لا لحرق القرآن

بي دي ان |

29 يونيو 2023 الساعة 09:40م

الكاتب
من نافل القول، ان كل شعب ينضح بما فيه من الغث والسمين، من الإيجابي والسلبي، وافراد شعبٍ من الشعوب ليست نسخة كربونية عن بعضها البعض، فهناك تعددية، ورؤى واجتهادات وتباينات وتناقضات بين مكونات مطلق مجتمع، وهناك أحزاب وقوى ونخب من مشارب فكرية وعقائدية من اقصى المنظومة الفكرية يسارا الى أقصاها يمينا وما بينهما من تلاوين فكرية وسياسية وثقافية.
لكن مطلق مجتمع وشعب يؤمن بالديمقراطية ويتبنى مرتكزاتها، يقبل بالتعددية وبصناديق الاقتراع، والتداول السلمي للسلطة، ويقبل بالتسامح والرأي والرأي الاخر، لا يمكن ان يقبل بامتهان او الاستهتار بقيم ومعتقد وديانة جماعة من الشعب، او الإساءة لمعابدهم وكتبهم المقدسة، واشهار السلوكيات العنصرية المتزمتة، والتي تبث السموم والانقسام داخل اوساط الشعب تحت يافطة "حرية الرأي" و"التعبير"، فهذه ليست ديمقراطية، ولا حرية رأي، ولا تخدم بحال من الأحوال حماية السلم الأهلي، بل على النقيض من ذلك تماما.
وما قام به سلوان موميكا المهاجر من العراق الى السويد قبل سنوات اول امس الأربعاء اول أيام عيد الأضحى المبارك الموافق 28 حزيران / يونيو الحالي من احراق نسخة من القرآن الكريم، بعد ان مزقها، ومسح جذاءه به، ووضع فيها لحم الخنزير امام مسجد ستوكهولم المركزي بعد ان منحت الشرطة السويدية الاذن بعد أسبوعين من رفض محكمة استئناف حظرا كانت الشرطة قد أعلنته على المظاهرات التي تنظم لاحراق المصحف الشريف. حيث جاء احراقه للمصحف الشريف ليعكس حقدا دفينا لديه، ونقصا في الوعي، وفهما خاطئا لدلالات الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير، وخلطا متعمدا بين المسلمين وحثالات الجماعات التكفيرية والتخوينية النابتة من رحم جماعة الاخوان المسلمين وجماعات الملالي الفارسية، ومن اذرع أجهزة الCIA والموساد وغيرها من أجهزة الامن الغربية البريطانية والفرنسية والألمانية.
وهي ليست المرة الأولى التي يحرق فيها مواطن سويدي القرآن، حيث سبقه زعيم حزب "الخط المتشدد" سلوان بلودان الدنمركي في كانون ثاني / يناير الماضي (2023) بحرق القرآن الكريم امام السفارة التركية، وهو من أصول سويدية، ويحمل جنسيتها منذ عام 2020، انطلاقا من الحقد الاعمى الذي يملأ كيانه العنصري، وبهدف طرد اتباع الديانة الإسلامية من الدنمرك والسويد والنرويج وأوروبا كلها إن استطاع.
وعقب رئيس الوزراء السويدي، اولف كريسترسون في مؤتمر صحفي ذات يوم الأربعاء، انه لا يعرف ألى أي مدى يمكن ان تؤثر المظاهرة، والتي وافقت الشرطة عليها (لحرق القرآن) على عملية انضمام بلاده الى حلف الناتو. وتابع تصريحه غير المنطقي، والذي يعكس تسطيحا للديمقراطية، وفهمها العدمي بالقول انه " أمر قانوني، لكنه غير مناسب." وللأسف قزم رئيس الوزراء الامر من زاوية نفعية تتعلق بمدى قبول تركيا دخول بلاده لحلف الناتو، ولم يتلفت لما هو اخطر من ذلك، لمصلحة وحدة الشعب والدولة السويدية، وحماية النسيج الاجتماعي والثقافي، وصون السلم الأهلي، والديمقراطية الحقيقية. لا سيما وان الديمقراطية تنتهي كقيمة، وحرية رأي وتعبير وتنظيم وانتخاب، عندما تحتضن في احشائها العنصرية، وتؤصل لرفض التسامح الاجتماعي والثقافي والديني بين أبناء الشعب الواحد، وتستبيح التعددية وحرية الأديان والاعتقاد والتفكير، عندئذ لا تكون ديمقراطية، انما اسفافا من الفوضى والعبث باسم الديمقراطية.
من حق المواطن ان يقول رأيه وفق معايير حرية الاعتقاد للاخر، وبما لا يسيء او ينتقص من حريته، وايمانه، وبما يصون التسامح والتكامل وحماية وحدة الشعب. لذا على أنظمة البرجوازية في أوروبا الغربية والشرقية وحثيما وجدت أنظمة ديمقراطية ان تعيد النظر في مرتكزات الديمقراطية، وتكف عن الخلط المتعمد بين اللا ديمقراطية والعبثية، بين حرية الرأي والتحريض، بين حرية التعبير والعنصرية، وبث الأحقاد، فهناك ديمقراطية، وهناك لا ديمقراطية.
بالنتيجة، بغض النظر عمن سمح بحرق القرآن في مناسبة دينية واجتماعية عظيمة، عيد الأضحى المبارك وامام المسجد الكبير في العاصمة ستوكهولم، فإن النتيجة إساءة للسويد وقيادتها، وإساءة للاسلام واتباع الديانة الإسلامية، وتكريس للعنصرية، وللفوبيا الاسلاموية، وتدنيس لحرية التعبير والمعتقد، وان لم ينفجر الوضع اليوم في السويد والدنمرك وغيرها من الدول الغربية التي تدعي تبنيها للديمقراطية، فانه سينفجر فيما بعد، لان الظاهرة خطرة، وخطرة جدا على مستقبل الدول والشعوب، وعلى رئيس الوزراء والبرلمان والقضاء السويدي والأجهزة الأمنية الاعتذار عن جريمة حرق القرآن الكريم، واعتقال المجرم الذي قام بحرق كتاب الله، لعلهم يدرأوا خطر محدق بالدولة والشعب والديمقراطية الحقة.
[email protected]
[email protected]