قلة المعروض فعلاً !

بي دي ان |

15 فبراير 2023 الساعة 06:40ص

الكاتب
- "وفي التوحيد للهمم اتحاد.. ولن تبنوا العلا متفرقينا ألم يبعث لأمتكم نبي .. يوحدكم على نهج الوئام." واستطرد: علم الله أن فيكم ضعفاً؛ حق يا أستاذنا.. هذه بضاعتنا ردت إلينا، فسأله صديق من الذين يحلمون بسوق الخبز، واختلطت عندهم الرغبة بالأماني، عن إنهاء  ملف الانقسام، قائلا: ما هو تصورك لتصفية هذا الملف؟ وأي مستقبل لمخطط الانقسام والخراب الصهيوني؟! وعن المشهد السياسي في ظل هذه التطورات، وما يمكن أن يكون عليه مستقبلا؟

فقد اتفق أغلب المتابعين والفاعلين على إننا بين مشهد غامض تعيش فيه سلطتين أخطر مراحل الارتباك، ومعارضة غائبة عن أرض الواقع، مقسومة، وبين منقلب مرتبك لا يدري أين يتحرّك وماذا يفعل؟ وهو ما ينذر باستمرار وقوع القضية في منزلق خطير يذكرنا بممارسات الدكتاتورية الحزبية وهي مرفوضة ومخيفة وتنذر بالخطر، ولا أحد يعرف كيف ستكون ردة فعل الشعب الغاضب على الجميع عند حدوثها والتي يرون أنها وشيكة؟.

- الأستاذ وجد نفسه في حالة هدوء، فقال : لا أعرف؟!. بالدهش والتأمل توقَّفَ كالمتردِّد. قلنا : كيف لا تعرف؟! حينها تذكر رد الأستاذ نجيب محفوظ عن سؤال: ما هو تصورك لمستقبل مصر؟فقال ساخرا: " فِكْرَك أنا عارف وساكت !!". ثم خطر بباله الحكمة القائلة: إن على المرء أن يصمت عندما لا يعلم، أو يعلم أكثر من اللازم. ثم استطرد: الشعب لم يَقُل كلمتَه بعد، وإني لَمُنتظِره.!  و نأمل أن يقول  شيء واضح ومفهوم؟!.فالناس أعطت لهما ظهورها؛ جزاء وفاقاً، ولم تقبل تقربهما! ولا أحد يعرف كيف تكون ردة فعل الشعب الغاضب على الجميع عند حدوثها والتي نراها وشيكة.

- قال صاحبه : الذي استقال هو الشعب..!! بصراحة الكل خارج الخدمة، ولا يستطع أحد تصفية هذا الملف.!! وهذا مؤشر خطير يدل على التيه العام الذي ينذر بالخطر؛ لمصلحة من تغييب الوحدة الوطنية الحقيقية؟! ومعها الكفاءات السياسية و العلمية والفكرية النزيهة عمداً، حتى صار حالنا كما ترون؟! من هم أعداء القضية الحقيقيون؟! أظنها أسئلة مهمة جدا وبحاجة إلى إجابات؟! ولا أعتقد أن سدنة الانقسام الآن يمتلكون الحل !! 

- سمة المشهد العام أنه في حالة ضياع وتيه، ولا توجد أي حلول واضحة لا سياسية و لا اقتصاديا ولا اجتماعيا. ولا يحزنون، فضلاً عن هذا فإن المستفيدين منه هم مجموعة من الموظفين، لا السياسيين، ولأن وجودهم في الأساس في هذه الدائرة الحزبية المغلقة، هو بسبب عدم الكفاءة السياسية، ويخشون من توافر البدائل لهم، فيصبح وجودهم، على رأي المثل "يشبه الترمس الني، الذي حضوره يشبه غيابه"،!

- إِذْ لا بُدَّ من أن يعيش الشعب وقضيته الشريفة العادلة في حالة انقسام مستمرة ومعارك داخلية لا تتوقف، حتى وإن كان المقابل رأس القضية، من أجل الحزب، وصناعة زعامات من الهواء!! وهناك مقولة قاسية لكن حقيقية: "كل جماعة تفرز قيادتها". ويقول أهل العلم إذا رأيتم الأفعال الصغيرة تسيطر، والكبيرة تنكمش فصلوا صلاة مودع!. لا حول ولا قوة إلا بالله. 

- وكأنه لم يَعُد يحمل همٍّا جلس في نقطة الالتقاء الحقيقية وهو يشحذ همَّته لملاقاة المتاعب وتحدِّي المصاعب؛ اختنق المكان بالأنفاس ودخان النرجيلة، والسجائر، تراءى له وجهه في أكثر من مرآة، وتتابَعَت على بصره وجوهُ الرجال كما تتابَعَت امامه أمواجُ البحر تُلاطِم شاطئ المقهى، فلم يَعُد في المكان مقعد واحد خاليًا إلا مقعده. جلس في نفس المكان، نفس المائدة والمقعد هو هو. حيث الرمال الساكنة بانتظار تُلاطِم الأمواج المرتفعة، وبإحساس مُتغلغِل في كل خلية من خلايا جسده وروحه، بالسرور والحزن. فلكل شخص مقهى مفضل.

