"حزيران الأسود".. واتفاقيات غزة المجهولة!

بي دي ان |

05 يونيو 2023 الساعة 01:51م

المشرف العام
لم تكن زيارة رئيس الوزراء الفلسطيني الدكتور محمد اشتية، في التّاسع والعشرين من مايو الماضي لمصر، على رأس وفدٍّ وزاري هي الزِّيارة الأولى من هذا النّٓوع فقد كان هناك زيارة سابقة بذات الهدف للعاصمة المصرية، من حيث تناول سُبل تعزيز التّٓبادل والتّعاون بين البلدين وتوقيع بروتوكولات ومذكرات تعاون في مختلف القطاعات، وبالرّغم من وضوح أهداف الزيارة إلا أنّها لم تخلُ من التأويل ومحاولة حرف بوصلة الزيارة باتجاه أهدافٍ سياسيةٍ أخرى وإن كنتُ أعتبر ذلك بعضًا من التمني، ولعلّ ما فتح الباب أكثر لسلسلة متواصلة من التّأويل والإشاعات، هو توافد أكثر من فصيلٍ في ذات الفترة وعلى ذات البقعة الجغرافية: ( فتح، حماس، الجهاد الإسلامي).

أوراق وبنود واتفاقيات وتخمينات ضجت بها وسائل التواصل، لا نستطيع الجزم حتى اللحظة بمصداقية أي شيءٍ يتم تناوله وتداوله عبر الفضاءات، ولكن ما هو ملاحظ أنّ معظم الحديث _رغم عدم معرفتنا حتى اللحظة مدى صدقيته_ يدور حول تحسينات وتسهيلات اقتصادية لغزة تحديدًا: (ميناء، تسهيل عبور، غاز، مال، مشاريع،  ...) تحت الحل الاقتصادي). 

ومن الملاحظ أن أكثر هذه الأقاويل إن (جاز التعبير) مصدرها غزة بعيدًا عما يتناوله الإعلام العبري، وهذا ما يدلل على أنّ غزة هي المتضرر الأول والأساسي جراء (الانقلاب) الذي يصادف ذكراه المشؤومة هذا الشهر، والذي مرّت فيه فلسطين بأكثر من نكسة على مراحل تاريخ الاحتلال الذي مازال جاثم على صدرنا، فواضح أنّ المواطنين في غزة يحلمون بعهدٍ مضى حين كان لهم مطار وميناء ومؤسسات واضحة السِّيادة وعمل وقانوني، أي مؤسسات دولة، وأنّ تداعيات الانقلاب التي لا تخفى على أحدٍ، لم يعد يحتملها، ولم تعد له طاقة بها، بالتالي مع كلّ حدث غير اعتيادي تتناقل التخمينات حول مصالحة وطنية وعودة غزة لحضن الوطن، تسليم معابر للسلطة، وتبث الأمنيات على هيئة تسريبات وتصريحات لمصدر مطلع وغيره. 

ونحن هنا لا نستطيع إيلام أحد، فالوضع في غزة لم يعد يطاق وعبر المواطنون ومازالوا بشتى الطرق عن استيائهم ونفاذ صبرهم عن الوضع المعاش والذي أبعد ما يكون له حلاً بالأفق. 

المؤسف بالأمر سياسيًا، أنّ هنالك معايشة للواقع يتخللها حالة من الترقيع هنا أو هناك، إدارة ملفات عديدة بشكل أشبه بالاعتيادي، والجميع بات مدركًا، بعدم امكانية تحقيق مصالحة فلسطينية فلسطينية، وأنّه إذا ما تمً اتفاقات لا تعدو سوى حلول مبدئية لقضايا جزئية، فعليًا ما يتم هو (إدارة انقسام) فبات واضحًا أنّه بكلِّ الأحوال فإن حركة حماس لن تغادر حكم غزة، وكما قالها القيادي لديهم إسماعيل هنية: "نغادر الحكومة ولن نغادر الحكم" وها هم حكم وحكومة، والفصل ما بين غزة والضفة كلّ يومٍ يتجذر ويتعمق، في محاولة بأقصى جهدٍ لبحث تسهيلات اقتصادية على حساب القضايا السّياسية، مع إدراكًنا  أن هذه التسهيلات لن تكون بدون ثمن أكبر وهو تحييد غزة عن كلِّ ما يجري بالضفة والقدس، وبالمناسبة هذا الحال والتجربة لم تعد تشكل صدمة لأحد، ولم يعد الشيطان يكمن بالتفاصيل فقط، بل بالعناوين والتفاصيل والبرواز. 

