طلال سلمان باق ابداً

بي دي ان |

26 أغسطس 2023 الساعة 11:48م

الكاتب
طلال سلمان اسم صنعه قلم مبدع، قلم عاشق لعروبته، عاشق لفلسطين قضية العرب المركزية، عاشق للبنان العربي، لبنان التنوير والثقافة القومية المؤمنة بحرية واستقلال وسيادة العرب على ارض الوطن العربي الكبير، وفي دولهم، وفي تحرير فلسطين من الغزاة الصهاينة، وتحرير كل بقعة من ارض العرب.
طلال سلمان اسم دون في قائمة الإعلاميين العرب الرواد، الذين حملوا هم القومية والديمقراطية دون تردد، ودافعوا عن الثورة الفلسطينية بكل مكوناتها وفصائلها، وإن كان يتسم بمسحة يسارية، الا انه اصدر اول كتبه عن حركة فتح بعنوان "حركة فتح والفدائيين" عام 1968 ، الذي اهداني إياه في ثمانينات القرن الماضي، عندما كنت واحدا من كتاب جريدة السفير "صوت الذين لا صوت لهم" حاملة شعار "جريدة لبنان في الوطن العربي، وجريدة الوطن العربي في لبنان"، التي أصدرها في 26 آذار / مارس 1974، بعد رحلة امتدت لثمانية عشر عاما متنقلا في العديد من المنابر الإعلامية، بدأها مدققا في جريدة "النضال"، ثم مراسلا صحافيا في جريدة "الشرق"، ثم محررا، وسكرتيرا للتحرير في مجلة "الحوادث"، ومديرا للتحرير في مجلة "الاحد"، وفي عام 1962 ذهب للكويت ليصدر مجلة "دنيا العروبة" عن دار الراي العام، الا انه عاد الى بيروت بعد ستة اشهر، ليعمل مديرا لتحرير مجلة "الصياد"، ومحررا في مجلة "الحرية".
ابن قرية شمسطار البعلبكية كان ناصريا حتى النخاع، ولم ينكفأ عن واحة القومية العربية، رغم العثرات والاخفاقات والانهيارات والهزائم العربية. وظل منبره (السفير) صوتا للفقراء والمهمشين والمظلومين والثوار القوميين والديمقراطيين واليساريين في دنيا العرب والعالم، والذي أعتبر احد الخنادق الامامية للدفاع عن العروبة ومشروعها النهضوي، جريدة "السفير" الاسم الآخر لطلال سلمان، التي ملأت الدنيا حضورا مميزا في لبنان والوطن العربي، حتى باتت تضاهي في مكانتها اهم المنابر الإعلامية والصحفية العربية. ورغم وجود منابر إعلامية هامة في لبنان وسابقة في الوجود والعمل الصحفي على "السفير"، الا ان صحيفة "العرب في لبنان" تمكنت في فترة قياسية من منافسة تلك المنابر، والتقدم عليها في المكانة والتأثير والحضور في أوساط الجماهير الشعبية والنخب السياسية والاقتصادية والثقافية.  
الكاتب والمبدع والمحرر المتفولذ سلمان، صاحب القلم الوضاء كان شوكة في حلق الأعداء في الداخل اللبناني وفي الوطن العربي وعلى المستوى الإقليمي والدولي، ولهذا تعرض للعديد من عمليات الانتقام والاغتيال والتهديد المتواصل، لانه كان هرما شامخا في تحدي الطغاة أعداء الامة العربية، وكان نبعا من العطاء المنقطع النظير. ومن بين الجرائم التي طالته شخصيا وعائلته وجريدته: محاولة تفجير بيته في عام 1980في رأس بيروت، وعملية اغتيال في تموز / يوليو 1984 تركت ندوبا في وجهه وصدره، كما تمت عملية تفجير لمطابع "السفير" في الأول من تشرين ثاني/ نوفمبر 1980
كانت "السفير" مجمعا خصبا لكل الأصوات القومية والديمقراطية اللبنانية والعربية، وبيتا ومنبرا ونبراسا ساطعا ومضيئا في العالم العربي، وواحة وبستانا ازهرت فيه العشرات، لا بل المئات من الأقلام الواعدة والمبدعة. ومن بين ابرز أساتذة ورواد مدرسة السفير التي تحضرني الان: الراحل محمد مشموشي، وجهاد الزين، وفيصل سلمان، والفنان الراحل ناجي العلي، ومحمد ووليد شقير، ومحمد بنجك، ومنى سكرية، والفنان عبيدو باشا، والشاعر شوقي بزيع، وحازم صاغية وجوزيف سماحة ونهاد المشنوق وحسين أيوب وعباس بيضون ... وثلة كبيرة من الأسماء والقامات الإعلامية والثقافية.
الهرم اللبناني العربي، "صوت العرب في لبنان، وصوت لبنان في العرب"، لم تهزمها عمليات التفجير، ولا الاغتيالات المتكررة ضد شخص مؤسسها وصاحبها اللبناني الفلسطيني، والفلسطيني اللبناني، وصاحب مقال "الفلسطينيون جوهرة الشرق الأوسط" (1 تموز / يوليو 2008). ولكن الحصار والخنق المالي، وعدم تمكن المعلم طلال سلمان من مواصلة الإبحار في سفينة السفير، مما ارغمه على التوقف في ميناء الصمت المثقل بكل وجع اللبنانيين والفلسطينيين والعرب جميعا في كانون ثاني / يناير 2017، حينئذ تعاظم الألم في روح الفارس المقدام، وشعر جديا، ان حلمه الإعلامي الكبير بدأ في الانكفاء والتراجع، ومنذ ذلك الوقت أيضا أخذ لبنان الوطن في الضياع، وتعاظمت الغيوم الملبدة في سمائه، وكأن ازمة "السفير"، وتوقف قلبها عن الخفقان، كان بمثابة تشييع لبنان الدولة والنظام بمعايير ما كان عليه قبل ذلك التاريخ.
مع ذلك قاوم الفدائي اللبناني الفلسطيني والعربي طيلة السنوات الماضية بصبر وثبات، حتى توقف قلبه، ورحل الى عالم الخلود الابدي في احد مستشفيات بيروت يوم الجمعة الماضي الموافق 25 آب/ أغسطس 2023 (اول امس) بعد رحلة كفاح وعطاء امتدت ل85 عاما، حيث ولد عام 1938 في قريته شمسطار البلعبكية. بيد ان طلال سلمان مازال باق بيننا ابدا، ووسطنا بما انتج من معارف سياسية وادبية وإعلامية، ومازال خالدا وشامخا كالطود، لانه دون اسمه في سجل الخالدين اللبنانيين والفلسطينيين والعرب، وحفر اسمه بحروف من ذهب.
ووفاءً له تفرض الضرورة الوطنية الفلسطينية تخليد اسم طلال سلمان أولا من خلال تكريمه باعلى وسام فلسطيني من الرئيس محمود عباس، وثانيا باطلاق اسمه على مدرسة او معهد او شارع او ميدان في فلسطين، وثالثا باعتباره شهيدا من شهداء الثورة الفلسطينية. وهذا اقل ما يمكن ان يقدم لصاحب السفير، التي لن تنسى ابدا.
ملاحظة: كنت زميلا في جريدة "السفير" غير منتظم باسم عمر حلمي، وتوقفت عن الكتابة فيها بعد العودة للوطن في العام 1994، وكوني كنت كاتبا منتظما في مجلة "الهدف" الفلسطينية حتى العودة لفلسطين.
[email protected]
[email protected]