في ذكرى الإنتفاضة الأولى.. ماذا قال ياسر عرفات عن شهدائها؟

بي دي ان |

09 ديسمبر 2022 الساعة 10:40م

لربما لم يحتاج الشعب الفلسطيني لتواريخ محددة لتذكره بما يستوجب عليه فعله، لكنّها ذاتُها التَّواريخ المقدسة تفرض عليه ذاتها، وقد يكون ذلك لقدسيتها أو لأنها إحدى أهم المحطات التَّاريخية المفصلية في حياة ذلك الشَّعب والذي لربما هي تواريخ غيرت المسار. 

(الانتفاضة الأولى) أو (انتفاضة الحجارة) أو (انتفاضة الـ ٨٧ 19)، كلها أسماء لذات الثّورة وذات الشُّعلة واللهب، التي اشتعلت عام 1987، وفي مثل هذا اليوم (التَّاسع من شهر ديسمبر) اندلعت انتفاضة الحجارة اثر قيام سائق اسرائيلي بدهس مجموعة عمال فلسطينيين أثناء تواجدهم بالقرب من حاجز (بيت حانون) مما تسبب بقتل (أربعة) عُمال وإصابة (سبعة) آخرين، وكان ذلك في (الثَّامن من ديسمبر)، لكنَّ الشرارة الأولى اشتعلت أثناء تشييع جنازة الشُّهداء الذين سقطوا بفعل إرهاب السَّائق الإسرائيلي، فقد انتفضت الأراضي الفلسطينية بأكملها الضِّفة والقدس وغزة ومدن فلسطين. 

استمرت الانتفاضة الفلسطينية حيث ظلَّ يستيقظ الشَّباب والأطفال وجميع فئات المجتمع الفلسطيني بالتَّصدي لجنود الاحتلال الإسرائيلي ورميهم بالحجارة التي كانت الوسيلة والسِّمة الأهم والأبرز لهذه الانتفاضة، والتي جاءت كما يقال: "الشَّعرة التي قسمت ظهر البعير"، فلم تكن هذه الانتفاضة محض الصُّدفة البحتة، لكنَّها كانت تتويجاً لنضال شعبٍ استمر عشرات السَّنوات بعد النَّكبة الأولى عام (1948م)، والتي تم فيها طرد وتهجير الفلسطينيين من أراضيهم وديارهم، وإلى الآن لم يعودوا إليها. 

كانت الانتفاضة نتيجة طبيعية لكلّ ما يعانيه الفلسطينيون تحت وطأة وقسوة الاحتلال من عنف واعتداءات ٍ وذلٍّ ووضع اقتصادي سيء، فكانت اللحظة التي أعلن فيها الفلسطينيون عن غضبهم وتمردهم على الظُّلم الواقع عليهم بفعل احتلال غاشم يمارس أبشع أساليب الظُّلم والاستبداد بحق شعبٍ أعزل. 

استخدم المقاومون، الحجارة والمولوتوف وعجلات السَّيارات المطاطية وحرقها بالشَّوارع تعبيرًا عن استنفارهم ورفضهم لواقع لم يعد لهم صبر عليه ولا طاقة لتحمله، في المقابل استخدم العدو الرَّصاص الحي والمطاط والغاز المسيل للدُّموع، والغازات السَّامة التي تسببت في خنق الكثير من المواطنين، والطائرات المروحية لرشِّ ذلك الغاز وإطلاق النَّار على المتظاهرين، كما تسبب في استشهاد ما يقارب (1555) شهيدًا وجرح نحو (70000) مواطناً، ووفق المعطيات أصيب نحو(40%) بإعاقاتٍ دائمةٍ من أولئك الجرحى،  وذلك وفق توثيق (مركز المعلومات الفلسطيني). 

ومما شهدته هذه الانتفاضة أيضًا، سياسة (تكسير العظام) فقد تعمد جيش الحرب الإسرائيلي بتكسير عظام الشَّباب الفلسطيني، وكانت صور وفيديوهات حية تنقل على مرأى العالم لوحشية هذا الاحتلال، الذي وضع أكثر من (200,000) فلسطيني بالمعتقلات منهم من بقي إلى هذه اللحظة، حيث تم تجهيز سجون عديدة لكثرة المعتقلين منها (سجن النقب) و(سجن أنصار ٢) في غزة وسجن الفارعة بالضفة وغيرها، حيث واجه الأسرى أسوأ وأقسى معاملة على الإطلاق، من حيث المنام والطَّعام والشَّرائع وطرق التَّعذيب والعزل الانفرادي والإهمال الطِّبي وغيره. 