الفعل الأكثر حضورًا بالمشهد الفلسطيني هو دفع الثمن، عدم قدرة الكل الموجود على خلق نظام سياسي واحد على جغرافيا واحدة، أتاح المجال لاخضاعنا جميعًا لتنازلات بلا نهاية لعدو فهمنا وحفظ عن ظهر قلب سيكولوجيتنا، وحدد مسبقًا نقاط الضّعف فينا التي لم نقاومها نحن ولم نمتلك الإرادة الحقيقية لتقويمها وتقويتها. 

بعد أكثر من عقد ونصف الفلسطينيون يراوحون مكانهم دون أي تقدم يذكر، بل يذهب الكثير منهم باتجاه تنازلات مجانية. هناك مثل شعبي يقول (تغرق بأيدي ولا تعمر بيد غيري) أخشى أنْ يكون جزءًا من الفلسطيني يفكر بهذه الطريقة فكثير هم من يفتقدون الحرص والنموذج والشجاعة الوطنية، وهذا كلّه يدفعنا أثمانًا باهظةً وأيضًا بالمجان.

شيء آخر يحزننا أن جزءًا من الفلسطينيين المتحكمون لم يعودوا جزءًا من الحلِّ وأنّه في حال التفكير بحلول لأزمات وواقع غزة سيتم أخذ موافقة دول إقليمية ممولة وداعمة مالياً وليس وطنيًا للبعض، وبالتالي حين نخسر قرارنا المستقل نقول على الوطن السلام.

لاشك أنّ الوضع الفلسطيني عامة بات معقداً جدًا بين كماشة الاحتلال والانقلاب، مع ذلك فإنّ هذا لابدّ أن يكون دافعاً للشعب الفلسطيني للتمسك بمنجزاته التاريخية والنضالية وأن يقف سدًا منيعاً للحيلولة دون إكمال مشروع فصل غزة عن الوطن، أو خلق كيانٍ مستقل تحت أي مسمى كان، وبات مطلوباً الآن وعلى الدوام استنهاض الحالة الوطنية وتعزيز الوعي الجمعي لدى الكلِّ الفلسطيني، وتحرك كلّ الأحرار لانهاء هذا المشهد المتردي والذي كان دافعاً ومبرراً لأنْ يتركنا الآخرين. 

ما زالت لدينا الفرصة خاصة في ظلّ تعاطف شعوب ومؤسسات دولية مع الفلسطيني خاصة وتعاظم الانتهاكات وحالات القتل الإسرائيلية اليومية بحقِّ الفلسطينيين، خاصة مع تزايد الحراك الشعبي والدبلوماسي الفلسطيني وأداء متقدم تجاه فضح جرائم الاحتلال والأبارتهايد. 

بكلِّ الأحوال لا يجوز ترك السّاحات الدولية ومؤسسات المجتمع الدّولي والانشغال ببعضنا أكثر من ذلك، ولتكن هنالك حملات ومبادرات شعبية لإنهاء هذه الحالة المزرية خاصة وأن الاستفراد الإسرائيلي بالضفة والقدس وسرقة آلاف الدونمات وانشاء مستوطنات جديدة بالضفة وسرقة المياه والمال حتى جثامين الشهداء بات واضحًا، وأنّه معيب حقًا ترك كلّ هذه القضايا الخطيرة والحساسة، ونسير باتجاه تسهيلات اقتصادية مرهونة بتنازلات سياسية ووطنية.