غزة: "عنق الزجاجة".. مشروع لأيقونة حضارية من وسط هدم وأكوام حطام منازل المواطنين

بي دي ان |

20 يناير 2023 الساعة 04:59م

في مشهدٍ يُذكر بمخلفات الحروب، هدمت الجرافات منازل في مخيم الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزة، وحولتها إلى أكوامٍ من الحطام، وأجزاء متناثرة من الحجارةِ والأسمنت والحديد الذي أكله الصدأ، كثيرٌ من الذكريات دُفنت تحت ركام بيوت "عنق الزجاجة"، فتلك البيوت كانت تألف ساكنيها، وتحنّ إلى من بنى جدرانها، ونقش عليها ذكرياته وآيامه، لكنه أجبر على السماح بهدمها أمام عينيه.

بدأت وزارة الأشغال بغزة، أعمال إزالة عدد من البيوت والوحدات السكنية، في مشروع تطوير شارع الرشيد الساحلي "عنق الزجاجة"، حيث أتم عدد من المواطنين معاملاتهم القانونية قبل الشروع بإزالة منازلهم.

ويبدأ مخطط "عنق الزجاجة" عند مبنى التموين التابع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا"، جنوبي غرب المخيم، ويسير غربًا باتجاه نادي الشاطئ وصولًا إلى الجهة المقابلة لمسمكة أبو يونس، ويطال المنازل الواقعة في الجزء الغربي فقط، وذلك وفق خارطة المشروع.

عمليات الهدم هذه كانت من ضمن مخطّط لتطوير أيقونة حضارية تخص شارع الرشيد الساحلي "عنق الزجاجة" في مخيم الشاطئ للاجئين، ولتوسعة شارع البحر وتحسين حركة السير فيه وإنشاء كورنيش لمخيم الشاطئ يستفيد منه جميع أبناء المخيم.




لكن الحديث هنا يختلف.. فأصحاب المنازل التي تم ازالتها، ذكروا أن المشروع "يعود عليهم بالضرر الكبير"، والبعض اعتبر أن بيوتهم ومنشآتهم لا تعيق توسعة الشارع، أما الآخرين عز عليهم الرحيل عن منازلهم، التي توارثوها أباً عن جد، واعتبروا التخلي عنها بمثابة هجرة، أما جميعهم فيشكون من ضياع حقهم في التعويض العادل.

ومن جملة هؤلاء المتضررين، المواطن سمير العوضي، الذي عبر عن استيائه الشديد بقوله "نحن أكثر المتضررين من مشروع عنق الزجاجة، ومعنا عوائل كثيرة أبو سلطان، أبو سيف، عايش، قاعود، ونبهان، حيث أننا أصحاب الأرض والبناء ولسنا متعدين".



ولا يقف الأمر عند منزل المواطن العوضي، بل يشمل المواطن جمال الذي أكد أنه يعيش في شارع يسمى عنق الزجاجة وإذا كان هناك مشروع لتوسعة  هذا الشارع فلا مشكلة لديه بشرط أن يتم تعويضه بشكل عادل، وفقاً لتقييم البيوت بشكل دقيق وبالسعر الذي يناسبها.

أما المواطن أبو العبد طه "76 عاما" يضيف: "ليوسعوا الشارع لكن دون الإضرار بمصالحنا وممتلكاتنا، فالأمر بالنسبة لنا مرفوض جملة وتفصيلاً لأننا سنخسر مصادر رزقنا في المنطقة".

وفي ذات الوقت، تتابع الحاجة أم أحمد: "هل يعقل أن يُطرد الناس من بيوتهم بدون تعويض أو حتى تعويض لا يكفي ثمن شقة".

وتضيف: "يريدون تعويضنا بـ 200 دينار مقابل المتر المربع، بينما يصل سعر المتر المربع في المنطقة إلى 800 دينار".

صالة الهناء للأفراح، هي إحدى المنشآت المقرر إزالتها، يشير صاحبها عبد القادر الشريف، إلى أن صالته بعيدة عن الشارع 30 متراً، وأنه باستطاعة الحكومة عمل مشروعها بكل مكوناته التوسعية والسياحية دون الاقتراب من منشأته، لافتاً أن المشروع الحكومي سيخدم فئات معينة على حساب مصلحته وبيوت جيرانه، الذين سوف يتضررون بشكل كبير.

