الاغتيال المعنوي على السوشال ميديا

بي دي ان |

14 يناير 2021 الساعة 07:58م


إن من أعظم الرزايا التي برزت اليوم في ظل التكنولوجيا الحديثة، وفي ظل مواقع التواصل الاجتماعي هو استعماله بغرض الاغتيال المعنوي الذي هو أشد فتكاً، وأقسى وأكثر مراراً من الاغتيال الجسدي..

فقد يمتد الأثر النفسي لهذا الاغتيال إلى عوائل بأكملها، وصولاً إلى المجتمع بأسره، حين يفقد المجتمع ثقته بالخير، ويبرز الشر الكامن سيداً على كل التفاصيل، على الرغم أن الخير هو الأصل، والشر استثناء

لذلك عالج القرآن الكريم ووقف حاسماً وحازماً في إرساء قواعد الأمن والأمان الاجتماعي، ففي قضية أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حينما تجرأ بعض المنافقين من محاولة النيل من عرضها وشرفها، ومحاولة الاغتيال المعنوي لرسول الله صلى الله عليه وآله، وبما شكلت هذه الحادثة من علامة فارقة في التاريخ النبوي، استدعت تدخلاً، ومعالجةً إلهية من خلال نزول الوحي، وقرآنا يتلى إلى قيام الساعة..

وقد تمثلت المعالجة الإلهية في ركيزتين أساسيتين/

الركيزة الأولى: الموقف الإلهي من مثيري الفتنة..

فقال تعالى:  إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَـمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَـمُونَ.

توعد الله لكل من يثير الفتن العذاب الأليم في الدنيا والآخرة، لأن الحفاظ على طهارة المجتمع، ونقائه هو هدف أسمى، وهذا لا يعني أنه لا يوجد انحراف داخل أي مجتمع، ولكن لا تكون المعالجة بإشاعة الفتنة وترويجها، فيظهر المجتمع وكأنه مجتمع سوء، وهذا مخالف للحقيقة والواقع، فحجم الخير أعظم وأكبر..

الركيزة الثانية: الموقف المجتمعي من الإشاعات..

لقد عالج القرآن الكريم آليات المواجهة بثلاث نقاط واضحة/

الأولى: الظن الحسن
لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْـمُؤْمِنُونَ وَالْـمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ.

أن يكون الموقف المبدئي هو الظن الحسن، وهذا يرتبط بالقاعدة القانونية الثابتة: *المتهم بريء حتى تثبت إدانته.*

الثانية: المطالبة بالأدلة والبراهين الدامغة.
لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَـمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ.

فقد حدد القرآن عدد الشهداء، وبينت السنة النبوية التفاصيل الدقيقة في صحة الشهادة، فلا تؤخذ الأمور على عواهنها...وعلى الشاهد أن يتحمل عواقب شهادته.

النقطة الثالثة: منع ووقف تداول الإشاعة.

فقد وقف القرآن الكريم سداً منيعاً أمام تناول الإشاعات بين العامة، ومخاطرها عليهم في الدنيا والآخرة، فقال تعالى:  إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْـمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ.

ومن اللافت أن القرآن أشار أن حالة التلقي للإشاعات بالألسنة، والأصل أن يكون بالأذن لا باللسان، إشارة أن استقبال الإشاعات يكون فاقداً للتأمل والتمعن والتدبر، ويتم نقله باللسان بكل عواهنه وعلاته..

والجانب الآخر عظم وخطورة تناول هذه المواضيع في عالم الآخرة، تحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم.

والجزء الثاني في المعالجة يقول تعالى: وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ.

يجب وقف التكلم والحديث عن أعراض الناس وأعراض المؤمنين.

*ختام القول.نحن أمام مشكلة كبرى من إفرازات السوشيال ميديا، ووسائل التواصل الاجتماعي، وما نراه من استغلال هذه التكنولوجيا في سياسة الاغتيال المعنوي للأفراد، والجماعات والكيانات..*

وهنا ليس دفاعاً عن الشر والظلم، ولكن يجب ألا يغيب عن أذهاننا جميعاً أن المعالجات يجب أن تتم عبر جهات الاختصاص، حفاظا على النسيج الاجتماعي، وحفاظاً على عوائلنا..

نعم.. هناك مشكلات ومخالفات، فلسنا في مجتمع ملائكي، وهذا لا يعطي الحق لأحد أياً كان اسمه وعنوانه أن ينشر الرذيلة، ويستخدم أسلوب الاغتيال المعنوي لما في ذلك من مخاطر وآثار سلبية كبرى على المجتمع بأسره.