق على شعبنا، بإقامة دولته المستقلة، كاملة السيادة وعاصمتها القدس، والتي كانت منذ أيام، على وشك الحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، لولا الفيتو الأميركي وإنحيازه الفاقع لجانب دولة إسرائيل.

• مسؤول التجمع الإعلامي الديمقراطي وعضو نقابة الصحفيين الفلسطينيين