- فيه الأحاديث التي لا تنتهي والمناقَشات الحامية التي تدور معه وحوله، والضحك بروح مُطمئنة حتى مطلع الفجر. وقلبه يفيض بالحب للناس والأشياء، للبحر والكتب.. القلم الرصاص والأوراق البيضاء تعكس أخر ضوء مرئي من طيف شمس الشتاء الكاذبة،على دوارق عصير الليمون وأكوب الشاي الساخن، وفناجين القهوة وأصص أزهار الشتاء؛ حيث المكان المفضل .. إنه يعرفه من قديم، ويَذكر نشاطَه مُنذْ كان يَكتب الدراسات القيِّمة للصحافة، والمقالات في الجرائد والمجلات

قالوا : لماذا المقهى السياسي. يا أستاذنا؟ وأخبرهم أنه يكتب، وأنه لا أحد هنا يقرأ، بسبب العجز السياسي العام، فلما حدث ما توقعه، دله القهر والفكر والخيال إلى مقهي الشاطئ السياسي. فهو الذي وضع تعبير المقهى السياسي، فلماذا لا يقيم مقهى على الشاطئ وأن يختار له الحضور، ويتركهم يتكلمون في السياسة والأدب، الفكر والفن، في منتهى الحرية؟ ولكن ما هذا الذى يكتبه؟ هل هو مقال أو رواية، قصة، ام مسرحية؟ هل هو قلم رصاص سياسي يطلق الرأي على ألسنة شخصيات مجهولة بدل أن يطلقه في الجلسات خاصة؟ لا ندرى.. كل ما نعرفه أنه يكتب كلاما، أو ما يسمي في عالم الثقافة والأدب حوارا ، فعندما يكتب فإنه لا يستطيع أن يتقيد بحدود.

- قال صاحبه : يا له من مصيرٍ أسود! كيف حدَثَ ذلك واستمر؟ المسألة إذاً في هذه الحدود الخطرة الضيقة، فلا انفراجه قادمة، ولا سَّدَنَةُ الانقلاب سوف يغيروا ، ولا الحداية تلقي كتاكيتاً.!!، نظر في وجه صاحبه  ليمتحن أثر كلمته، ولكنه رآه محافظًا على هدوئه، فقال: ليس على النار هدى! خطة الهدم الحر من الداخل، وما تكشف عنه في نهاية النفق المظلم، وهناك ما هو أخطر من ذلك كله، و يَتعذَّر تحليله، و في نفس الوقت لا سبيل.. للأسف لتنبيههم إلى مَغْزاه؟!.

- فقال له: لن يقبلوا نصيحة من خارجهم، فكل المواقف لا قيمة له عندهم، ما دام الموقف ينطلق من التسليم للواقع، وللحزب تسليماً كاملاً، فالحزب أهم من الشعب، والمصالح الخاصة أهم من القضية..!! كأنهم جزء من الشرِّ الذي نحارِبه! أجل، هذا حق. وعليه فإن ما يحدث هنا، من ممارسات تهدف الى تنحية التعددية والانفراد بالقرار السياسي فى ظل غياب متعمد وكامل لقواعد الديمقراطية الصحيحة؛ والاعتماد على أصحاب  الولاء والمقربين على حساب أصحاب العلم والخبرة والتخصص. إضافة إلى غياب الشفافية والرؤى الاستراتيجية.

- شرب القهوة في تمهُّل وعجب، وسرى الدِّفْء في أطرافه، وقد ولى الضجر، وانتعشت روحه، فوثَب فائض النشاط ينشد مُتنفَّسًا في الحوار. و يستقبل الحياةَ في معاناة و تفكير، و أفكار من شأنها أن تُشقِي صاحبَها، وأن يَشْقى بها،  فالمشكلاتٍ لا حصْرَ لها. و لم يتجاهلها محافَظةً على راحة باله؛ فقد اعتاد الإصغاء إلى كلمات الشاكين. غير مستهين بتعاسة شعب يريد أن  يلملم أشلاءه المبعثرة.

تنهَّد الرجل، فقال: بصراحة ..الكل خارج الخدمة، ولا يستطع أحد تصفية هذا الملف، و اعتقد انه، ليس الانقسام أو الانفصال فحسب، بل نكبة من أكبر مآسي العالَم المفزعة، فقال له: لو شاركتَ العالم في عذابات ونكبات شعبك لَمتَّ كمدًا؛ وثمةَ شيءٌ غامض في الجو كالنذير.. سرٌّ سينجلي عن قريب. ثم يكتشفون أنهم كانوا ضحية أفراد في الداخل والخارج،  تلاعبوا بهم وهم لا يملكون من أمر أنفسهم شيئا!!، وقد يرق هذا الحال لهم، لكن بعد أن يكونوا قد انتهوا تماماً.

- وعلى نحو كاشف.. أنها ترتيبات معدة سلفاً. ثم استطرد قائلا: أنها تعمل بانسجام شيطاني مع بعضها البعض، قوةً لا تُحَد، وطاقةً لا تفنى، وقدرةً على تحقيق أي شيء بثقةٍ وإتقان وفوز على الشعوب المضطهدة المنقسمة، ولكنَّ هذا لا يكفي. فيبلغ عسر التركيب الملفَّق ذُروتَه، بل إعجازه، فكيف يَتبيَّن بعد ذلك أنها خطة متدرجة للخراب الدائم؟! أَلَا يدعو ذلك للدهشة والتأمل؟! لنفكر في محاوَلة الفهم، حيث لا الماضي يفسِّرها، ولا الحاضر يبرِّرها. ومن المرجح أن المستقبل لن يتكمن من كشف غموضها..!! مصاعبَ حقيقية نادرة، فمن أين وكيف جاءت، و متى تبقى؟ إنها حالٌ لا تدوم؛ لأنها. لا يُمكِن أن تدوم.