ملاحظات على الملاحظات

بي دي ان |

03 أغسطس 2023 الساعة 01:01ص

الكاتب
لا اعرف سببا لاختيار القيادة المصرية مدينة العلمين مكانا لاجتماع الأمناء العامين في 30 تموز / يوليو الماضي، هل بهدف استحضار مرور 81 عاما على معركة العلمين الثانية ما بين أكتوبر ونوفمبر 1942، التي غيرت مجرى الحرب العالمية الثانية لصالح الحلفاء؟ ام للإعلان والدعاية للمدينة الحداثوية التي أقيمت على انقاض تلك الحرب، وحروب الإرهاب التكفيري، ام لبعدها عن الضوضاء والعسعس والفضوليين في العاصمة المصرية القاهرة؟ ام انها ارادت ان تستلهم القيادة الفلسطينية أهميتها من هزيمة دول المحور الفاشية، وكسر حدة التناقضات، وطي صفحة الانقلاب والتمزق الداخلي الذي مازال يترك بصمات كارثية على القضية والمشروع الوطني والنظام السياسي الفلسطيني؟  
أي كانت خلفيات القيادة المصرية المشكورة على استقبال، واحتضان اعمال اجتماع الأمناء العامين برئاسة الرئيس أبو مازن، فلم يكن هناك حد ادنى من التفاؤل في أوساط الرأي العام الفلسطيني، ليس تنكرا، ولا رفضا لفتح قوس الامل، وانما إدراكا من الشارع الفلسطيني ان القوى المتربصة بالمشروع الوطني، وأصحاب الاجندات الإقليمية ليسوا جاهزين، ولا يوجد ما يرغمهم على ولوج خيار الوحدة، والالتزام باي من الاتفاقات المبرمة، ومهدوا لمواقفهم من خلال الإعلان عن عدد من التحفظات والممانعات على مخرجات الاجتماع، ومن خلالها وضعوا العصي في دواليب لجنة المتابعة التي لم تتشكل بعد، وأمل ان تجد طريقها للنور، لعلها تتمكن من كسر حدة التباعد، وان كان هذا التمني بلا رصيد.
من بين التحفظات والممانعات، أولا رفض الالتزام بقرارات الشرعية الدولية، ومحاولة وضع الشرعية الدولية في تناقض مع مصالح الشعب العربي الفلسطيني، او الافتراض، بانها تحول دون استخدام الحركة الوطنية اشكال النضال كافة، مع ان الجميع يفترض ان يكونوا على علم ان هناك قرارا امميا تحت الرقم 3236 الصادر في نوفمبر 1974 كفل للشعب الفلسطيني الحق في استخدام كل اشكال الكفاح لتحقيق أهدافهم الوطنية.
اضف لذلك، هناك اكثر من الف قرار اممي تصب في مصلحة الشعب الفلسطيني، وهناك معاهدات جنيف الأربع الدولية التي يتشدق بها البعض من تلك الفصائل بين الحين والأخر لتبيان جرائم إسرائيل وممارساتها الوحشية على الصعد المختلفة في زمن الاحتلال والحروب، وهناك محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنائية الدولية ومجلس حقوق الانسان ومنظمة اليونيسكو وغيرها من المنظمات التي تساند الحقوق الوطنية. ثم اطرح السؤال، اليست الجمعية العامة للأمم المتحدة صوتت لرفع مكانة فلسطين لدولة مراقب في الأمم المتحدة؟ واليست من صوت لرفع العلم الفلسطيني الى جانب اعلام الدول الأعضاء؟ واليست من اعترف مؤخرا بنكبة الشعب الفلسطيني، واحييت الذكرى ال75 بحضور الرئيس محمود عباس؟ اين مشكلة حركتي حماس والجهاد الإسلامي ومعهم للأسف الشعبية ومن لف لفهم مع الشرعية الدولية؟ ولماذا مطلوب منا ان نخسر موقعا امميا مهما، رغم كل التعقيدات الموجودة في المؤسسة الأممية؟
