خطيئة حرق القرآن

بي دي ان |

23 يناير 2023 الساعة 11:55م

عمر حلمي الغول
الديمقراطية ليست كلمة او مفهوما عائما في الهواء الطلق دون ضوابط ومعايير محددة، وحدودها تقف عندما تتعارض مع حرية وكرامة الاخرين، الديمقراطية تؤكد وتقف الى جانب حرية الرأي والرأي الآخر والتعبير وتنظيم الانتخابات الدورية في كافة المؤسسات وعلى مستوى البلاد، وتشكيل الأحزاب والنقابات والاتحادات الشعبية، وتنظيم المظاهرات والاعتصامات والاضرابات دفاعا عن مصالح الشعب والنقابات في مجالات اختصاصها، وتحترم مختلف الأديان والمعتقدات والرؤى الفكرية الفلسفية الوضعية، وتتبنى خيار المواطنة والمساواة بين أبناء الشعب، وتعمل على ترسيخ التسامح والتكافل بين المواطنين جميعا بغض النظر عن اية فروق عرقية او دينية او فكرية او جنسية، وترفض التمييز بين الانسان والانسان على أساس اللون او المكانة الاجتماعية .. الخ
لكن هذه الديمقراطية لا تؤمن، ولا تساند مطلق انسان حاول، او يحاول الإساءة لهذا الدين او المعتقد او ذاك، لان مثل هذا التوجه لا يندرج تحت مفهوم الديمقراطية، لا بل يتناقض معه جملة وتفصيلا. نعم من حق الانسان ان يحب او يكره، يؤيد اتباع هذا الدين او المعتقد، او لا يؤيد. لكن التعدي على مقدسات ومعابد ومرجعيات اتباع الديانات السماوية او الوضعية مخالف لابسط معايير الديمقراطية. ويخطىء من يدعم او يؤيد هكذا فعل اجرامي. لانه يعمل على تأجيج الصراع والتناقضات داخل حدود المجتمع المعني، حتى يتجاوز ذلك، كونه يصبح عابر للقارات حين تكون الجريمة تمس كل اتباع الأديان السماوية او الوضعية.
وما حدث في السويد يوم السبت الماضي الموافق 21 يناير الحالي بقيام اليميني المتطرف السويدي الدنمركي، راسموس بالودان بحرق نسخة من القرآن الكريم على مرآى من قطاع من المؤيدين ووسائل الاعلام وامام الشرطة للاحتجاج على موقف تركيا من انضمام السويد لحلف الناتو، كان جرما مشهودا، وفعلا مسيئا، ومس بمشاعر المسلمين جميعا، ولم ينحصر في الشعب التركي، وهو خطيئة فادحة. وهناك فرق شاسع بين حق التظاهر والتعبير عن الرأي في المسألة السياسية، وبين حرق المصحف الكريم، الحق الأول مشروع، ولكن حرق القرآن مرفوض، وغير مشروع، ولا يمت بصلة للديمقراطية. لان فيه اعتداء صارخ على مشاعر اتباع الديانة الإسلامية داخل السويد وخارجها، وأيضا اسهم في تأجيج المشاعر العدائية، وكشف عن نزعة الكراهية والعنصرية البغيضة، التي يمثلها بالودان واضرابه من انصار اليمين المتطرف.
وما كان يفترض بالقيادة السويدية وجهاز الشرطة السماح بتلك الجريمة، العكس صحيح، كان مطلوبا الحؤول دون حرق المصحف الشريف، مع السماح بالمظاهرة، ورفع شعاراتها ومواقف منظميها. وعلى اهمية استنكار رئيس الوزراء السويدي المحافظ، اولف كريسترسون اول امس الاحد الموافق 22 يناير لعملية حرق المصحف الشريف، الا ان الضرورة كانت تملي عليه، وعلى حكومته منع حرق احد اهم المقدسات الإسلامية. وبالتالي ما عبر عنه  ب"التعاطف" مع المسلمين ليس كافيا، والذي جاء بعدما لمس ردود الفعل في أوساط شعوب العالم الإسلامي، وكتب في تغريدة على تويتر أن "حرية التعبير هي جزء أساسي من الديمقراطية. لكن ما هو قانوني ليس بالضرورة ان يكون مناسبا." كما أضاف أن "حرق كتب مقدسة يعتبر بالنسبة للكثيرين عملا غير محترم للغاية." واعتقد ان رئيس الوزراء جانب الصواب في بعض الجوانب المتعلقة بالمسألة الديمقراطية، لان حرق القرآن ليس قانونيا، ويمس بالسلم الأهلي السويدي، لانه أَصل للكراهية والتطرف والعنصرية. كما انه لم يميز بين حق التظاهر القانوني، وبين المس بمشاعر اتباع الديانة الإسلامية.
ومن تداعيات عملية الحرق المرفوضة والمشينة، انها دعت وزير الدفاع السويدي الى تأجيل زيارته المقررة لتركيا الأسبوع المقبل، وهو ما أثر سلبا على الحوار المفتوح بين البلدين والنظامين السياسيين لتجسير التباينات بينهما. وبالضرورة تركت عملية الحرق للكتاب المقدس اثارا سلبية، مع ان القيادة السويدية كانت تعمل على ردهم هوة التناقض بين القيادتين التركية والسويدية.
إذا حرق القرآن الكريم، او أي كتاب مقدس، او أي اعتداء على معابد المؤمنين من شعوب الأرض مرفوضة رفضا كاملا كونها تمس بمقدسات ملايين ومليارات من بني البشر، ولا تعتبر باي مقياس من المقاييس شجاعة، انما تندرج في دائرة التفاهة والانحطاط والسقوط اللا أخلاقي والقيمي. وبالتالي لا يكفي تعاطف رئيس الوزراء اليميني، انما عليه الاعتذار لاتباع الديانة الإسلامية. والعمل على محاكمة من حرق القرآن الكريم.
[email protected]
[email protected]