عودة واشكالية الوطنية والمواطنة

بي دي ان |

09 أغسطس 2023 الساعة 11:57م

الكاتب
في نهاية تموز / يوليو 2023 صدر كتاب الصديق العزيز، ايمن عودة، رئيس القائمة المشتركة في الكنيست الإسرائيلي بعنوان "الوطنية والمواطنة – رؤيا لتجديد المشروع السياسي للفلسطينيين في إسرائيل" عن دار كل شيء الحيفاوية، وقد احتفت به وزارة الثقافة الفلسطينية يوم الاحد الموافق 30 من الشهر ذاته في رام الله / متحف ياسر عرفات، والذي توافق مع اجتماع الأمناء العامين الفلسطينيين في مدينة العلمين المصرية برئاسة الرئيس محمود عباس، الذي بحث في تجسير العلاقات البينية بين الفصائل لردم صفحة الانقلاب الأسود، ونجم عن مخرجاته، تشكيل لجنة متابعة لبحث الملفات المختلفة ذات الصلة بالوحدة الوطنية، والتي لم ترَ النور حتى اللحظة، ولا اعرف ان كانت سترى النور لاحقا.
المهم ان الندوة في متحف ياسر عرفات، التي شارك فيها المؤلف ومعقبين احدهما د اياد البرغوثي، وادار الجلسة الكاتب عبد الغني سلامة، الذي افترض ان الكتاب يطرح رؤية خاصة لتجديد المشروع السياسي للفلسطينيين في إسرائيل، وحسبه يصلح الكتاب لان يكون مرجعية وطنية وخارطة طريق، ليس لاهالي الداخل فحسب، وانما كجزء من المشروع الوطني.  
وعمقه اياد البرغوثي بالقول "أن اهم ما يميز الكتاب، انه يشكل رؤية خطها قائد سياسي ومفكر، وهذا نادرا ما يحدث في فلسطين، حيث لا يلتقي الطرفان عادة. مع ان الرفيق أبو الطيب كان اكثر تواضعا ومنطقية في تشخيص سقف كتابه، فقال في مداخلته الافتتاحية أن "الكتاب يحاول تقديم إجابات عما تثيره الإشكاليات الواقعة بين الهوية الفلسطينية والمواطنة الإسرائيلية، وتطرق لاشكالية معادلة البعدين القومي والمدني في تناقضهما وتداخلهما، فمن جهة هناك الصراع القومي مع الكل الصهيوني، الذي يتنكر للهوية الوطنية الفلسطينية، ويرفض السلام بحده الأدنى والممكن، والذي عمق عنصريته بإصدار قوانين أساس للدولة اليهودية، تسقط كليا حقوق الفلسطينيين في استقلال دولتهم، وفي حرمانهم من المساواة داخل دولة إسرائيل، وفي ذات الوقت البحث عن القواسم المشتركة المرتبطة بالاستحقاقات الاجتماعية والاقتصادية والتربوية الثقافية والقانونية، حيث عاد عودة للنقاش الذي شهدته الساحة الفلسطينية في سبعينيات القرن الماضي بين أصحاب وجهات النظر المختلفة داخل الداخل، وسعى في كتابه لايجاد مقاربة بين التوجهين.
هدفت من ايراد بعض ما ذكره كل من البرغوثي وسلامة، ان ارد عليهما بالتأكيد، ان محاولة أبو الطيب الإيجابية، ليست الأولى، وانما هي واحدة من الاجتهادات، التي طرحها العديد من القادة الفلسطينيين. وهي ظاهرة في أوساط القيادات الفلسطينية في زمن الثورة الفلسطينية المعاصرة وداخل الداخل. ومن يعود للخلف وحتى يوم الدنيا الراهن ويراجع اطروحات قيادات حركة فتح ، وقيادات اليسار ممثلين بالدكتور جورج حبش ونايف حواتمة وقيادات حزب الشعب (الشيوعي) والفصائل القومية جميعهم قدموا رؤى فكرية سياسية لبلوغ الأهداف الوطنية، بغض النظر عمن أصاب او اخطأ منهم. وبالتالي لم يتفرد صديقي ايمن لما قدم.
