يد الغدر

بي دي ان |

25 يناير 2021 الساعة 08:45م

استيقظا كعادتهما في الصباح الباكر, صليا الفجر مع والدهما الذي بلغ من الكبر عتياً, وتناولا بضع لقيمات, وقبلا يد والديهما وتبسما لدعواته الجميلة, وغادرا البيت إلى عملهما مستبشرين برزق كريم يغنيهما عن سؤال اللئيم, فعمر يبلغ من العمر ثلاثة وعشرين عاماً, متزوج وزوجته حامل في الشهر السابع, أما علي فهو ابن إحدى وعشرين سنة, متزوج ولديه ابنة عمرها خمسة شهور, عمر يعمل في بيع الألبسة المستعملة, أما علي فيبيع الخردة, فبين بيع الألبسة المستعملة والخردة يتقاسم الشابان ضروريات الحياة.
 قرب مكان عملهما يسقط شخص غريب على الأرض مدعياً الألم, صارخاً بشدة بأنه لا يقوى على السير أو الحركة, فيتجمهر الشباب العراقي الغيور لمساعدة هذا الغريب, فهكذا هم دائماً الفقراء والمساكين يهبون دوماً لمساعدة المحتاجين رغم قلة ما يقدمونه, وينتظر ذلك الغريب أكثر وأكثر؛ ليتجمهر حوله أكبر عدد ممكن من المُعدمين, ليفجر الحزام الناسف الذي ربطه على وسطه, محولاً المكان إلى دماء ودمار, جثث وأشلاء, فقد أوهموه بأن هذا الطريق هو أقصر الطرق إلى الجنة, وأن الحور العين بانتظاره, وأنه كلما قتل أكثر كلما ارتفع وارتقى, فشيخه قد أعطاه صك الغفران, وختم له بالشهادة ومنزلة الشهداء, وأنه بفعله هذا قد فاز بالجنان, وحُرمت عليه النيران ...
سقط علي بجانب عمر, وانضم إليهم بائع الشاي, وبائع القهوة, وسائق التكتك, وكل الفقراء والمقهورين والجائعين و ... كلهم ماتوا .. إلا بائعو الأوطان.
سُمع الانفجار في كل مكان, وهرع الأهالي والجيران, والشرطة والأمن, ووكالات الانباء, ووصل أبا عمر وعلي يبحث عن ولديه بين الركام, هل أحد منكم شاهد ولداي؟ عمر ... علي ... عمر ... علي ... ولداي أجيبوا أباكما ... هل رأى أحدكم أبنائي؟ أيها الشرطي هل أولادي بخير؟ هل رأيتهما؟ 
- كلهم بخير يا والدي, لقد تم نقلهم إلى المشفى القريب, اذهب إلى هناك فقد تم نقل كل الفقراء والمساكين إلى هناك. 
وصل أبو عمر وعلي المشفى, يسأل أين المصابون؟ أين الجرحى؟ ... ولكنهم فتحوا له ثلاجة الموتى فشاهد عمر وعلي قد مزقت قنابل الغدر جمال عيونهم, وكمال أجسامهم, فحولتهم إلى بقايا أشلاء, أما اللهب فقد أحرق شعرهم ورموش أعينهم, ولم يبق آية للجمال فيهم.
صرخ الأب وبكى وانتحب, وضاع صوته وهو يلهج باسميهما, وهو يحاول إيقاظهما فنومهما قد طال, يقولون أن الأب دفن ابنيه ليحيا العراق, وأن طفلة علي قالت لجدها لتهون عليه مرارة الفقد وألم الحرمان: مات أبي وعمي وتصالحت الحكومات, وأن زوجة عمر أنجبت عراقاً جديداً ... صرخ الجيران والأهل بعد انتهاء العزاء ... يا أبا عمر يا أبا علي إلى أين أنت ذاهب؟ فأجاب:  إلى المقبرة لأنام في حضن ابناي, فابناي صغيران لم يكبرا بعد, ويخافان أن يناما وحدهما.