ديالكتيك المصالح والامن القومي

بي دي ان |

22 أغسطس 2023 الساعة 12:20ص

الكاتب
منذ تشكلت الدول القومية في عصر النهضة مع القرن السادس عشر الميلادي، وهي محكومة بناظم أساس يتمثل في الدفاع عن حقوق شعبها واهداف الدولة الاستراتيجية والتكتيكية، الذي تحتل فيه سياسة المصالح المتبادلة بينها وبين الدول المختلفة مفصلا هاما في برامج عملها المتطورة والمستمرة. ولا يمكن لدولة من الدول التنازل عن مصالحها، او إغفالها، او اعتبارها امراً ثانويا، لان قيمة واهمية نجاح نظام سياسي لدولة من الدول يكمن في مدى صيانتها وإجادتها الدفاع وحماية مصالح الدولة والنظام على حد سواء. وفي حال تراخت، او هادنت حكومة من حكومات الأنظمة السياسية بغض النظر عن طبيعة النظام ديمقراطي او استبدادي، ملكي او رئاسي او برلماني، فإنها بالضرورة ستسقط. لانها ستفقد أهليتها الوطنية والقومية.
لكن دائما وابدا المصالح مرتبطة اشد الارتباط بالأمن القومي، والعلاقة بينهما عميقة عمق الروابط الديالكتيكية، التي لا تنفصم، وبالتالي لا يمكن عزل، او فصل العلاقة بين المصالح والامن القومي فصلا ميكانيكيا. لان ذلك يؤدي لتشوه العلاقات البينية، ويضر مباشرة بمصالح الدولة والامن القومي على حد سواء. لان المصالح يفترض ان تكون جزءا اصيلا من الامن القومي، او بتعبير ادق، عنوان وبوصلة الامن القومي، ولا يجوز الحياد عن العلاقة الجدلية بين المفهومين ودلالالتهما السياسية والديبلوماسية والاقتصادية والأمنية العسكرية والثقافية في الواقع العملي.
وهذا التداخل والتكامل بين المصالح والامن القومي يكون عادة بائنا وواضحا في الدول القومية الكلاسيكية، القائمة داخل إطار حدود جيوسياسية واحدة، وتسيطر الدولة على شعبها وثرواتها من خلال قواتها المسلحة ومنظومتها القانونية السياسية وعقدها الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم، بين الشعب والنظام السياسي. بيد انه في نموذج كالوطن العربي الذي تم تقسيمه الى 22 دولة من قبل الدولتين الاستعماريتين بريطانيا وفرنسا من خلال اتفاقية سايكس بيكو عام 1916، فضلا عن إقامة دولة لقيطة وطارئة في مركز الوطن، وهي الدولة الإسرائيلية، التي أقيمت على انقاض النكبة الفلسطينية في العام 1948، وما سبقها، وما تلاها من احداث وتطورات ذات صلة، عقد كثيرا العلاقة البينية بين المصالح والامن القومي. لان الدولة الوطنية الناتجة عن سايكس بيكو في ظل أنظمة سياسية متهافتة، ومرتهنة لاجندة اقطاب الغرب الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية 1945، والتآمر على الدول الوطنية حاملة لواء العروبة والمشروع القومي العربي، واستنزافها في الحروب المتواصلة، التي اججتها، واشعلت نيرانها دولة المرتزقة الصهيونية، ومن خلال قوى الثورة المضادة في الداخل، وبافتعال الصراعات البينية بين الدول والشعوب الشقيقة، حتى بات الربط بين المصالح والامن القومي في لحظات تعاظم التشرذم والتفتت العربي في اعقاب حروب الخليج الأولى والثانية وما يسمى الربيع العربي أكثر التباسا وغموضا وابتعادا، وغرقت الأنظمة السياسية العربية الدائرة في دوامة المحوطة والتبعية للسوق الرأسمالية في متاهة حساباتها الضيقة، وتحللت تدريجيا من كل ضابط إيقاع بين المصالح والامن القومي.
لانها لم تعد ترى عمق الترابط الديالكتيكي بين الوطني والقومي نتاج الانغماس في التفاصيل القطرية، وبحكم ان الدفاع عن الدولة الوطنية فيما بعد مرحلة الربيع العربي امسى هدفا واولوية وطنية، وحتى حاجة قومية. لا سيما وان العدو الصهيو أميركي سعى ويسعى لتفتيت الهويات الوطنية، الى هويات دينية وطائفية ومذهبية وجهوية وقزمية عموما، ليس هذا فحسب، بل ان دولا عربيا وإسلامية تورطت في تنفيذ المشروع المعادي، وجيشت العصابات التكفيرية والتخوينية والتفتيتية من جماعة الاخوان المسلمين ومشتقاتها ك "القاعدة" و"داعش" و"النصرة" وغيرها من المسميات التي تاجرت بالدين الإسلامي واساءت للاسلام والمسلمين وللوطنية والقومية، مما فاقم من إشكاليات الربط والتكامل بين الوطني والقومي، واصبح الحديث عن قضية فلسطين، كقضية مركزية للعرب نوعا من الكلاشيهات الشكلية، التي لا تحمل دلالاتها السياسية القومية، لان الأنظمة العربية اسقطت من حساباتها القطرية الثوابت وركائز الامن القومي والسياسة المشتركة في مؤسسة الجامعة والقمة العربية بما في ذلك مبادرة السلام العربية واولوياتها ومحدداتها الاربع، وهي مبادرة سعودية بالاصل، تبنتها القمة العربية في بيروت عام .2002.
مع ذلك، فإن المصالح القطرية للدول العربية المختلفة لا يمكن فصمها، وفكها عن الامن القومي. لان أمن الدولة الوطنية، هو امن قومي بالأساس. ولم يكن انشاء الدولة الإسرائيلية اللقيطة من باب الترف، وانما كان هدفا لمؤتمر كامبل نبرمان 1905/ 1907 الرأسمالي لايجاد شعب من المرتزقة ليمزق وحدة الشعب العربي الواحد الى دويلات، تمت في سايكس بيكو، وبايجاد إسرائيل الاستعمارية عام 1948 تحققت اهداف الغرب الامبريالي، الذي مازال يعبث بأمن ومستقبل شعوب ودول الامة العربية حتى الان، ودفع العديد من الدول للانخراط في متاهة ما يسمى "السلام الابراهيمي"، الذي هو جزء لا يتجزأ من صفقة القرن الترامبية، التي لا تستهدف الشعب العربي الفلسطيني فقط، وانما شعوب ودول الامة العربية من المحيط الى الخليج. ومن يعتقد انه من خلال تشبيكه وتساوقه مع إسرائيل وأميركا في خيار التطبيع المجاني يحمي نفسه من خطر التخريب والاستهداف، فإنه يكون مخطئا، لا بل مرتكبا خطيئة بحق نفسه ونظامه وشعبه وامته العربية من أقصاها الى أقصاها، وليس في حق فلسطين وشعبها المنكوب بالحالة الرسمية العربية المنهارة والمتهاوية لوحها.
[email protected]
[email protected]