المقابر الوهمية

بي دي ان |

17 نوفمبر 2022 الساعة 12:58م

لم تكتف "إسرائيل" منذ قيام كيانها المهزوز بإقامة المدن والحدائق فوق المقابر الإسلامية، ولا بتجريف عدد من تلك المقابر بهدف تغيير معالم الأرض وتزييف التاريخ والجغرافيا، ولا بنبش القبور ومصادرتها بهدف الاستيطان على الأرض المقامة عليها، بل تعداه ذلك إلى قيامها بإنشاء القبور الوهمية.
ومن ضمن المقابر التي تطاول الاحتلال عليها وقام بتجريفها واستخراج عظام الموتى منها: مقبرة "اليوسفية" المجاورة للمسجد الأقصى، وهي إحدى أهم المقابر في القدس، والتي نبشتها جرّافات الاحتلال الصهيوني وهي تقوم بالحفريات، كما أنّ هناك مقبرة "الإسعاف" الإسلامية في يافا، التي تم تجريفها بهدف مصادرة الأرض المقامة عليها، وكذلك مقبرة "مأمن الله" في القدس التي كانت تضم جثامين شهداء وعدد من الصحابة، وأقامت إسرائيل فوقها حديقة ومتحفاً، ومقبرة الرحمة وغيرها.
وتنفيذاً لقرارات حكومة الاحتلال، فقد قام الاحتلال وأذرعه التنفيذية ومن ضمنها "جمعية إلعاد الاستيطانية" وما يسمى ب"سلطة الطبيعة والحدائق" في القدس المحتلة، باختلاق آلاف القبورالوهمية حول المسجد الأقصى والبلدة القديمة على مساحة 300 دونم من الأراضي، وذلك ابتداء من جبل الطور/الزيتون شرق المسجد الأقصى، مروراً بوادي سلوان جنوباً، وانتهاء بوادي الربابة جنوب غرب المسجد الأقصى المبارك، وفق بيان أصدر ونشر عن "مؤسسة الأقصى للوقف والتراث" عام 2012، وكان ذلك تحت حجج واهية منها: الصيانة، الاستحداث، المسح الهندسي وغيرها من الحجج الواهية في محاولة منهم لتبرير فعلتهم الشنيعة في السيطرة على أراضي الوقف وتهويد المدينة المقدسة ومحيطها.
فلا مانع لدى إسرائيل من فعل كل ما لا يخطر على بال، وكل ما هو مستهجن ومرفوض أخلاقياً ودينياً وعقائدياً وثقافياَ لإثبات أنّ لهم حق في الأرض، محاولين تثبيت هذا الحق باختلاق الأكاذيب والأوهام والتي لن يكون آخرها كذبة القبور، تماماً كما زرعت الرواية الصهيونية الكاذبة في أذهان اليهود المتصهينين بأنّ لهم حق في أرض فلسطين، فصدّقوا الرواية أو أقنعوا أنفسهم بتصديقها.
واليوم، نرى أنّ إسرائيل لا زالت ماضية في مشروعها الذي اختلقته، والمعلن عنه عام 2012 من قبل الجهة المذكورة "جمعية إلعاد الاستيطانية"، والذي لا يخطر ببال أحد، فهي ماضية في زراعة مزيد من القبور الوهمية في سلوان، على بعد عشرات الأمتار من المسجد الأقصى، حيث قامت بتقسيم المساحة لتستوعب آلاف القبور التي زرعتها منذ ما يقارب شهرين، وحدّدت كل قبر بحجر كبير، ووضعت شاهداً على كل قبر باسم قد يكون مزيفاً وقد يكون حقيقياً لشخص مات ودفن في مكان بعيد عن أرض فلسطين.
إنّ استهداف إسرائيل للمقابر الإسلامية هو مخطط مدروس لتهويد الأراضي الفلسطينية، وذلك من خلال الاستيلاء والسيطرة عليها بحجج جاهزة، منها أنّ المنطقة كانت مقبرة لليهود وأنهم يعيدون تأهيلها، في استفزاز عنجهي لمشاعر السكان من مسلمين ومسيحيين، كل ذلك تحت عيون العالم العربي والإسلامي، الذي يراقب الوضع عن كثب، دون أن يحرك ساكناً، وإن كان هناك من تحرك، فأكثر ما يصدر هو بيان إدانة لا يغني ولا يسمن من جوع.
من البديهي أنّ هذه القبور وهمية ولا يوجد فيها جثامين، الأمر الذي يجعل من السهل فضحها أمام المجتمع الدولي، وهناك صور وفيديوهات للمنطقة قبل فترة قريبة من إقامة القبورعليها، تثبت أنها كانت أرضاً خالية من أيّ قبر. لقد قام التلفزيون الأردني بإلقاء الضوء على هذه الجريمة، من خلال تقديم تقرير حولها مؤخراً، وعرض حالة من الحالات المتضررة، وهي الحاجة وفاء العباسي التي تسكن في وادي الربابة، حيث أكّدت أنها لم تشاهد أيّ من هذه القبور طوال حياتها، وأنها عاشت لترى مقبرة دون أموات في محيط منزلها، كما استطاع التقرير تصوير عملية نقل الحجارة التي تستخدم في تحديد القبور ووضع الشواهد عليها.
إننا ندعو كافة المراسلين لوسائل الإعلام العربية والدولية إلى فضح هذه الجريمة من خلال التقارير المصورة الكتابة حول الموضوع، لما في ذلك من انتهاك للأرض والحجر وحرمة الموت،  ويجب على الإعلام الرسمي جعل ما حدث قضية رأي عام دولي والتركيز عليها. 
كما أقترح أن تقوم السلطة الفلسطينية بدعوة سفراء الدول في فلسطين، لتأخذهم في جولة في سلوان، والقيام بالاطلاع على هذه المقبرة الوهمية، وفتح عدة قبور أو الحفر بصورة عشوائية، لتريهم بأنها أرض خالية من أيّ موتى.
إننا نطالب وزارة الخارجية الفلسطينية القيام بالتعميم على جميع السفارات لشرح الأمر وشرح مدى خطورته إلى جميع الدول التي يتواجدون فيها، وذلك باستخدام مواد وثائقية تدعم رواية الحق الفلسطيني وتكشف زيف الرواية الصهيونية.
ونهيب بالسلطة الفلسطينية أن تضمّن هذه الجريمة ضمن الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق الأرض الفلسطينية والفلسطينيين، لترفعها إلى الجهات الدولية المختصة، وقد تكون اليونسكو إحدى تلك الجهات، لإثبات حقيقة اختلاق الرواية الصهيونية الكاذبة، وأن يتم تضمين هذه الظاهرة القديمة الجديدة في الخطاب السياسي للقيادة الفلسطينية، سواء في الأمم المتحدة أو في أيّ مؤتمر أو محفل دولي أو إقليمي أو حتى محلي، لتصبح هذه القضية حديث الجميع، ويتم فضح إسرائيل، ومطالبة المجتمع الدولي لها بأن تلغي هذه المقابر، وتعيد الأراضي المقامة عليها إلى ما كانت عليه، وإلى أصحابها الأصليين.