وليد العوض أما بعد

بي دي ان |

05 مارس 2024 الساعة 02:49م

الكاتب
تقول العرافة "إن في هذا الزمان سيخرج علينا من بين الديار الخربة ولد شقي" جاء في الأثر أن ذلك الولد كانت قد أعيته المنافي قبل أن تكتحل عيناه بالعودة إلى غزة التي أضحت في نظره تشبه الغور وصفد وما لذ وطاب له من طيب هذي البلاد الوسيعة. 

في صيف العام الغابر أو قبل أن يغادر المطر سماء مدينة البحر التي أحب اجتمع بوالدته الحانية بعدما اعتاد زيارتها في لبنان بين عام وعام. 

أصر هذا الولد على ممارسة عبقرية البقاء، يتنقل بين الطرقات الهرمة هربا من لعنة التشرد والشتات يضرب بيد يتطاير منها شرر الرافض للنزوح وإعادة إنتاج الهجرة والشتات الذي عانى.

أذكر أننا انتظرنا ذلك الولد الشقي المعذب من رحلته العائلية التي اجتمع فيها وعائلته في مصر أرض الكنانة لمناسبة فرح كان الأخير قبل أن تحل لعنة الحرب على غزة، عاد يحمل دفاتر معين بسيسو في قلبه يحفظ أشعاره وأغواره، ووعد مصطفى وزياد قابضا على جمرة الحلم في زمن اليباب.

عاد لندشن سويا لمعين بسيسو اسم يليق به وبغزة التي سار في شوراعها منتفضا رافضا التهجير والتوطين في غير غزة حيث سيناء فأسقط ذلك المشروع المشؤوم.

اشتدت الحرب واشتد وليد العوض لتهمس العرافة في أذني "إنه الولد الشقي الذي لم يبرح المكان" ظننتها تقصد معين لكنها تلاشت وظل صدى صوتها يتردد في المكان "قلت لك وليد"، قلت في نفسي "بل إنه معين الذي يبعث في غزة".

سافر في الطرقات الموحشة بين مأوى ومأوى ومن بيت لبيت يشيع الشهداء ويواريهم الثرى في جمعية الشبان المسيحية قبل قصفها وإخلاء نازحيها، ينظر في عيون الشهداء المنتشرين على قارعة شارع الجلاء يهش القطط والكلاب عنها حتى يحين الوقت الذي يرقدون فيه بسلام.

يختفي، يغيب ثم يعود، ينادي في الخلق أن ابقوا، لا تغادروا وتحط لعنة البئر الأولى يوم الهجرة الأقسى، يخاطب القوم المراهقين صبية الزمان ويحثهم أن عودوا عن نزقكم ومقامرتكم وأعيدوا اللحظة إلى سفر التكوين فضلا عن الضياع والاندثار.

في غرب المدينة الموغلة في الألم والجوع والدمار ينهض من بين أنياب الموت يوقظ إسماعيل فلا يصحو، مات إسماعيل واودعه وليد في مشفى الشفاء الذي صار مقبرة، كما مات مصطفى وزياد وغريب وسليم النائم تحت الركام ومن يشبه هؤلاء المعذبين في الأرض.

ينام وليد ويصحو على شقاء، يطل من حكاية لأخرى يحملها إلى الصامتين في الأرض يستنطقهم؛ لعلهم يتعلمون حروف الهجاء في عصر الأبجدية التائهة.

أيها الوليد أيها الولد الشقي، كن على موعد مع الندى، انتظر عرافة المدينة يوم تزف البشرى وتكسر فنجانها المقلوب لينبعث كل من أحببت وأودعت حينها تتحقق النبوءة وتنام غزة في قرص الشمس.

السلام عليك يا وليد كما تشاء، السلام عليك وأنت تحرس ورد الشهداء، السلام عليك وأنت تقرأ علينا سورة الخلاص حين يحط فصل البكاء والشقاء وتعود غزة ضاحكة في عين السماء.