بوتين يحدد استراتيجيته

بي دي ان |

02 ابريل 2023 الساعة 01:53ص

الكاتب
عادة تلجأ الدول والتحالفات متعددة المستويات والأحزاب في المحطات السياسية لمراجعة خططها وبرامجها بشكل دوري، وتجري مكاشفة مع الذات أولا والاقليم ثانيا والعالم ثالثا بهدف استخلاص الدروس والعبر، ووضع رؤى برنامجية تتوافق مع التحولات واستشرافات المستقبل ووفق الطموحات والاهداف الاستراتيجية لهذه الولة او ذاك التحالف.
ولا اعتقد ان هناك دولة او حزبا او ائتلافا لا يراجع تجربته ومسيرته الماضية، وقراءة استخلاصاتها، ومن يتهرب من تلك المراجعة اما ان يكون هاربا من المكاشفة، او يتستر على الذات والعيوب، او لا يقوى على اتخاذ القرارات الناجمة عن القراءة الموضوعية المسؤولة لها. ولكن القيادة المؤهلة والشجاعة والامينة على المصالح الخاصة والعامة واهداف الشعب لا تخشى ذلك، وتقدم على خطواتها باقتدار وكفاءة.
ومن الصنف الأخير يمكن ادراج الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين في صفوفه، الذي صادق يوم الجمعة الماضي الموافق 31 اذار / مارس الماضي على الرؤية السياسية الاستراتيجية للدولة الروسية وحكوماتها في المرحلة الراهنة والمستقبلية المنظورة والوسيطة، وحدد مرتكزات السياسية الروسية تجاه العالم في ظل التحولات الدراماتيكية التي تجري، وحملت في طياتها إعادة نظر في الاستراتيجية الروسية تجاه الأقطاب والدول، ومحاكاة التحولات بأفق المستقبل، لا برؤية الماضي، والمراوحة في دهاليزه.
ومن ابرز ملامح استراتيجية الدب الروسي، التي حملتها الوثيقة البرنامجية، أولا تعتبر ان الولايات المتحدة الأميركية المحرك الرئيس، والمصدر الأساس للسياسة المعادية لروسيا الاتحادية، وأكبر تهديد يواجه العالم وتطور البشرية. ثانيا تعزيز أواصر الصداقة والتعاون والشراكة والتكامل بشكل كبير وواسع مع مراكز القوى العالمية الصديقة ممثلة بالصين والهند وغيرها من دول البريكس؛ ثالثا تؤكد الوثيقة على رؤيتها الاستراتيجية في القرن الحادي والعشرين بتحويل اوراسيا الى إقليم يعمه السلام والاستقرار والازدهار والتكامل بين مكوناته؛ رابعا وبحكم تعريف روسيا نفسها، بانها معقل ومركز العالم الروسي، ومهد إحدى الحضارات الاصلية، التي تحافظ على التوازن العالمي، تعمل على تعزيز التكامل بين الحضارات الإنسانية، وفي ذات الوقت، تحارب "الروسوفوبيا" (رهاب الروس) في مختلف المجالات، وتعتبر ذلك من أولويات السياسة الإنسانية الروسية في الخارج؛ خامسا تعارض روسيا الاتحادية سياسة خطوط التقسيم في منطقة آسيا والمحيط الهادي، التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفائها، وتعمل مع شركائها الامميين على إعادة نظر بما يتوافق وخارطة النظام الدولي الجديد؛ سادسا واحدة من ركائز السياسة الروسية، القضاء الحاسم على "اساسيات الهيمنة" الأميركية والدول غير الصديقة في الشؤون الدولية؛ سابعا تعمل روسيا مع حلفائها الدوليين على تشكيل نظام عالمي جديد يوفر الامن الحقيقي، والموثوق، والقائم على تكافؤ الفرص بالنسبة لجميع الدول والشعوب؛ ثامنا تعمل روسيا بجد ومسؤولية وبالتكامل مع الشركاء الامميين على تحقيق الأمن المتساوي لجميع الدول على أساس مبدأ المعاملة بالمثل؛ تاسعا ستقوم روسيا بالتحقيق في التطوير المفترض للأسلحة البيولوجية والسمُية؛ عاشرا ستستخدم روسيا الجيش والأسلحة المختلفة لصد ومنع أي هجوم مسلح ضد أراضيها، او ضد أي من حلفائها. حسب وكالة تاس الروسية.
هذه الرؤية الاستراتيجية تتسم بالطابع الهجومي الواضح والصريح تجاه الولايات المتحدة وحلفائها في الغرب الرأسمالي المعادي لروسيا الاتحادية وشركائها، واكد الزعيم الروسي بوتين عمليا، ان العالم والحضارة الإنسانية لا تحتمل سيطرة ونفوذ قطب واحد ارتباطا بالتطور العاصف للعالم وللعديد من الأقطاب الدولية نتاج تغير موازين القوى، فإن العالم لا يستقيم الا على قاعدة ارتكاز أساسية، عنوانها "التعددية القطبية"، والامن الجماعي القائم على الندية والمساواة بين الدول. اضف الى ان روسيا اكدت، وقوفها الى جانب حلفائها، ولن تسمح للولايات المتحدة واضرابها الاستفراد باي دولة صديقة، وهذا الامر ينطبق على الدول العربية عموما وسوريا خصوصا، التي تستبيح اميركا وادواتها أراضيها، وكذلك علاقاتها مع الصين الشعبية والهند والدول الحليفة الأخرى.
هذه الرؤية الاستراتيجية غابت عن المشهد مع انهيار الاتحاد السوفييتي مطلع تسعينيات القرن الماضي، أي مضى عليها خمسة وثلاثين عاما تقريبا، مع تطوير وتجديد، رفض الهيمنة الأميركية في أي بقعة او ملف من العالم، وتأكيد الدب الروسي بعدم التردد في استخدام أسلحته التكتيكية الدفاعية والاستراتيجية وفق اللحظة وطبيعة الحرب التي يفرضها هذا العدو او ذاك.
والرؤية البرنامجية تعتبر إيذانا فعليا وعمليا، بأن العالم احادي القطب ولى، ولم تعد المعطيات والتحولات الدراماتيكية العالمية تحتمل تسيد الولايات المتحدة، انتهى عصر راعي البقر، وحل عصر جديد بدأ في الظهور والتشكل، رغما عن اميركا والغرب عموما.
[email protected]
[email protected]