القرار المستقل خط احمر

بي دي ان |

04 أكتوبر 2023 الساعة 12:03ص

الكاتب
كانت المعية وفطنة وبراعة حركة فتح في انطلاقتها ترتكز على نقطتين مركزيتين: الأولى إطلاق الرصاصة الأولى للثورة الفلسطينية؛ الثانية إعلانها رفض الوصاية على القرار الوطني المستقل، والانعتاق من التبعية لهذا النظام او ذاك، وعلى أرضية التكامل بين الوطني والقومي، أي دون القطيعة مع المجموعة الرسمية العربية، ارتباطا بواقع الحال الذي انتجته اتفاقية سايكس بيكو 1916. مما أعطاها المساحة الواسعة من المرونة والسرعة في الحركة، وعدم الارتهان للقرار الرسمي العربي، الذي كانت له وعليه قيود اقليمية ودولية. فضلا عن ان اشعال الثورة المختمرة في أوساط شعوب الامة العربية عموما، والشعب العربي الفلسطيني خصوصا كانت بحاجة ماسة لشرارة الانطلاق، وهو ما حصل. لان مواصلة الوقوف على محطة الانتظار كانت ستفقد الشعب الفلسطيني تمثل الذات الوطنية المتمردة، والرافضة للنكبة وتداعياتها، وكونها اكتوت بنيران الوعود العربية، وانتظار لحظة التحرير، التي لن تأت حتى الان.
وعلى أهمية التعاون والتكامل مع الاشقاء العرب على المستويين الرسمي والشعبي في المسائل التكتيكية والاستراتيجية لتعزيز حماية الامن القومي، وصيانة المصالح المشتركة، الا ان ما تقدم، لا يسقط، او يلغي، او يهمش حق القيادات الوطنية في الإمساك بورقتها الخاصة ومحدداتها الوطنية، دون التناقض مع المصالح القومية. وبالتالي فإن مسألة الأهداف والثوابت الوطنية الفلسطينية يجب ويفترض ان تبقى في اليد الفلسطينية، وعدم التفريط بها، او التنازل عنها لكائن من كان من الاشقاء، وبغض النظر عن اسمه ووزنه ومكانته.
مؤكد الثقة مهمة، والتكامل والتعاون مع الاشقاء ضروري، ولكن في السياسة حماية الورقة الوطنية من الاستثمار السياسي لهذا الطرف او ذاك حاجة ماسة، وتعادل أهميتها واولويتها كل التضحيات. وعليه فان التمسك والتشبث بالقرار الوطني المستقل خط احمر، لا مجال للمساومة عليه مهما كان الثمن. لانه لا يباع، ومن يفرط به، يفرط بالوطنية الفلسطينية. واجزم ان الرئيس محمود عباس واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واللجنة المركزية لحركة فتح لا يمكن ان تفرط بالقرار الوطني المستقل. ولإدراك الكل الوطني ان الأهداف والثوابت الوطنية، التي ناضل ويناضل من اجل تحقيقها الشعب الفلسطيني، ودفع اثمانا باهضه من التضحيات الجسام، هو وحده من يعرف أهميتها وقيمتها واولويتها، لانه هو بشكل أساسي (دون التقليل او الانتقاص من تضحيات الاشقاء العرب في الحروب الرسمية المختلفة وخاصة مصر وسوريا ودول الطوق وحتى من المحيط الى الخليج) من دفع ويدفع أثمانها من الأرواح والدماء والأسرى، وذاق مرارة جرائم الحروب والمجازر الفاشية الصهيونية حتى اليوم وغد الى ان تتحرر فلسطين.  
وفي سياق الدفاع عن القرار والاهداف الوطنية، فإن القيادة الفلسطينية، وهي تعيش تعقيدات الواقع الرسمي العربي، وتدرك أخطار ما يجري على الأرض العربية، وانعكاس تغير المعادلات والحسابات والاولويات بين الدول على قضية العرب المركزية، قضية فلسطين، تملي عليها الضرورة التأكيد للأنظمة العربية ومؤسسة الجامعة العربية وحتى منظمة التعاون الإسلامية، ان انخراط هذه الدولة او تلك في عمليات التطبيع المجانية مع دولة إسرائيل اللقيطة لا يلزم القيادة الفلسطينية بشيء. لانها ترفض من حيث المبدأ التطبيع المجاني، وتلتزم باولويات ومحددات مبادرة السلام العربية، ولا تقبل باية تغييرات من هنا او هناك، وتلتزم أيضا بقرارات الشرعية الدولية وخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967، وعاصمة فلسطين القدس الشرقية، أيضا تتمسك بحق المساواة الكاملة لأبناء الشعب الفلسطيني في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة، ولن تتنازل عن حقوقهم، رغم استقلاليتهم النسبية.
كما ان القيادة الفلسطينية لا تحتاج الى مجرد تحريك المياه الراكدة في عملية التسوية، او مساعدات اقتصادية ومالية لتحسين مستوى المعيشة، أي انها ترفض من حيث المبدأ الحل الاقتصادي، والدولة المؤقتة، واي دولة بلا ملامح او دون حدود واضحة، وترفض التساوق مع أي جهة عربية او إسلامية او عالمية، فإما الانسحاب الإسرائيلي الكامل من أراضي دولة فلسطين عام 1967، واستقلال الدولة الناجز وبسيادة كاملة، وضمان عودة اللاجئين لديارهم وفقا للقرار 194، وحق تقرير المصير للشعب العربي الفلسطيني، والمساواة لأبناء الشعب في ال48، ومن ثم التطبيع وفق المبادرة العربية للسلام 2002، او مواصلة الكفاح التحرري حتى وصول الأهداف والثوابت الوطنية. لان كل الحلول الترقيعية لا تساوي قيمة الحبر الذي تكتب به، وكون التجربة اثبتت برهان واحد، انه كلما تقدم العرب نحو السلام خطوة، كلما تطاولت إسرائيل على الشعب الفلسطيني، وادارت الظهر لمصالح العرب، وستدفعهم اثمان باهضة، وان غدا لناظره قريب.
مَّل الشعب العربي الفلسطيني التنازلات، ومحاولات العرب الركض في متاهة التطبيع، والتساوق مع الاملاءات الأميركية واستخدام ذريعة غير ذي جدوى، بأن إسرائيل باتت قائمة، وموجودة في الواقع، وبالتالي علينا التعامل معها؟ كيف؟ ولماذا؟ الم تكن موجودة في ال1948، و1967، و1973 لماذا لم نتعامل معها، عندما كانت تستجدي السلام، وتبوس الأحذية؟ ليعلم العرب جميعا دون استثناء، إسرائيل خطر عليكم، وخطر على انظمنكم، وعلى مستقبلكم، ووجدت لتعمق مصابئكم وتغرقكم جميعا في مستنقع التبعية والاستسلام والمهانة.
بالنتيجة القرار الوطني المستقل خط احمر مرفوض التنازل عنه مهما كانت التضحيات، والصعوبات والارباكات وجرائم الحرب الإسرائيلية.
[email protected]
[email protected]