موت كيسنجر فاتحة عهد جديد

بي دي ان |

01 ديسمبر 2023 الساعة 02:10م

الكاتب
تلازم رحيل هنري كيسنجر مع يوم التضامن العالمي مع الشعب العربي الفلسطيني الأربعاء الموافق 29 نوفمبر 2023 بعد مئة عام عاشها اليهودي الصهيوني الأميركي من اصل الماني، عاش جلها في معمان السياسية، وترك بصمات قوية في العديد من الملفات السياسية الدولية بدءا من حرب فيتنام، التي ساهم في انهائها، وحصل على اثرها على نصف جائزة نوبل للسلام 1972، وفي الملف الصيني الأميركي، حيث تمكن من تجسير العلاقة بين القيادتين الشيوعية والامبريالية بعد زيارتين احداهما سرية والأخرى علنية، والتقى خلالها مع شو ان لاي، الرجل الثاني بعد ماو في القيادة الصينية، وتمكن من جمع الزعيمان ماو تسي تونغ وريتشارد نيكسون. كما لعب دورا مهما في تبريد الحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي والرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة، وشارك مع الرئيس فورد، الذي خلف نيكسون بعد فضيحة ووتر غيت في قمة فلاديفوستوك في الاتحاد السوفييتي، حيث التقى جيرالد فورد مع الزعيم السوفييتي ليونيد بريجنيف، ونجم عن ذلك الاتفاق على اطار حول الأسلحة الاستراتيجية، وكان له دور بارز في تخفيف التوتر بين المعسكرين نسبيا.
وساهم بدور في الملف الهندي الباكستاني عام 1971، الذي تعرض مع رئيسه نيكسون بسبب سياستهم الخاطئة لانتقادات حادة بسبب ميلهما لباكستان، ووصفه الهنود ب"الاوغاد"، التي ندم عليها لاحقا. وكان له دور بارز في اسقاط الرئيس التشيلي سلفادور الليندي المنتخب من الشعب عام 1970، كما لعب دورا تآمريا مع وكالة المخابرات المركزية CIA ضد دول اميركا اللاتينية، وكان داعما قويا للأنظمة الديكتاتورية، وضد الأنظمة الاشتراكية فيها وفي العالم اجمع.
وكان لكيسنجر دورا تخريبيا واسعا وبارزا في الصراع العربي الإسرائيلي بعد حرب أكتوبر 1973، حيث تمكن نتيجة زيارته المكوكية بين الدول العربية وإسرائيل من تحقيق العديد من الاختراقات الكبيرة في ملف الصراع، ومنها: أولا فصل الملفات العربية عن بعضها البعض؛ ثانيا التأصيل لاتفاقات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، الحدث الأخطر في الصراع العربي الصهيوني؛ ثالثا تهميش القضية الفلسطينية، وعمل على محاولة عزلها؛ رابعا تمزيق وحدة النظام الرسمي العربي؛ خامسا تطويق ومحاصرة وإضعاف حركة التحرر الوطني العربية؛ سادسا تعزيز مكانة دولة إسرائيل في الإقليم وعلى المستوى العالمي؛ سابعا لعب دورا هاما في انقاذ إسرائيل من هزيمة محققة في حرب أكتوبر 1973 بمدها بجسر جوي ضخم من الأسلحة الجوية بما فيها الطائرات الحديثة والمدرعات والصواريخ والعتاد لمختلف أنواع الأسلحة غير مسبوق آنذاك؛ ثامنا فتح الأبواب العربية الرسمية امام تيار الإسلام السياسي بقيادة الاخوان المسلمين وغيرها من العوامل التي عززت مكانة الدولة العبرية في الإقليم.
ورغم خروجه من الميدان الرسمي في الإدارات الأميركية مع تولي الرئيس الأميركي دونالد ريغان مهامه كرئيس من  1981 الى 1989، الا انه لعب أدوارا مهمة من خلال الكتابة، حيث اصدر العديد من الكتب، وكان اخرها حول " مهارات القيادة" الذي عالج فيه دور ستة رؤساء من بينهم أنور السادات، الذي وقع اول اتفاقية استسلام مع إسرائيل، واصدره في العام الأخير من حياته الممتدة على قرن كامل من الزمان. ومن بين كتبه الهامة بالإضافة لمذكراته الشخصية، كتاب الدبلوماسية من القرن السابع عشر الى الحرب الباردة، والنظام العالمي، وسنوات التجديد، ودرب السلام الصعب، الذي ابرز فيه دور كلمنس فون مترنيخ، وزير خارجية النمسا، او رجل النمسا القوي من 1809 الى 1848، الذي وضع بداية النهاية لحكم نابليون بونابرت عام 1813. بالإضافة لتوليه مناصب هامة في مجالس إدارة العديد من الشركات. وبقي حاضرا في المشهد السياسي العالمي حتى اليوم الأخير من حياته، حيث زار الصين قبل ستة اشهر والتقى مع الرئيس جين شي بينغ، رجل الصين القوي.
هذا الرجل صاحب الايادي السوداء كان مسكونا بالدفاع عن دولة إسرائيل الاستعمارية، وهي المسألة الأهم بالنسبة له، وكان الاصدق فيها. لا سيما وانه كان مشهورا بالكذب، وعدم المصداقية في مختلف الملفات التي تولى معالجتها، وكان الرجل الأخطر على حاضر ومستقبل النظام الرسمي العربي والشعوب العربية من خلال الجرائم التي ارتكبها ضد العرب جميعا، وستبقى الندوب والانهيارات التي خلفتها سياساته الاجرامية بحق العرب ماثلة في تاريخ الانحطاط والتراجع الماثل امام الأجيال العربية المعاصرة.
مع موت هذا الرجل الكريه والمفسد والمسكون بالصهيونية وحماية الدولة اللقيطة إسرائيل، اجزم ان موته في خضم حرب أكتوبر 2023 بعد خمسين عاما من حرب أكتوبر 1973 فتح عهداً جديداً في العالم العربي، رغم كل السيناريوهات المعدة من قبل إدارة بايدن ومن سبقها من إدارات لبناء الشرق الأوسط الجديد، الا انه بالضرورة سيكون هناك شرق أوسط جديد مغاير لعصر هنري كيسنجر وإدارة بايدن وقبله إدارة ترامب، لعلها الصدفة الضرورة، ان يتزامن موته مع يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني، وفي خضم حرب أكتوبر 2023، ومع تراجع مكانة الولايات المتحدة عالميا.
[email protected]
[email protected]