ترامب يهدد السلم والسلام

بي دي ان |

19 مارس 2024 الساعة 04:09ص

الكاتب
موقفان اثارهما مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب خلال الآونة الأخيرة، الأول ويتعلق بالسلم الأهلي الأميركي، حيث أعلن بشكل بلطجي وصارخ، بانه "إذا لم أفز في الانتخابات الرئاسية، فلست متأكدا أن انتخابات أخرى ستجري بالبلاد." وأضاف "إذا لم يتم انتخابي فسيكون هناك حمام دم في البلاد." ذكرني موقف الرئيس السابق بموقف الاخوان المسلمين في مصر عام 2012 عندما جرت الانتخابات الرئاسية، وتنافس آنذاك كل من محمد مرسي العياط عن الاخوان المسلمين، واللواء احمد شفيق كمستقل، وكانت الكفة تميل لصالح شفيق، حتى ان المشير طنطاوي، رئيس المجلس العسكري الحاكم آنذاك ابلغه انه الفائز. بيد ان وفدا من الاخوان ذهبوا له (المشير)، وهددوا إن لم يفز مرسي، فانهم سيحرقون مصر المحروسة. لذا غلبت القيادة المصرية مصلحة مصر على الديمقراطية ونتائج صناديق الاقتراع، وتولى العياط الرئاسة، التي أطيح منها بعد عام من جلوسه على كرسي الحكم.
ولكن مشكلة ترامب الرجل النرجسي والمولع بكرسي الحكم، ان الولايات المتحدة ليست مصر، ومعايير الديمقراطية فيها مختلفة عن مصر وأنظمة العالم الثالث، وبالتالي قد يكرر أنصار المرشح الجمهوري ما ارتكبوه من انتهاك غير مسبوق للقوانين والمعايير الديمقراطية الأميركية في 6 يناير 2020 عندما اقتحموا مبنى الكابيتول، مما أدى لسقوط قتلى وجرحى وارباك شديد في الولايات المتحدة، وكانت سابقة خطيرة كادت تشعل كل الفتائل الأميركية المتقدة.
وبالنتيجة فإن تهديد الرئيس الأميركي السابق للشعب والسلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية إنما يعكس عمق الازمة البنيوية التي تعيشها الولايات المتحدة، وتؤشر بشكل فاقع لتآكل السلطة المركزية، وتفاقم الصراع بين القوى الأكثر يمينية وتطرفا مع القوى الاجتماعية الأخرى، وهو ما يفتح الأفق للاستنتاج العلمي، بان الولايات المتحدة ماضية قدما نحو التفكك، وليس فقط التراجع.
والموقف الاخر الملفت للنظر، هو ما نقلته عنه صحيفة " "Rolling Stonesفي 12 أكتوبر 2023 في لقاء مع مؤيديه، الذين شاءوا الوقوف على موقفه من حرب الإبادة الجماعية على أبناء الشعب العربي الفلسطيني في قطاع غزة فقال سأوقف المساعدات كلها عن الفلسطينيين، وسأدعو الدول الأخرى الى ان تحذو حذوي. كما ان لم يوفر صديقه السابق نتنياهو، الذي قرعه وبقوة، وطالبة بالاستقالة وترك كرسي الحكم، وتمنى ان لا يبقى نتنياهو على كرسي الحكم مع توليه منصبه مطلع العام 2025. نقلا عن "نوفوستي الروسية."
وردا على سؤال لفضائية "فوكس نيوز" قبل يومين عما سيقوله لنتنياهو بشأن الحرب، قال "عليك ان تنهي الأمر وتفعله بسرعة وتعود الى عالم "السلام"، وتابع "نحن بحاجة الى السلام في العالم." ولا اعرف عن أي سلام يتحدث الرئيس السابق؟ وهل يعتقد ان نتنياهو سيسمع حديثه؟ وكيف سيبني السلام إذا كان سيقطع المساعدات عن الشعب العربي الفلسطيني ويعمل على تقويض اهداف ومصالح الشعب المنكوب بإسرائيل منذ عام 1948؟ وما هي معايير السلام الذي يريده؟ هل يقصد الاستسلام الابراهيمي الذي فرضه فرضا على بعض العرب؟ وهل يعتقد ان صفقة القرن التي صادق عليها في 28 يناير 2020 تؤسس لسلام ممكن ومقبول، ام تؤسس لمزيد من الفوضى والعبث والإرهاب والحروب؟
من الواضح ان المرشح الرئاسي للحزب الجمهوري 2024 في حال تبوأ مركز القرار في الولايات المتحدة، فإنه سيجهز عليها، وسيفككها اربا اربا، وسيشعل نيران الحرب الاهلية في كل ولاية على انفراد، وبين الولايات المختلفة. كما انه سيشعل نيران الحروب في مختلف قارات العالم، وقد يلجأ لاستخدام القنبلة النووية او الهيدروجينية لفرض هيمنة واشنطن على العالم. وبغض النظر عن نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة، فلن تسلم الولايات المتحدة من انعكاساتها الخطيرة. لان رجل مثل ترامب ليس مأمون الجانب، لأنه يحمل معول الهدم لأميركا والعالم برمته، الامر الذي يفرض التحذير المسبق للرأي العام الأميركي من أخطاره على البلاد الأميركية، وأيضا الاخطار المرعبة على العالم ككل والشرق الأوسط خصوصا. فهو تهديد واضح للسلم الأهلي الأميركي، وللسلام العالمي برمته وخاصة على المسار الفلسطيني الإسرائيلي. وقادم الأيام سيقدم الجواب.
[email protected]
[email protected]