تقرير: "تجارٌ أم فجار".. غلاء الأسعار يفتك بالنازحين جنوب قطاع غزة

بي دي ان |

03 ديسمبر 2023 الساعة 09:24م

صورة من الحدث
أزمةٌ حادة، وحالة من الجشع تصيب تجارُ الحرب جنوب قطاع غزة، مع غياب الرقابة الرسمية على حركة الأسواق، هذه الأزمة الناجمة عن شح السيولة والارتفاع الهائل في الأسعار نتيجة الحرب الإسرائيلية التي تسببت في "شلل تام" للاقتصاد، فالكثافة السكانية الأكبر التي تتكدس حالياً في مدن جنوب القطاع، نتيجة النزوح الاضطراري بسبب الحرب الإسرائيلية، تعد هي السبب الأكبر بتلك الأزمة.

بحزن كبير وقهر عميق،يتحدث النازح عثمان سعد، من حي النصر بمدينة غزة، والذي يقيم حاليا في واحدة من المدارس التي حولتها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين إلى مراكز إيواء،" نزحنا من غزة على أساس تكون مدة نزوحنا قصيرة، فعند نزوحنا اعتقدنا أننا لسنا بحاجة لحمل أشياء كثيرة بما فيها الملابس الشتوية، ولم يخطر لنا أننا سنبقى كل هذه المدة بالجنوب، لقد مضى على وجودنا هنا مجبرين أكثر من شهر، أصبحت ملابسنا لا تتلاءم مع الاجواء الشتوية، اضطررنا لشراء قطع ملابس شتوية لكل شخص منا لتقيه من البرد والمطر، لكن أسعار الملابس تفوق المعتاد والأسواق شبه خاليه من البضائع، هذه هي المعاناة بحد ذاتها"

وتعصف الأجواء الشتوية القاسية، بالنازحين هذه الأجواء تسببت باكتظاظ الأسواق والمحال التجارية بهم، بحثا عن ملابس يتغلبون بها على برد الشتاء، فاصطدموا إما بنفاذ هذه البضائع، وإما بغلاء فاحش بالأسعار.

المواطنة مادلين ضيف الله تقول لـ"پي دي ان" :" وصلنا مدينة رفح منذ 5 أيام سيراً على الأقدام من مركز إيواء تابع للوكالة في حي الزيتون بغزة،بعد سيطرة دبابات الاحتلال وآلياته على حي الزيتون" 

وتضيف مادلين، "خرجنا دون شئ واضطررت لشراء بطانيات بسعر غالٍ جداً بعد بحث طويل في الأسواق الجنوبية لتدفئة أطفالي خلال ساعات الليل الشديدة البرودة، حيث تفتقر المدرسة إلى وسائل التدفئة داخل الصفوف والكهرباء وتوفير البطانيات وغيرها مما نحتاجها"

وبسبب غلاء الأسعار وعدم توفر ما يناسب النازحين، اضطر البعض منهم الشراء  لأول مرة من الملابس المستعملة، حيث أن الأسعار لم تكن مناسبة بالنسبة لغالبيتهم فهم تاركين بيوتهم بلا أموال أو حتى احتياجات شخصية .

 ووفقاً لعائلة على عبدلله حسن، التي بحثت عن هذه الملابس المستعملة لكسوة أبنائها، واقتصدت في الشراء، لكنهافوجئت بالأسعار، يقول أحد أفراد هذه العائلة، " لقد خرجنا من بيوتنا ونحن لا نرجو من الله سوى النجاة بأرواحنا، وأصوات الانفجارات تدوي في كل مكان، لم نحمل معنا شيئا من ملابسنا اضطررت لشراء جاكيت شتوية قديمة لا يتجاوز سعرها 20 شيكل قبل الحرب، بسعر الآن يتجاوز 3 أضعاف السعر الحقيقي".

وفي ظل الأزمة الحادة التي تواجه غاز الطهي، يضطر أهالي قطاع غزة طبخ الطعام على نار الحطب، الحطب الذي أصبح يباع بالأسواق من قِبل تجار الحرب بسعر غالٍ بعد ماكان متوفراً ماقبل الحرب بشكل هائل ومجان

وتوضح الحاجة أم حسن سليم :" أننها أصبحت تعاني من ضيق بالتنفس واحمرار بعينيها جراء مكوثها لساعات طويلة أمام النار لإعداد الطعام لأسرتها، بأن نار الحطب مضرة صحيا ومكلفة ماديا، جراء ارتفاع أسعار الحطب بصورة جنونية".


رفوف المحال التجارية في مدن جنوب القطاع باتت تخلو من المواد الغذائية، فالعرض والطلب على السلع الأساسية، رفع أسعارها بشكل متباين وبرغم ذلك أدى ذلك إلى نفادها لحاجة المواطنين لها.

وبسبب كل ذلك لجأت العائلات لتناول المعلبات كالجبن والفول واللحمة المعلبة التي توزع بشكل قليل على مدارس الإيواء، دون اللجوء لطهي الطعام على النار نظراً لندرة متطلبات طهي الوجبه الواحدة.

يؤكد أحد التجار في مدينة رفح ، أن ارتفاع الأسعار يعود لندرة البضائع الموجودة بعد مرور أكثر من شهر على إغلاق إسرائيل لمعابر القطاع ومنعها من دخول البضائع والسلع الأساسية.

وآخرون من التجار امتلأت مخازنهم بالبضائع وكانوا قد اشترونها قبل الحرب بأسعارها المعتاده إلا أنهم استغلوا هذه الظروف الراهنة وقاموا ببيعها للنازحين بأضعاف مضاعفة.

ويضيف السائق محمد رضوان، أن أسعار النقل بين مدن جنوب القطاع، ارتفعت نظرا لعدم دخول الوقود للاستخدام المدني منذ بدء الحرب، وارتفاع سعر المتواجد منه لعدة أضعاف، فاضطر السائقون لرفع أسعار المواصلات"

ويوضح الأكاديميون الاقتصاديون أسباب هذه الأزمة بالإشارة لتوقف المصادر المالية بسبب الحرب الاسرائيلية الهمجية والحصار، وانقطاع آلاف العمال عن أعمالهم، وتأخر رواتب الموظفين في القطاعين العام والخاص، وتوقف التجارة الخارجية وحركة التصدير، وتوقف البنوك عن العمل، وتراجع المساعدات الخارجية.

ويجدر الإشارة إلى أن الغارات الجوية التي شنتها إسرائيل على منازل المواطنين، بما تحتويه من أموال ضاعت تحت الأنقاض، وبالتالي فقد السوق السيولة المتوفرة بين أيادي الناس.

ويؤكد الأكاديميون، إن الحرب تركت آثارها المدمرة على مختلف نواحي الحياة، بما فيها القطاع المالي والاقتصادي، وبسببها توقفت التحويلات المالية الخارجية، التي كانت تشكل رافدا مهما للسيولة النقدية، وأن شح السيولة يؤدي إلى انخفاض الأسعار، لكنه في حالة غزة الأمر مختلف، حيث ترافق مع شح في السلع، فأدى إلى الارتفاع المهول في الأسعار، وضغط ذلك أكثر على الحياة اليومية للمواطن.

ولم تفلح المساعدات الواردة عبر معبر رفح البري بموجب اتفاق الهدنة المؤقتة التي كانت على مدار الأيام السابقة، في وضع حد لتدهور الأوضاع المعيشية فهذه المساعدات شحيحة للغاية، ووتيرة تدفقها بطيئة.

ولليوم الـ 58 على التوالي.. الاحتلال يواصل عدوانه الواسع جواً وبراً وبحراً على قطاع غزة