المحافظين والشباب القدامى

بي دي ان |

14 أغسطس 2023 الساعة 10:08م

المشرف العام
لعل تكرار التجارب وتشابه المواقف، وإدراك المعطيات الموجودة يدلك دون أدنى جهد منك على النتائج، وهذا ما حدث بعد انتهاء اجتماع الذين كنا نتوقع منهم أن يكونوا (أمناء أكثر من ذلك)  وعامون لا حزبيين، ولعل الشعب الفلسطيني أحسن صنعًا في أنه لم يعلق آمالًا على هذا الاجتماع، سواء بقصد أو بدون قصد، خاصة في ظل انشغال جزء منه بأزمة الكهرباء والمياه وأزمة حياة، (في محافظات غزة) وانشغال جزء منه بتشييع جنازات شهداء في الضفة الغربية في مشهد من أصعب ما يمكن أن يعيشه الفلسطيني مع حالات القتل والتدمير الإسرائيلي يوميًا، أما القدس فالزحف والتهويد الإسرائيلي وعمليات التمهيد لهدم الأقصى وبناء الهيكل المزعوم على أوجه. 

هذا المشهد الكارثي للحالة الفلسطينية لم تحمل قيادة الفصائل الفلسطينية على تحمل مسؤولياتها الوطنية تجاه شعبها والوصول لنتيجة مسؤولة وواعية تؤهل للخروج من المأزق الحالي، بالتالي ربما على ضوء ذلك ارتأت القيادة الفلسطينية تحريك الماء الراكد، وإجراء تغييرات في بعض مربعات صنع القرار في خطوة بالاتجاه الصحيح، لعلها تحدث نوع من تحسين الأداء في بعض الأماكن. 

تغيير المحافظين في غزة وجزء من الضفة، خطوة هامة في ظل عدم الاستفادة من البعض منهم وعدم إحراز أي تقدم حتى ولو على صعيد تقليص الفجوة بين القاعدة والقمة، ولا ننكر هنا دور القلة منهم في التواصل والتعاطي مع القضايا الاجتماعية والإنسانية وأظنها أيضًا ليست كافية، رغم الاجتهادات الشخصية للبعض منهم، وفي ظل هذا الجمود السياسي أعتقد بأنه بات متوقعا ألا يقف الحد عند هذا التغيير فربما نشهد قريبا تعديل وزاري، جزء من بعض الوزراء، وإلى جانب ذلك مهم أن نوجه دعوة بإجراء تغييرات ملحوظة على أصعد متعددة ما بين وزراء وسفراء ومسؤولين كثر لم يتم الاستفادة منهم كما ينبغي وكما تتطلب المرحلة وخطورة المرحلة، فهناك الكثير من الأشخاص تجاوز الستون والسبعون عاما وهو في موقعه، مما يحرم شاب وطاقات وكفاءات عالية من أخذ فرصها في الحياة السياسية والاجتماعية واذا بقي الحال في آلية اختيار الأشخاص، سنصل إلى مرحلة أن نقول للشباب لقد أصبحتم قدامى وانتهت صلاحياتكم، فنحن بحاجة لضخ دماء جديدة والاستفادة من كوادر وكفاءات كادت تفقد شغفها للعمل والعطاء في ظل حالة الاستفراد لبعض من القيادات في جزء كبير من الأماكن، وهنا نقدر خبرات وعطاء من قدم وأعطى، ولكن مازلنا بحاجة لعجلة التغيير أن تدور. 

وكذلك هي فرصة لتطبيق القرار الذي اتخذه المجلسين المركزي والوطني في اجتماعهم عام 2018، والذي أقر ما نسبته 30 % لتمثيل المرأة في المؤسسات الرسمية، وألا يبقى هذا القرار مجرد شعار خالي من الدسم، فلطالما طالت النساء وغير النساء من أنصارها والمؤمنين بقدراتها، طالبوا بمشاركتها السياسية في مختلف أماكن صنع القرار، بما فيها جولات الحوار والمصالحة  "البائسة"، ومع ذلك بقي القرار مع وقف التنفيذ ودون أي اهتمام. 

على الرغم من أن هناك نساء قادرات على إدارة ملفات هامة بكل جدارة ومسؤولية، وأنه آن الأوان لأخذ دورها الطبيعي والطليعي دون أي تذاكي أو تحايل على الموضوع، إلا إذا كان هناك رفض للشراكة ما بين الرجل والمرأة وعدم الإيمان بدورها سواء كان في الأماكن الاشرافية أو أماكن صنع القرار، وقد يتبادر للذهن أنه لربما أن ثقافة المجتمع التي لا تثق بأهمية دور المرأة قد انعكس على الذهنية العقلية للرجل المسؤول، فلم يعد مقبولا تنقل المسؤولين من وزارة لأخرى ومن سفارة لأخرى، وما شابه، على الرغم من أن التطلع بالأساس لإجراء انتخابات ليكتمل المشهد الديموقراطي، لكن تعددت أسباب المنع ما بين الإرادي وغير الإرادي، الداخلي والخارجي، وما بينهما احتلال يقسم أي جسر فلسطيني يخدم الحالة الفلسطينةً بكل تفصيلها. 

إن المرحلة الخطيرة التي يعيشها الشعب الفلسطيني بالداخل والخارج ومخيماته لاحقًا، معظمها نتاج مؤمرات على قضيتنا، وجزء منها بأيدي من هنا وجزء من هناك، إضافة إلى الممارسات الإسرائيلية البشعة التي تقوم بها الحكومة الفاشية اليمينية بحق الشعب الفلسطيني وما يقوم به المستوطنون من قتل واعتداءات، بحماية وموافقة جيش الاحتلال، كل ذلك يستوجب حالة فلسطينية قوية متماسكة وقوية، جريئة وقادرة على اتخاذ قرارات مختلفة، بعض الملفات (كالمصالحة) أظنها سقطت، بالتالي علينا لملمة ما تبقى من شخصيات وأدوات وطنية قادرة على فعل ما هو مطلوب منها وطنيا ومن جانب آخر مطلوب الوصول للقاعدة الجماهيرية والانخراط بقضايا المواطنين ودعمهم وتعزيز صمودهم وفكفكة أزماتهم قدر المستطاع، فلا يجوز لأحد التعالي أو التباهي عليهم، ولا يجوز لأي مسؤول أن يجلس في برج عاجي بعيدا عن الناس وهمومهم، فخدمة المواطن ليست رفاهية. 

بكل الأحوال لم يعد لدينا متسع من الوقت لاهدار الوقت، أو الانجرار خلف مهاترات تعيد القضية وتعيدنا جميعا للخلف وتشغلنا بتوافه الأمور عما هو هام وخطير، ( فالخض بالماء لا ينتج حليب) وإن حاول البعض توهم ذلك.