ورغم كل هذه الوحشية الإسرائيلية إلا أن الفلسطينيين استطاعوا الحفاظ على النَّسيج الاجتماعي ووحدة الحال، ومساعدة بعضهم البعض في جميع الحالات، في الاضراب الشامل حيث يتعاون الجيران بتسريب الطعام لبعضهم البعض وفي حالة الاستشهاد والاعتقال، في مشهد وطني مشرف وكأنَّ الحي والمنطقة أسرة واحدة وعلى قلب رجلٍ واحد. 

كانت جدران الشَّوارع بمثابة (صحيفة جدارية) يكتب عليها الملثمون أخبار البلد وما هو مطلوب من المواطنين فعله، كالالتزام بالإضراب الشَّامل وغيره.

استبشر المواطنون بهذه الحالة الوطنية الثَّورية المميزة علها تكون مسارًا للتَّحرر ووصولا للقدس العاصمة وأول من استبشر بها هو الشَّهيد (ياسر عرفات) وكان يقول: "أنَّ شهداء وجرحى ومعتقلين هذه الانتفاضة هم رسل البشرى التي سيتحقق من خلالها قيام الدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس الشَّريف". 

من المؤكد أنَّ القيادة الفلسطينية تنفست الصَّعداء مع اندلاع أول شرارة الانتفاضة، خاصة بعد تراجع الاهتمام العربي بالقضية الفلسطينية، وإعطاء الأولوية لقضايا أخرى على حساب قضية فلسطين (كحرب إيران والعراق)، وتضييق الخناق من قبل الأنظمة العربية على منظمة التَّحرير الفلسطينية، وغيرها من الظُّروف السِّياسية التي ألقت بظلالها على القضية الفلسطينية في حال غَيْرَ مُرْضٍ للقيادة الفلسطينية، فجاءت الانتفاضة لتحيي نبض القضية وتعيدها إلى الطَّاولة ليست العربية فحسب بل والدُّولية وبقوة هذه المرة، والتي لربما كانت دافعا لمحاولة العالم التفكير باتفاق سياسي لخروج الطَّرفين الفلسطيني والاسرائيلي من مأزق الوضع الرَّاهن حينها، والذي كان فيما بعد اتفاق (أوسلو) والذي أعاقت القيادة الإسرائيلية تنفيذه فيما بعد بل وأطلقت عليه رصاصة الرَّحمة إنْ جاز التَّعبير. 

مازال الكثير ممن عايشوا الانتفاضة الأولى يذكرونها جيدًا وربما لهم فيها صولات وجولات، وما زالت تتردد على مسامعهم صوت العاصفة (هنا فلسطين إلى إخواننا في الأرض المحتلة)، كان المواطنون يلتصقون حول المذياع لسماع كلمات الإطراء والثَّناء من قيادة الانتفاضة عبر الأثير فترتفع معنوياتهم ويشعرون بحضور المرجعية الوطنية رغم حدود وسياج الجغرافيا اللعينة. 

ولعلَّ الكثير من المناضلين مازالوا يحتفظون ببيانات (بيان القيادة الموحدة رقم 1)، ورغم عفوية الانتفاضة إلى حدٍ ما إلا أنَّ ملامح الوحدة الوطنية كانت حاضرة وداعمة للفعل الثَّوري في ذلك الوقت، ولا شك أنَّ الفلسطينيين دفعوا ثمنًا باهظًا من الشهداء والجرحى والأسرى وفقد قادة أعزاء مناضلين أشداء على العدو، منهم (الشَّهيد خليل الوزير أبو جهاد)، و(الشَّهيد صلاح خلف أبو إياد) وهما من أبرز قيادة الانتفاضة والشَّعب الفلسطيني، وقائمة شهداء تطول لا تتسع لها سطور الكاتبة وإنَّما بحاجة لمجلداتٍ نخط به بطولات الفلسطينيين في هذه الانتفاضة، التي يُزينُ مطلعها أسماء الشُّهداء. 

في ذكرى (الانتفاضة الأولى) سلام وتحية للأسرى الذين ما زالوا قابعين في قلب الوطن، أبطال وعلى الرأس تيجان.