مقهى . شاطئ . سياسي

بي دي ان |

22 يناير 2023 الساعة 11:15م

محمد أحمد سالم
- عنوانه شاطئ البحر .. المقهى السياسي، أهلًا .. رُب صُدفة خير من ميعاد.. شيد العم عشم لنفسه مكانة في قلوب كل من عرفه، القاص والصحفي والكاتب والانسان.. طيبته وحكمته، أعجب لطبيعة الشخص التي قد تظلُّ خافية في الظروف العادية، أي مفكر هو أي.. مثقف؟ الوجه ها هو .. الابتسامة ها هي.. هل سمعت آخر نكتة؟ سرعان ما جاء بابتسامة المراوغة وجلس إلى جانبي، كيف حالك يا عم عشم؟. نحمده يا ابني. كيف حال الشعب؟ ربنا يلطف به. والأبناء؟ هاجروا، لم يبقَ إلا المسكين. ويضحك ثم بدوره يسألني: ما آخر أخبار موالسة الدجل والانقسام. والحوارٌ العقيم؟ قلت: نحن  المحرومون بوسط سيرك من اللصوص، كل الشعب مُهدَّدٌ اليوم ، بجانب الانقسام و الحصار والاحتلال والقتل والعدوان، تيبست شجرة الزيتون في خرابة الانقسام. بين سلطتين واحتلال فاشي، إلى جوار أشجار الحوار المحترقة.!

- لقد بدا الكلام ماسخاً، والموضوع فاقداً لجاذبيته، بعد تلطيخ وجه الوحدة بمساحيق الزخرفة اللفظية، فالحوار ليس أكثر من "دوللي المستنسخة"، وقد فقدت بريق ظهورها، لأن القوم هدفهم استمرا هذا المخطط الشيطاني، ولم يكن مسموحا، في ظل آمال الكثيرين العريضة، بأي رأي يمكن أن يقلل من جرعة التفاؤل، حتى بدا من يدعو إلى الوحدة الوطنية الحقيقية، كما لو كان سيبعث يوم القيامة وقد كتب على جبينه: "آيس من رحمة الله"!

- فقال: الوحدة شعار ليس إلا كسائر الشعارات الجوفاء التي تنهال علينا من أفواه الموالسة والدجلين. و من يطلق في العطسة عشرة شعارات عقيمة، زمن شعارات مُقزِّز،  لم يعفَّ البعض عن ترديد الشعارات، وبين الشعار والحقيقة هوةٌ سقطنا فيها ضائعين، وغرقنا في دوَّامة الانقسام، وقل بعد ذلك أننا فقدنا الشهية نحو الأشياء، وما يترتب عليه من أثرٍ في سلوك الأحياء تفقد شهية الطموح فتزهد في المجد، تفقد أعمدة الوحدة، فتنشغل عن الاستقلال، وتفقد شهية القراءة فتشغل عن العلم، وتفقد شهية الأكل فتعزف عن الطعام.

- انه ما زال يحدِّق في اللغة نفسها بعقل ثاقبا، وكلمة واعية حفرت في وجدان البعض إحساسًا عميقًا بمشكلاتهم وقضاياهم؛ ليخرج أخيرًا بمثل هذه الملاحظة الفكرية الواعية في بلد يكاد الإجماع فيه أن يكون منعقداً على أنه يسير إلى المجهول، وما يزال مستمرًا بكل ما يترتب عليه من نتائج وخيمة عمادها الانقسام السياسي  الجغرافي، و الخراب العام! كل تلك الجذور الرهيبة التي استقرت في تربة نفسه، وتفرعت منها امتدا وجودها إلينا ، هي المسئولة عن كل جوانب وضعه الإنساني المتأزم. هارب من نفسه هنا وهناك! وعنوانه شاطئ البحر ..على المقهى السياسي.

- فما أكثر المواقف التي تواجهنا، ومن ورائهما مستوًى لا ينكَر من الفهم الناضج؛ ومن نافذة الحاضر يسمح لنا العم عشم، بأن نلقي نظرة ويقدم إلينا النموذج التطبيقي لمسرح العبث السياسي  وحاضر الطبقة   -شبه - السياسية، بكل ما فيها من تفاهةٍ وسطحية وفساد، داخل إطار من الشك المثير. شخصيات تستطيع أن تثرثر ..و من الطبيعي ألا تنطق  هذه الشخصيات التي ينقصها الحركة بلغة حياتنا اليومية. وكل دمية بشرية كانت تقف على مسرح الأحداث  وينبئ مظهرها الخارجي عن حقيقتها الداخلية، مثل هذه الدمية نمط عام.. وكل نمط من هذه الأنماط البشرية يمثل مجموعة متشابهة من الأحزاب.. للآسف.

