إلى أين يسير العرب.. وهل تفعلها الشعوب؟!

بي دي ان |

25 يناير 2024 الساعة 06:47م

المشرف العام
لطالما كان الفلسطيني - ولايزال - يشعر بانتمائه العروبي الواضح لأمّته العربية من المحيط إلى الخليج، وأنه جزء من هذه الكتلة الجغرافية والتاريخية والثقافية، كما هي فلسطين جزء بل المركز والبوصلة في الوعي العربي، وتحتل أهمية وخصوصية على مستوى الشعوب والحكومات، ولعل جوهر القضايا العربية عامة كان دائماً مرتبط بفلسطين وقضيتها، خاصة في ظل الاحتلال الصهيوني الذي لم يرق له هذا البعد العربي والقومي لدى الشعوب، فحاول جاهداً بدعم أمريكي غربي لتفتيت هذه الكتلة، وضرب أي جهد يبذل لدعم الوحدة العربية، بالتالي بدأ العمل للحيلولة دون استمرار المقاطعة العربية للكيان الإسرائيلي، والعمل على إنهائها، حيث بدأت الإدارات الأمريكية المتعاقبة إلى عقد مؤتمرات شرق أوسطية تجمع كل من دولة الكيان ودولا عربية لكسر جدار العزلة الاسرائيلية، وذلك في محاولة لدمجه في نظام إقليمي جديد، يشمل إعادة صياغة لمفاهيم الصراع العربي الإسرائيلي، وإيجاد خلفية للحوار وتغيير نظرة العرب تجاه إسرائيل حتى إذابة الجليد. 

ولعل من حسن حظ الفلسطيني الذي يتسم "بقلة الحظ" أنه كلما حاولت إسرائيل جاهدة بدعم من حلفائها مد جسور التواصل مع دول عربية، جاء حدث فلسطيني يهز الجسور من جديد ليعيق حراك التواصل، رغم أن هناك دراية إسرائيلية، كشفت عنها مراكز الدراسات لديهم أنه لن يكون هناك تبادل تجاري واقتصادي حقيقي بينهم وبين العرب دون موافقة الشعوب العربية.
 
فكانت اتفاقية إبراهام لتحقيق أهداف كثيرة، وهي محاولة جادة وضاغطة لجر الشعوب العربية لحالة تطبيع مع دولة الكيان والذي فيه "التطبيع" مخالفة للمبادرة العربية التي تمنع التطبيع مع العدو الإسرائيلي قبل حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية، إلا أن هناك دولا عربية كثيرة هرعت إلى التطبيع المجاني مع دولة الاحتلال، مما أثار غضباً فلسطينيا مشروعاً، وشعور بالخذلان، من بعض هم المفترض أنهم أشقاء وخط دفاع عن فلسطين وقضيتها في مواجهة آخر احتلال في هذا القرن، ومما لا شك فيه أن هذا التطبيع كان له تداعياته على حرب الإبادة الجماعية التي تشنها دولة الكيان منذ أكثر من مئة يوم، حيث صمت الشارع العربي، مع إدانات حكومية عربية خجولة على الأغلب، لقد اعتاد الفلسطينيون على هبات ومسيرات عربية داعمة للقضية الفلسطينية، منها الانتفاضة الفلسطينية الأولى وانتفاضة الأقصى عام 2000، إلى الكثير من الأحداث الفلسطينية، شهدت خلالها الشوارع والميادين العربية تظاهرات رفعت فيها علم فلسطين وإحراق علم العدو، لكن المستهجن هذه الأيام الكارثية، أنه على الرغم من هول الجرائم الإسرائيلية وحرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي تمارسه وصولا لمخطط تهجير الفلسطينيين من أرضهم، كل هذه المجازر اليومية بل اللحظية والتي تفوق قدرة تحمل البشر، جميعها لم تحرك ساكنا ولم تسير تظاهرة في عواصم عربية، من المفترض أنها تحدث زلزالا بالعلاقات العربية الإسرائيلية، وليس هذا فحسب، بل إننا بدأنا نسمع كتابا وإعلاميين عرب يتغنون بالعلاقات الحميمة بين دولتهم ودولة الكيان ويهينون فلسطين القدس "أرض الإسراء والمعراج"، ويتفاخرون بتكنولوجيا الكيان التي تستخدم في سحق عظام الأطفال وتدمير البيوت فوق ساكنيها.

تكنولوجيا أبادت الآلاف من المواطنين وبعثرتهم أشلاء وأذلت النساء والشباب والشيوخ، لست أدري عن أي علاقة تتفاخرون، هل الجنود الذين يدفنون الأحياء محل تفاخر، هل الكيان الذي يأمر جنوده بحرق وذبح الأطفال، ودهس النساء بالدبابات، ونسف المنازل على رؤوس السكان وإلقاء الفسفور والغازات السامة والمحرمة دوليا على المواطنين وما هو أبشع من ذلك، هل حقا العلاقة مع هذا الكيان مفخرة ؟! 

لا أنكر أنني أصبت بصدمة وخيبة أمل كبيرة حينما سمعت من كتّاب وإعلاميين ما هو أسوأ من ذلك أيضاً، ولم ولن يكون آخرهم الكاتب والإعلامي السعودي عبد الحميد قبيل في لقائه المتلفز وغيره كثر مع الأسف، لست أدري فعلا إلى أين يسير أولئك الكتّاب ودعاة النخب، وهل هم فعلاً على قناعة بما يتفوهون به؟ ولست أعرف إلى أي مدى سينجح العدو الإسرائيلي بكي الوعي الجمعي العربي؟ وما مدى نجاح المثقفين العرب في مقاومة أساليب وأدوات التطبيع؟ ولكن كل ما أعلمه أن الفلسطينيين ما زالوا بانتظار مشهد عربي مزلزل يقلب الأمور على عقب، مشهد يتجسد فيه الجسد والروح العربية تنتفض وتثور بقوة وإيمان الأحرار، والأخوة والنخوة العربية، ليرتفع علم فلسطين عاليا، ثورة عربية تخضع لها صناع القرار باستخدام كل أوراق الضغط اللازمة لكبح جماح الاحتلال وتقريب المسافة بين الشعب الفلسطيني ودولته الفلسطينية، فهل ستفعلها الشعوب العربية التي يراهن عليها ؟!