فلسطين في قلب الصين

بي دي ان |

17 يونيو 2023 الساعة 12:44ص

الكاتب
العلاقات الفلسطينية الصينية تمتد لستة عقود خلت، وكانت قائمة منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية عام 1965، وجمعت بين الثورتين الصينية والفلسطينية روابط ووشائج عميقة منذ ذلك التاريخ، تعمدت قبل 35 عاما بإقامة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين الصديقين، وكانت الصين دائما وابدا سندا قويا للشعب العربي الفلسطيني وثورته المعاصرة وحقوقه وأهدافه السياسية والقانونية، ودعمت القيادات الصينية المتعاقبة من ماوتوسي تونغ الى شين جين بينغ كفاح الشعب التحرري، ولم تنفك الصين بثقلها السياسي الإقليمي والعالمي، وعملقتها الاقتصادية المالية والعسكرية عن دعم قيادة منظمة التحرير الفلسطينية ودولتها الوليدة حتى تتحقق كامل اهداف الشعب المنكوب بالاستعمار الإسرائيلي الاجلائي الاحلالي، والمتسلح بالدعم اللا مشروط من قبل الغرب الرأسمالي وفي مقدمته الولايات المتحدة الأميركية.
وهذه العلاقة التاريخية بين البلدين والشعبين الصديقين تتكرس كل يوم نتاج حرص ورغبة القيادتان الصينية والفلسطينية على تطويرها وتعميقها في مختلف الميادين والمجالات، وتتضاعف أهمية واولوية العلاقة مع الصين الشعبية العظيمة مع إعادة تشكل النظام العالمي الجديد، حيث تتبوأ بكين مكانة مركزية فيه، وباتت رقما لا يمكن تجاوزه او القفز عنه في مختلف المسائل والملفات العالمية. ولهذا تحرص قيادة منظمة التحرير على التماس الدائم مع القيادة الصينية عبر الزيارات المتواصلة بين اركان القيادتين والوفود المتبادلة بين الصين والسلطة الوطنية والأحزاب والقوى والفصائل الفلسطينية بمختلف مشاربها واتجاهاتها.
وتأتي زيارة الدولة للرئيس محمود عباس للصين الشعبية يوم الثلاثاء الماضي الموافق الثالث عشر وانتهت امس الجمعة الموافق السادس عشر من يونيو الحالي لتعكس عمق الروابط بين البلدين والقيادتين، والتي أكدت ان فلسطين كانت ومازالت في قلب الصين الصديقة الوفية، وعالج فيها الرئيسان عباس وبينغ الملفات السياسية والاقتصادية والكفاحية وجرائم دولة الاستعمار الإسرائيلية اللقيطة، وتفرد الولايات المتحدة في ملف ما يسمى رعاية عملية السلام، التي لا تمت للسلام بصلة. لانها لم تتمثل دور الوسيط النزيه، ولم تكبح جماح النزعات الكولونيالية الإسرائيلية، ولا جرائم حربها، لا بل قدمت وتقدم لها كل اشكال الدعم المالي والاقتصادي والتسليحي والأمني والسيبراني لها، وتغطي تلك الجرائم في مختلف المحافل الدولية وخاصة في مجلس الامن والجمعية العامة للأمم المتحدة واليونيسكو ومجلس حقوق الانسان ومحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية وحيثما وصلت يدها لاي محفل حتى داخل الولايات المتحدة نفسها يتعرض لمساءلة او المطالبة بمساءلة إسرائيل على جرائم حربها ضد الشعب العربي الفلسطيني.
ومن خلال المباحثات الجادة والمسؤولة والدافئة اكد الرئيسان بينغ وعباس على عمق العلاقات الاستراتيجية بين البلدين الصديقين، وعلى تطويرها، ودفعها قدما للامام، ودعم الحقوق الوطنية الفلسطينية في تحقيق الأهداف السياسية والقانونية، والتي توجها الرئيس شين جين بينغ بمبادرته التي طرحها يوم الأربعاء الماضي الموافق 24 يونيو الحالي، وتضمنت النقاط الثلاث الاتية: أولا يكمن الحل الأساسي للقضية في إقامة دولة فلسطين المستقلة، التي تتمتع بسيادة كاملة على أساس حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية؛ ثانيا يتعين تلبية الحاجات الاقتصادية والمعيشية لفلسطين، ويحتاج المجتمع الدولي إلى تكثيف المساعدات الإنمائية والإنسانية لفلسطين؛ ثالثا من المهم الحفاظ على الاتجاه الصحيح لمحادثات السلام. ويتعين احترام الوضع التاريخي الراهن للاماكن المقدسة في القدس، ويتعين تجنب الاقوال والافعال المفرطة والاستفزازية وتوج المبادرة بالتأكيد على عقد مؤتمر دولي واسع النطاق، وأكثر موثوقية من أجل تهيئة الظروف لاستئناف محادثات السلام، والاسهام بجهود ملموسة لمساعدة فلسطين وإسرائيل على العيش بسلام. وتعتبر هذه المبادرة خطوة إضافية ومتقدمة على استعداد الصين للعب دورها المركزي في معالجة الملف الاعقد عالميا، أي الملف الفلسطيني الإسرائيلي.
هذا وابدى الرئيس بينغ الاستعداد كي تلعب بكين دورا إيجابيا في ملف المصالحة الوطنية، وتجسير المسافات بين الشرعية الوطنية والقيادة الانقلابية. وهذه خطوة هامة، وإن كان الاستنتاج المنطقي يخلص، الى ان الصين الصديقة تجهل دور وخلفية التنظيم الدولي للاخوان المسلمين، الذين افشلوا دور روسيا الاتحادية، التي لم تألوا جهدا لتحقيق المصالحة، وقبلها وبعدها الجزائر ومصر االشقيقتين. مع ذلك يفترض فتح كافة الأبواب والنوافذ لانجاح مساعي التنين الصيني في كسر الاستعصاء الاخواني.
شكلت زيارة الرئيس عباس للصين الشعبية خطوة هامة في تعميق العلاقات الثنائية المشتركة الاستراتيجية بين البلدين، ونقلة إيجابية في محاولة كسر حلقات القيد الأميركي المفروض على الملف الفلسطيني الإسرائيلي، وللتسلح بالعلاقة القديمة الجديدة مع القطب الند للولايات المتحدة، والاستعانة به الخروج من شرنقة الهيمنة الأميركية وسطوتها، والتقدم خطوة نوعية لترسيخ وجود القضية الفلسطينية على طاولة النظام العالمي الجديد، واستباقا للتطورات الدولية الجارية بخطى حثيثة على مختلف الصعد والمستويات.
ولتكتمل وتتعزز الخطوة الفلسطينية الاستراتيجية تستوجب الضرورة ارفاقها بزيارات دولة لروسيا الاتحادية وللدول المؤثرة في التحولات العالمية مثل: الهند والأرجنتين والبرازيل وجنوب افريقيا وتركيا وايران، بغض النظر عن اية تباينات، والاسهام ببناء لبنة جديدة ونوعية في المنظومة العالمية الجديدة، ولتكريس فلسطين رقما وعنوانا رئيسيا في المشهد الدولي القادم، لقطع الطريق على الولايات المحتدة وربيبتها اللقيطة إسرائيل، وكل من يقف معهما.
[email protected]
[email protected]