- فما ضر العم عشم، أن انتابه ما ينتاب كل الشعب، بمن فيهم من يدورون في فلك الانقسام وسلطات الخراب. وجوداً وعدما ! فلا وجود لجسد  معارض أو مستقل وهو يرينا هذا الحاضر من وراء لمساتٍ تهكمية موجعة، نستخلصها من خطوط رسم الكلمات، وذكاء الملاحظة من خلال عدسة عشميه صميمة؛ لقد وقف يرقب المسرح السياسي.  ويتأمله ويلاحظ، ويفسر لنا. ومما يلفت النظر هنا وهناك، فقال: أنتم إذا شئت حزبٌ وهمي لا شعار له إلا القبول.و تنقضُّ شلَّالات من الحجارة، والسخط على موالسة الانقسام والخراب وعلى الهدوء. والتهدئة ! فيتكشَّف قناع  لعبة السلام والتسليم. والسلام  للحضور الكريم. أسمع وأهنأ بشيء من العزاء.

- وتُدوِّي خطبة  حماسية في مكانٍ قريب الخطاب كلام محاربا، والفعل إسماعيل ياسين؛ استغفر الله العظيم!. ضبطتُ انفعالاتي بقوة، انتظار فترة صمت اخرى، ومهلة للتفكير، معقول؟!، ويسود صمتٌ شامل ريثما تذهب الأكاذيب في الجو كالغبار بعد المحرقة.

- وطوق دمار .. قتل .. قتل .. جرائم و جرائم، إبادة وحشية، علل نفيسة للأطفال والكبار، جف حليب الام. خواتم  النار المشتعلة، خراب، ما ذنب الاطفال؟ يا للفظاعة. ألا توجد وسيلة إلا القتل؟ وما ذنب الاطفال مرة أخرى  يا حثالة الأرض؟ ورَّثتم  دمامة ودماء، و دمار  وحصار ، فلنعد إلى الكلام. إن أضجرك الكلام فمُدَّ البصر إلى البحر، راقبْ حركة الذاهبين والجائين، حركة بطيئة لا تتوقف ولا تنقطع، وُجوه مكفهرَّة ماذا وراءها؟ أعيُن تدور في فلك الحيرة؛ شعرت طيلة الوقت بجوٍّ محموم بالتساؤلات المكتومة. الرجال والنساء والأطفال، كلٌّ يحمل نكبته أو مهزلته. صمت القبور.

 - انتظار محرقة اخرى .. حكومة فاشية جديدة ، رءوس مجموعة من السفلة. والجنون والوحشية تشقُّ طريقها في بحر الدماء، حاملًة الخراب والفناء والحصار والجوع، في هذا العالم الحافل بالأذى. و. أيها الأحباب الذاهبون، ما أكثركم! فما فكَّرتم في الموت ولا جرى لكم المرض في حساب، فهذا يوم الجنود، اشهد يا رب ونشهد انهم  مثل أنبيائك وأوليائك الصالحين الشهداء والصديقين.

 - ومن كان ينزع نفسه من دفاء البرد ليُصلِّي الفجر حاضرًا، مع المُسبِّحين المُتطلِّعين إلى الأبدية في رحاب ذي العرش الكريم. نهر من السُّحب البيضاء يتدفَّق فوق الأقصى الشريف. والأشجار الباسقة دائمة الخُضرة. وفِتية القدر الذين تسلَّحوا بالإيمان والأحجار وخرجوا يتحدَّون، إني أشهد المعركة وأسمع أزيز الرَّصاص ووقع الأقدام الثقيلة المطاردة، والبطل الشهيد .. جميع قادتنا  شهداء؛ ما أكثركم أيها الراحلون الأعزاء، وما أجهل القبور اللامُبالية بأقداركم! ذكركم طاهرة عطرة، نندم. لم نُقرَّ بفضلهم حتى ورد الزمان علينا بأبطال النحس والفاقة والهزائم. لا حول ولا قوة إلا بالله. فقال ساخرًا: المصائب تقلُّ حدُّتها بالتكاثر، فتتكسَّر النِّصال على النِّصال. فصمتُّ قليلًا، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ. وللحديث بقية