وتابع الشريف "نحن أصحاب ملكية رسمية، ولسنا على أراضٍ حكومية كما يدعون، وحتى يقوموا باقتلاعنا من ملكنا، مقابل تعويض لا يساوي قيمة وسعر الأرض الحقيقي".

وأوضح أن الحكومة عرضت تعويضا في سعر المتر 200 دينار في حين أن سعرها يساوي أضعاف ذلك، وقال بلغة عامية: "حيعطونا التعويض على دفعات تقسيط (..) إذا كان ولا بد يطلعونا، لازم يعطونا تعويض 100%، حتى نقدر نشتري أرض أو مكان مناسب نبني فيه مصدر رزقنا الوحيد اللي بنعيش منه"، حسب تعبيره.





وبدوره، قال م. ماجد صالح، رئيس لجنة مشروع عنق الزجاجة، إن "الأمور تسير بشكل إيجابي في إزالة كافة المعيقات والعقبات أمام البدء بتنفيذ المشروع؛ هذا المشروع الحيوي الذي سيربط شمال قطاع غزة بجنوبه امتداد شارع الرشيد الساحلي".

وأوضح، أن عمليات الإزالة تجري وفق آليات صحيحة، حيث تم التنسيق مع مقاولي الإزالة ومع المواطنين الذين أنهوا ملفاتهم القانونية لبدء استلام شيكاتهم المالية والبدء بالإزالة كما تم التواصل مع كافة الجهات المعينة المسؤولة لتهيئة الأمور والأجواء لتنفيذ هذا المشروع الحيوي الهام.

وبيّن أنّ "14 منزلًا ووحدة سكنية في المنطقة قدموا ملفاتهم القانونية وتعهدات الإزالة للوزارة".

وحول مبررات مشروع "عنق الزجاجة"، فقد بيَن صالح، أنه نتيجة للاختناق المروري الواضح في هذه المنطقة، تأتي المساعي لتطوير المنطقة وتوسعة الشارع لتسهيل مرور المركبات الواصلة بين شمال القطاع وجنوبه، حيث أن المشروع "وطني كبير" وتم طرحه عدة مرات، ومؤخراً تم إقراره للتنفيذ وفق رؤية حكومية شمولية اقتصادية وبكلفة مالية حوالي 3 مليون دولار.

وذكر أنه في بداية الأمر قاموا بحصر كافة المباني الموجودة وهي مكونة من 40 مبنى، منها 32 منزل سكني والباقي مؤسسات، ثلاثة منها تابعة للأونروا وهي مركز توزيع الشاطئ والمركز النسائي ومقر النظافة والبيئة، بالإضافة إلى نادي الشاطئ الرياضي وصالة الهناء، منوهاً أن عرض الشارع سيكون 27 متراً، فضلاً عن أنه سيتم عمل "كورنيش" لمخيم الشاطئ يستفيد منه جميع أبناء المخيم.

ولم يُغفل صالح في حديثه، اعتراضات بعض سكان المنطقة المتضررين من المشروع، مؤكداً أنهم استقبلوا هذه الاعتراضات وسجلوها، حيث أن المقبول منها يتم قياسه ومراجعته، ولكن هناك بعض الأمور ليس باستطاعتهم حلها على حساب انشاء المشروع.

وأكد أنه من خلال لجنة مختصة شكلتها لجنة متابعة العمل الحكومي بغزة، برئاسة وزارة الأشغال والاسكان وتضم وزارة الحكم المحلي والنقل والمواصلات وسلطة الأراضي وبلدية غزة واللجنة الشعبية للاجئين، قامت بعمل دراسة كاملة لتقديرات تعويضات المواطنين وفق ما تتبعه اللجان المختصة للإعمار التابعة وزارة الأشغال في تقديرات تعويض المواطنين الذين هدمت منازلهم بفعل الحروب.

ويعتبر صالح أن تقديراتهم المالية لتعويض المتضررين من المشروع "مقبولة قياساً مع النسبة السوقية الدارجة لأسعار العقارات في القطاع"، لافتاً إلى أن بعض هؤلاء المتضررين ما زالوا يعترضون، ولكن المحاولات جارية للتفاوض معهم وإقناعهم والاستماع لمظلمتهم، ولكن في أحيان أخرى نكون عاجزين عن الرد على مطالبهم باعتبارنا لجنة حكومية لنا سقف وتوصيات وقرارات نلتزم بها ونطبقها فقط، حسب تعبيره.