وعلى صعيد آخر، اعتقد ان الكتاب على أهميته في السعي لاشتقاق برنامج سياسي لمواجهة التحديات الإسرائيلية العنصرية الفاشية، وإعطاءه أهمية لضرورة إيجاد جسور للتعاون مع القوى الديمقراطية الإسرائيلية، بما في ذلك بعض القوى الصهيونية، التي تتجاور مع القوى الوطنية والديمقراطية الفلسطينية في العديد من القضايا المدنية والقانونية والاقتصادية والثقافية. لكنه لم يرقَ الى مستوى مؤلف فكري سياسي، وابتعد كثيرا عن الاتكاء على احد مناهج البحث، فلا هو انتهج النهج الوصفي، ولا التاريخي، ولا التحليلي، ولا التجريبي، او الفلسفي، او الاستنباطي، مع انه سعى جادا للاسترشاد بتجربته الشخصية مع القيادات الوطنية، وبتجارب من سبقوه، واستلهم بعض مقتطفات من رؤاهم، ومن خلال علاقاته ببعض المفكرين الإسرائيليين في محاكاة العلاقة التبادلية بين الشعب الواقع تحت نير الاستعمار والمستعمر، وكان لقائه مع البرفيسور شتيرنهل في شباط / فبراير 2018، وما لفت نظره له، من ان زيادة وزن المتعلمين والاكاديميين والأطباء والممرضين وحتى في الهاي تيك من الفلسطينيين، بما في ذلك زيادة نسبتهم بالنسبة لمجموع السكان في إسرائيل، لا يشكل حام لهم، او يبعدهم عن شبح الاخطار الفاشية والعنصرية المتعمقة في إسرائيل اللقيطة، لا بل يمكن ان يكون عاملا ضدهم، لانه يرفع منسوب الخوف في أوساط الاستعماريين، ويضاعف من تغولهم الفاشي.
لكن محاولة المؤلف الجادة التي بادر لها تستحق التقدير لاستنهاض الحالة الوطنية، وكبح جماح الجهوية والعائلية العشائرية والدينية الطائفية والمذهبية، وتعزيز روح الشراكة الوطنية على القواسم المشتركة على أساس برنامج وطني جامع من حلال المؤتمر الوطني العام، الذي يجمع القوى والكفاءات والنخب والقطاعات كافة، وتنظيم العلاقات البينية في مواجهة التحديات المشتركة مع الدولة الكولونيالية الصهيونية، امر هام، يفترض المراكمة عليها، ودفعها للامام. كما ان ملف انشاء الصندوق الوطني لابناء الشعب في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة يستحق العمل على تجسيده، ونقطة هامة أخرى تمثلت بالدعوة لبناء مركز للمؤسسات الوطنية في الناصرة كعنوان للوطنية الفلسطينية تعتبر نقلة إيجابية في تكريس المأسسة لتمثيل أبناء الشعب ككل.
وأيضا محاولة الاقتراب من منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني، وإيجاد جسر للتواصل معها، تعتبر خطوة هامة، وهذه النقطة تحتاج الى اغناء وتعميق. لانها يفترض ان تشكل هاجسا وطنيا للجميع في مختلف التجمعات المركزية الفلسطينية في ال48 وال67 والشتات والمهاجر، والعمل على: أولا حماية المنظمة ودورها كوطن معنوي للكل الوطني؛ ثانيا لاضفاء مصداقية على دورها كممثل شرعي ووحيد للكل الفلسطيني؛ ثالثا إيجاد صيغ إبداعية لجسور التواصل بين المركز والفروع، وخاصة في ال48. ولكن لا يجوز ان يكون هناك تردد عند قيادة المنظمة ولا عند القيادات الوطنية والديمقراطية والدينية في داخل الداخل. لان الجامع المشترك هو الهوية الوطنية، التي تكرست عبر التاريخ والموروث الحضاري وعمقتها النكبة وما افرزته من تحديات على الصعد المختلفة، والاخطار المحدقة والناجمة عن تصعيد حملات التطهير العرقي العنصرية والفاشية الصهيونية.
نعم اعتقد ان النقطة الأخيرة جديرة بالاهتمام والتركيز وإيجاد الحلول الواقعية لتكريسها، وطرحها لم يكن جديدا. لان العديد من القيادات في لجنة المتابعة العربية العليا اثارها سابقا، وأيضا من العديد من قيادات فصائل العمل الوطني، بالإضافة للجنة التواصل التابعة لمنظمة التحرير.
ما حمله كتاب الرفيق أبو الطيب في النقاط المختلفة من رؤية برنامجية يشكل أرضية للحوار المشترك مع الكل الفلسطيني للنهوض بالحالة الوطنية، والخروج من حالة المراوحة والتعثر والنزعات العبثية، وبناء أسس ناظمة وجامعة للشعب الواحد والموحد لحماية الهوية والشخصية الوطنية، والمشروع الوطني، ورفع سوية الروح الكفاحية بمستوياتها المختلفة وفق الظروف الخاصة بكل تجمع حتى بلوغ كامل الأهداف الوطنية.
[email protected]
[email protected]