ثانيا الاعتراض على مفهوم المقاومة الشعبية السلمية، ومن موقع اعتقادي بمعرفتي بخلفية الرئيس عباس وتمسكه بالمفهوم لقناعته ان التمسك به في الظروف الراهنة، وامام تغول حكومة الترويكا الفاشية يعطي مصداقية اعلى للكفاح الوطني الفلسطيني، ويجرد الأعداء من اية ادعاءات تمس مصداقية الكفاح الوطني التحرري، وتمنح القيادة والشعب دعما واسنادا امميا كبيرا.
ولكن التمسك بهذا المفهوم، لا يعني اغلاق الباب امام أي شكل كفاحي في المنطقة C او داخل الخط الأخضر. وهناك تجربة غنية على هذا الصعيد، حيث لا يستطيع احد ان يتحفظ على أي عمل فدائي داخل إسرائيل يستهدف المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية ومرتكبوا جرائم الحرب ضد أبناء الشعب العربي الفلسطيني.
ومع ذلك اعتقد، ان استخدام مفهوم المقاومة الشعبية دون اقرانها بمفهوم السلمية يكفي، ويحرر اليد الفلسطينية من اية قيود، فضلا عن ذلك لا يوجد في العالم من يتحفظ على المقاومة الشعبية. كما ان أبناء الشعب من المستهدفين انما بتصديهم لغلاة الفاشية والعنصرية من المستعربين وقوات الجيش وحرس الحدود وقطعان المستعمرين يدافعون عن انفسهم. وبالتالي لا يجوز تحميلهم اكثر مما يحتملوا.
ثالثا تحفظ البعض على مقولة "نظام واحد، قانون واحد، وسلاح واحد" يعكس الاستهتار والخفة السياسية والقانونية والثقافية في حماية الكيانية السياسية الفلسطينية، لا بل ان البعض عن سابق تصميم وإصرار يسعى لاستهداف النظام الفلسطيني الشرعي، رغم هشاشته وضعفه. لان له اجندة وحسابات أخرى، ويراهن على سحب البساط من تحت اقدام الشرعية الوطنية بالتنسيق والتكامل مع دولة الاستعمار الاسرائيلية نفسها ودول عربية وإقليمية أخرى. وهذا يفرض على مطلق وطني العمل على حماية الكيانية الفلسطينية الوليدة، وابعادها عن شبح الصراعات الداخلية، وفوضى السلاح والفلتان الأمني وسياسات البلطجة، وعلى الدول الإقليمية التي تمول هذه الحملات المشبوهة والمعادية للوطنية الفلسطينية، ان تعيد النظر في تمويلها لهكذا مشاريع، ان كانت معنية بمصالح وحقوق الشعب العربي الفلسطيني.
والكيانية الفلسطينية لا تتناقض مع أي شكل من اشكال الكفاح الوطني، شرط ان لا تستخدم المخيمات والمدن لأغراض تهددها، وانما كما ذكرت انفا، هناك مجال واسع للقيام باي عمل خارج نطاق الكيانية (السلطة الوطنية)، وبالتالي تسحب من اليد الإسرائيلية الاجرامية الذرائع، وطبعا هي ليست بحاجة لذرائع، ولكنها لتغطي جرائمها الوحشية تدعي انها تستهدف المربعات والجزر المتمردة على النظام السياسي، والحقيقة، انها اول مستهدف للسلطة ومكانتها ودورها، وتعمل بخطى حثيثة على تصفيتها، وليس تهميشها.
وهناك قضايا أخرى اقل أهمية، ولكنها تعكس عدم الرغبة في طي صفحة الانقلاب الأسود على الشرعية، ورفض الالتزام باتفاقيات المصالحة الوطنية، والبقاء في دائرة الأداة الوظيفية لتنفيذ الاجندات والحسابات الفئوية الضيقة. وبالنهاية من يريد الوطن وتحريره، وينادي بالمقاومة عليه ان يكون في مقدمة المتمسكين بالوحدة الوطنية وحماية منظمة التحرير الفلسطينية والنظام السياسي التعددي وتصعيد المقاومة الشعبية، وتعزيز عوامل الصمود والتحدي للمشروع الصهيوني الاجلائي الاحلالي دون تردد. فهل يراجع هذا البعض مواقفه ويعود لجادة الشعب ويتوطن في حاضنة المشروع الوطني ومنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
[email protected]
[email protected]