ولفت إلى أنه سبق للجنة أن نزلت للميدان أكثر من مرة وزارت أصحاب البيوت التي سيتم إزالتها كلٌ على حدة، كذلك تم استقبالهم في الوزارة، حيث تم شرح مبدأ التعويضات وقيمتها، بما يمكنهم من شراء منازل وشقق بديلة تناسبهم.

وأردف صالح أنه تم وضع جدول زمني للتعويض، حيث ستتم هذه العملية خلال ستة أشهر وتعويضهم بكامل المبالغ المالية المقررة لهم، لافتاً إلى أنه بالتزامن مع إخلاء المنازل سيتم إيداع مبلغ التعويض المالي لأصحابها، ويكون الصرف وفق جدول مالي على نحو التالي" 20% من المبلغ فور الانتهاء من الإخلاء، وبعد شهرين 30%، وبعد شهرين آخرين 25% وبعدها بشهرين أيضاً يستلموا الـ 25% الأخيرة".

وبدأت حكومة غزة في تنفيذ المشروع لأهميته وحيويته، مُستندة في ذلك إلى أن الأرض حكومية أصلاً ولا تريد السجال في هذا الأمر كثيراً مع السكان وستعوضهم، وفقاً للمعايير الحكومية. 

من ناحيته، اعتبر علاء الأعرج رئيس اتحاد المقاولين، مشروع "عنق الزجاجة" من أهم المشاريع الوطنية التي تخدم المصلحة العامة، لما سيترتب عليه من تحسين للبنية التحتية وتوسيع لأحد أهم الشوارع الرئيسية الذي يربط شمال قطاع غزة بجنوبه.

وبما يتعلق بالجدل والاعتراضات، وخاصة فيما يتعلق بقيمة التعويض للمتضررين، فكان للأعرج رأي بأنه قد اختلفت الأسباب المتعلقة بذلك، ونحن كشعب اعتدنا ثقافة الاعتراض لأسباب عاطفية دون تحكيم المنطق أو تقديم المصلحة العامة على الخاصة، مكرراً أنه "حسب متابعاتهم فإن الأراضي التي سيقام عليها المشروع هي أراض حكومية، إلا أن قضية تعويض المواطنين قضية محسومة لا جدال فيها"، حسب تعبيره.

أما عن قيمة التعويض، فقال الأعرج: "من الطبيعي جداً أن القيمة المالية لن تُعوض المواطنين عن القيمة المعنوية للمنازل التي توارثوها ونشأوا فيها، إلا أن هذا الواقع نتعرض له قسراً خلال الحروب والعدوان المتكرر على قطاع غزة، ونرضخ للأمر الواقع، فالأجدر بنا أن نساهم في بناء وطننا ضمن الخطط المدروسة للتطوير، مع وضع عدالة التعويض بعين الاعتبار".

وأضاف: "من الطبيعي أن يتم تعويض المواطنين حسب قيمة الأراضي والمساكن ومساحتها، وبهذا الصدد لا بد الاستعانة بلجنة متخصصة لتقدير قيمة التعويض حسب الموقع والمساحة وغيرها من المعايير التي تؤخذ بعين الاعتبار عند تقييم الأراضي والمنشآت".

ويقضي المشروع الذي يسمى "تطوير شارع الرشيد" غرب مدينة غزة وتصل تكلفته إلى 3 ملايين دولار، إلى إخلاء الأهالي للعيش بالإيجار لمدة ستة شهور، وبعد ذلك يتم تعويضهم على مراحل دون وجود ضمانات على ذلك، وفقاً لما يراه الأهالي.

ويعد مخيم الشاطئ حسب "الأونروا" ثالث أكبر مخيمات اللاجئين الثمانية في قطاع غزة، وواحد من أكثرها اكتظاظاً بالسكان، ويُعرف بهذا الاسم بسبب موقعه قبالة شاطئ البحر، كما يعد مسكناً لأكثر من 85 ألف لاجئ يسكنون جميعهم في بقعة لا تزيد مساحتها عن 0.52 كيلو متر مربع فقط.