من جديد.. جنين تضع العالم أمام اختبار العدالة

بي دي ان |

27 يناير 2023 الساعة 05:10م

د. رانية اللوح
كعادتها جنين ذاتها المدينة التي تصدت بكل قوتها وعنفوانها وكبريائها في معركة "السور الواقي" منذ أكثر من عشرين عاما، جنين التي ما صمتت يومًا، بل تعطي مساحة ومتسع من الوقت لهواة  الحسابات، ليحصوا عدد صولاتها وجولاتها ورمياتها دون كلل أو ملل. 

استمرارا لمسيرة العطاء والفداء قدمت جنين أمس عشر شهداء وعشرات الجرحى، لتسجل رقما قياسيًا بعدد الشهداء في يوم واحد منذ أكثر من عقدين. 

ما زال الكثير يتساءل ماذا ترضع النساء أطفالها في جنين ؟ 

جنين أم المدائن تختبر العالم بأكمله، رغم معرفتنا المسبقة والمتوقعة مهما نزفت دماء وزهقت أرواح لن يتجرأ هذا العالم المنحاز إلى اتخاذ موقف يتسم بالموضوعية والعدالة، فبيانات الشجب والاستنكار تلك المهارة التي يتقنها أشقاءنا العرب منذ عشرات السنوات دون زيادة أو نقصان.
 
الموقف الأمريكي جاء منسجما مع غطرسة الاحتلال ووحشيته، جاء ذلك على لسان مساعدة وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الأوسط "باربرا ليف":" إن الولايات المتحدة تعارض التحرك الفلسطيني لتعليق التنسيق الأمني مع إسرائيل "، حيث أقدمت السلطة الفلسطينية على تعليق التنسيق الأمني بينها وبين الاحتلال الإسرائيلي في خطوة هامة وإيجابية رغم تأخرها كثيرا، نظرا لحصيلة الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل على مدار سنوات طويلة بعد توقيع اتفاق أوسلو ، في خطوة لاقت ترحيب فلسطيني كبير.
 
لقد مر الشعب الفلسطيني بمواجهات ومعارك ضارية مع جيش الحرب خسر خلالها أرواحا بشرية ودماء كثيرة، دون اتخاذ إجراءات حاسمة بحق العدو أو حتى تغيير استراتيجية المواجهة، بالتالي لقد آن الأوان لمنظمة التحرير الفلسطينية بمختلف فصائلها، اتخاذ مواقف مغايرة  مع التنفيد، فقد شهدت اجتماعات ولقاءات فلسطينية كثيرة من أجل اتخاذ مواقفة صارمة تجاه العدو سابقًا ومع ذلك لم يتم تنفيذ أي منها، بالتالي فلا قيمة ولا جدوى لأي موقف يتم اتخاذه دون التطبيق الجاد، فعلى إسرائيل أن تدرك أنه ليس بمقدورها ارتكاب جرائما بلا حدود وبلا أثمان تدفع ، كما أنه يجب على منافقي إسرائيل الخوف والقلق عليها وعلى أمنها الذي يحسب له ألف حساب لديهم، بالتالي يجب أيضًا أن يحسب حسابات جدية للخطوات الفلسطينية تجاه هذا الاستعمار الاحلالي الفاشي.

أربعة حروب وأكثر، آلاف الشهداء لم تنه الانقسام الفلسطيني، هل سننتظر مزيدا من الدماء والضحايا لنفكر بجدية بانهاء هذا الانقسام السرطاني الذي يستفيد منه الاحتلال وحده ، مع العلم أن الشعب الفلسطيني بات يدرك تفاصيل وحقائق كثيرة سيتم مواجهتها في لحظة ما.
 
مع إدراكنا الجيد لمحدودية ردود  الأفعال العربية والدولية تجاه مجزرة جنين ،"والتاريخ مليء بالخذلان" بات مطلوبًا فلسطينيا ما تم النداء به آلاف المرات ،وحدة الصف الوطني ووضع استراتيجية جامعة، قادرة على لجم الاحتلال وكبح جماح غطرسته، وحماية الشعب الفلسطيني، فحماية وكرامة الشعب الفلسطيني مطلوب من جميع الفصائل الفلسطينية التي تدعي قيادة الشعب الفلسطيني، فلم يعد مسموحا سقوط هذا الكم من الضحايا والدماء دون اتخاذ مواقف وإجراءات تحفظ حياة وكرامة المواطن الفلسطيني ، ومن يجد أن حماية الشعب عبئا عليه فليتنح جانبا .والشعب لا يطلب من أحد أن يتزعمه ، فالشعب هو صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة. 

ومهم التنويه هنا، أنه مقابل وقف التنسيق الأمني بالضفة، مطلوب قطع العلاقات والتفاهمات المباشرة وغير المباشرة بين غزة وإسرائيل. 

دعوة الرئيس لحوار وطني شامل خطوة مهمة وضرورية، بمشاركة الفصائل ليقف كل تجاه مسؤوليته الوطنية والأخلاقية، فنحن اليوم أمام حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة قد تكون مجزرة جنين هي أولى الجرائم في برنامجها الفاشي، وإن لم يكن الجميع على قدر المسؤولية فإن الجرائم وعدد الضحايا ستكون مضاعفة، والأقصى وأراضينا وكل ما له علاقة بالهوية الفلسطينية سيكون في دائرة الاستهداف. 

وبناء عليه سيكون الشعب الفلسطيني بانتظار مخرجات لقاءات واجتماعات كثيرة ستدار في الأروقة.