فريدمان شكرا

بي دي ان |

07 سبتمبر 2023 الساعة 12:13ص

الكاتب
لا تحدث التحولات الفكرية السياسية فجأة، او بسبب حلم يقظة، أو نتاج نزوة طارئة، ولا بسبب مزاجية انفعالية آنية، انما تأتي لاسباب لصيقة الصلة بجملة من المواقف والممارسات الإيجابية او السلبية، يعلن عنها، او يمارسها إنسان فرد، او مجموعة، أو مؤسسة، او نادي، او حزب، او إئتلاف، او حكومة ودولة، تترك اثارا عند كائن بشري، او اشخاص لهم علاقة، او ارتباط بما يجري. ويكونوا عادة منحازون لصالح رؤية معينة، بيد ان تلك المواقف والسلوكيات والممارسات تدفعهم لاعادة نظر بمواقفهم بأحد الاتجاهين الإيجابي او السلبي.
توماس فريدمان، الكاتب الأميركي المشهور من اتباع الديانة اليهودية، واحد الكتاب المشهورين في صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، ومن المدافعين عن إسرائيل بقوة، ويحرص على اندماجها في المحيط العربي والإقليمي، وينادي ببقائها دون تردد، وهو من المقربين من الرئيس جو بايدن والإدارة الديمقراطية، كما انه من مؤيدي خيار التسوية السياسية وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967. هذا الكاتب المؤثر في أوساط الرأي العام الأميركي تحديدا منذ تولت حكومة نتنياهو السادسة مهامها، ومع انقلابها على القضاء الإسرائيلي، وهو يناشد أركانها بثبات الكف عن خيارهم الديكتاتوري، ويدعو اركان الائتلاف الفاشي إيجاد حلول وسطية مع المعارضة الإسرائيلية لابعاد الدولة عن تداعيات الازمة العميقة، التي تطال مكوناتها واركانها ومستقبلها. ولكن لا حياة لمن تنادي.
على أثر إيغال ومواصلة حكومة الترويكا الفاشية في تشويه وتحطيم مرتكزات القضاء الإسرائيلي (المشوه أصلا)، ورفضها التسوية السياسية، وإصرار وزرائها من احفاد الفاشي كهانا، أمثال بن غفير وسموتريش وماعوز ومن لف لفهم على المضي قدما في دوامة الاستيطان الاستعماري، والرفض الكلي لمنح الشعب الفلسطيني بعض حقوقه الوطنية، واستقلال دولته المحتلة وعاصمتها القدس الشرقية في الخامس من حزيران / يونيو 1967، وارتكابها جرائم لا تقبلها أوساط الرأي العام الأميركي والعالمي على حد سواء، اتخذ موقفا إيجابيا من مصالح وحقوق الشعب الفلسطيني، ودعا كل من قيادات الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، التي إحتضنت اول امس وامس الثلاثاء والأربعاء الموافقين 5 و6 أيلول / سبتمبر الحالي محادثات فلسطينية سعودية، وأميركية سعودية، أيضا أميركية فلسطينية بهدف توسيع دائرة التطبيع العربي الرسمي مع الدولة الإسرائيلية، دعاهم فريدمان امس الأربعاء في مقال جديد بعنوان "لا تكونوا حمقى، وتمنحوا إسرائيل إتفاق سلام مع السعودية." لانه بات يعتقد، انه لا يمكن التطبيع مع حكومة غير طبيعية.
وناشد كل من الرئيس بايدن والأمير محمد بن سلمان "لا تدعو نتنياهو يجعلكم من البلهاء." وأضاف كاتبا ان الحكومة الإسرائيلية، لن تستطيع ان تكون ابداً حليفا مستقرا للولايات المتحدة، او شريكا للسعودية في الوقت الحالي، لانها حكومة ليست طبيعية. وتابع كاشفا مناورات واكاذيب رئيس الحكومة الإسرائيلية، ان نتنياهو يحاول "التحدث بلطف" مع واشنطن بشأن صفقة يمكنه من خلالها تقليص دور المحكمة الإسرائيلية العليا، بينما يصبح "بطلا محليا" من خلال صفقة مع المملكة السعودية، ستسمح له بمواصلة ضم الضفة الغربية. وعمق فكرته كاتبا، ان نتنياهو من خلال هذه الصفقة سيجعل "المملكة السعودية تدفع ثمن الصفقة بمباركة من بايدن." وهذا لا يجوز من وجهة نظره.
وعمق فريدمان هجومه على أحزاب الائتلاف الإسرائيلي الحاكم، عندما شبههم بجماعة الكراهية والعنصرية الأميركية "كو كلوكس كلان" محذرا من انها تسعى الى إقامة علاقات مع الأحزاب الأوروبية اليمنية المتطرفة، التي لها تاريخ من معاداة السامية، وفي ذات الوقت تدعم أيضا تطبيق إسرائيل السيادة على المستوطنات في الضفة الفلسطينية. وكتب موجزا رسالته "إن حكومة نتنياهو "يجب ان تتوقف"، أي يجب اسقاطها. لان مواصلتها سياساتها في ظل التطبيع، سيدفعها نحو الهاوية." ونبه جماعة "الايباك" الصهيونية الى ضرورة رؤية الاخطار التي تحملها حكومة الترويكا الفاشية على إسرائيل ذاتها. ودعاهم الى التخلي عن اعتقادهم الساذج، بان حكومة زعيم الليكود الفاسد والخاضع لابتزاز بن غفير وسموتيرش، لا تشكل تهديدا للدولة الإسرائيلية. لانها هي التهديد والخطر الداهم على مستقبل الدولة من الداخل.
موقف فريدمان جديد ونوعي وهام، لانه لأول مرة يجاهر بموقف شجاع من هذا القبيل، بغض النظر عن التباين هنا او هناك معه. لكنه في الجوهر امتلك ناصية الحكمة والفروسية في ارسال رسالة عاجلة لادارة بايدن وللامير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، بعدم التورط في التطبيع مع حكومة لا تؤمن بالسلام، ولاتقبل بتقديم الحد الأدنى من التنازلات لصالح قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967. وهذا الموقف يدعم الرؤية القيادية الفلسطينية، ويساعدها في اقناع القيادتين السعودية والأميركية في عدم الاندفاع نحو التطبيع غير المجدي.
شكرا توماس فريدمان لموقفك المتميز والايجابي، وشكرا لكل أميركي مؤمن بخيار السلام وحل الدولتين ويعمل من اجله، ويدافع عن قناعاته. ويا حبذا لو ان إدارة بايدن تتوقف عن الركض في متاهة صفقة القرن الترامبية، وتكف عن الضغط على قيادة المملكة العربية السعودية والقيادة الفلسطينية، وفي ذات الوقت، تدعم التوجه الفلسطيني في رفع مكانة دولة فلسطين في هيئة الأمم المتحدة لدولة كاملة العضوية، وتلتزم بالنقاط الست التي أكدتها الإدارة سابقا: بشأن فتح القنصلية في القدس، وإعادة فتح الممثلية الفلسطينية في واشنطن، ورفع منظمة التحرير من قوائم الإرهاب، والكف عن ملاحقة ملف اللاجئين، وتقديم المساعدات المالية لموازنة السلطة ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وعقد المؤتمر الدولي بأسرع وقت ممكن لالزام إسرائيل باستحقاقات عملية السلام، حتى ترى دولة فلسطين المستقلة والسيدة وعاصمتها القدس الشرقية على الحدود المذكورة انفا النور متحررة من اوثان وموبقات وادران الاستعمار الإسرائيلي.
[email protected]
[email protected]