دفاعا عن المرسوم

بي دي ان |

31 أكتوبر 2022 الساعة 01:55ص

هناك نمطية باتت تسود في أوساط المجتمع الفلسطيني منذ فترة غير بسيطة، ترتكز على بعدين الأول ثقافة السمع، وعدم اعتماد النص والقراءة للحكم على القضايا؛ والثاني التساوق مع الضجيج، والركض في متاهته. ويمكن ان اضيف نمط تعزز في زمن التراجع، وتعمق ازمة المشروع الوطني، عنوانه الأساس الشخصنة، ومحاكاة أي ظاهرة باقترابها او ابتعادها عن النفعية الشخصية، وأيضا محاكاة المهام والمواقع والمسؤوليات وفقا للشخص المسؤول. واعتقد انها من امراض المجتمعات عامة ومنها المجتمع الفلسطيني، وتتمظهر فيها نتاج الازمات المختلفة.
بعض ما تقدم، او كله ينطبق على ما يجري في الشارع الفلسطيني في اللحظة الراهنة، المتعلق بالضجيج المفتعل والواسع في الشارع النقابي وخاصة في أوساط منتسبي نقابة الأطباء الأردنيين وفرعها في القدس، التي يقف على رأس لجنتها الفرعية، الدكتور شوقي صبحة، ولحق بهم بعض النقابيين والقوى السياسية بعد اصدار الرئيس محمود عباس مرسوما لتشكيل مجلس تأسيسي لتشكيل نقابة الأطباء الفلسطينيين يوم الاحد الماضي الموافق 23 تشرين اول / أكتوبر الحالي، والهادف لتوطين والتأصيل للجسم النقابي بهويته الفلسطينية. لا سيما وان نقابة الأطباء الأردنيين لا تقبل عضوية أي طبيب فلسطيني، الا الطبيب حامل الكرت الأصفر، الذي يملك رقما وطنيا اردنيا، وحتى حامل الكرت الأخضر، لا يحق له الانتساب، طبعا حدث ولا حرج عن أطباء محافظات غزة، فهم غير مقبولين من الأصل، ولهم كرت ازرق.
وللعلم هناك خمسة الاف طبيب فلسطيني، ولم ينسب منهم مع اللجنة الفرعية للنقابة الأردنية سوى 15% من مجموع الأطباء، والباقي دون أي جسم نقابي يحمي حقوقهم ومصالحهم
وكان يفترض مع تشكل السلطة الوطنية عام 1994 القيام بتشكيل النقابات الفلسطينية اسوة بالاتحادات الشعبية، كالاتحاد العام المرأة والعمال والمهندسين والفلاحين والفنانين والكتاب والادباء والصحفيين والطلاب. لكن دائما البدايات تكون صعبة، اضف الى ان السلطة الوطنية تعاملت مع خمسة أنظمة من القوانين: القانون العثماني، وقانون الانتداب البريطاني والقوانين المصرية والاردنية بالإضافة للقرارات الإسرائيلية، واخذت تدريجيا العمل على فلسطنة تلك القوانين بما يتوافق مع مصالح الشعب العربي الفلسطيني وهويته الوطنية، وكانت نقابة المحامين من أوائل النقابات التي توطنت في العام 1997، ثم تلاها نقابة الصيادلة، وكان مشروع قانون اعد في العام 2007 لتوطين نقابة الأطباء، غير ان الانقلاب الحمساوي على الشرعية، وحل المجلس التشريعي لاحقا اثر على انجاز الملف.
كما انه طرح عام 2018 زمن حكومة الدكتور رامي الحمدلله مشروع قانون لذات النقابة، ثم نتيجة التغيير الحكومة توقف وقبل سنة او سنة وشهرين بادر عدد من الأطباء لتأسيس نقابة أطباء، وبالتالي الموضوع ليس جديدا، ولا هو طفرة، او مجرد فكرة مزاجية، او اسقاط ارادوي عند شخص الرئيس عباس او غيره من اصحاب الاختصاص، انما هو حق وطني وسيادي، وواجب كل معني، وكل طبيب، وكل صاحب مهنة غير موطنة، العمل مع زملائه على ترسيخ عملية التوطين لهذه النقابة او تلك في الوطن الفلسطيني.
والاهم مما تقدم، فإن المرسوم لم يشر في نقاطه الستة من قريب او بعيد لالغاء او حل النقابة الموجودة نهائيا، وما يثيره القائمين على النقابة القائمة للأسف له ابعاد شخصية، فضلا عن اللجوء لسياسة غير حميدة، وغير مقبولة، هدفت للاساءة للشراكة الفلسطينية الأردنية بقصد او غير قصد. ولم يتعرض المرسوم لحقوقهم. لان كافة حقوق الأطباء في النقابة الأردنية، هي لهم، ولا احد يملك حق اسقاطها او شطبها نهائيا. كما من حق أي طبيب فلسطيني الانتساب لاي نقابة وفي مقدمتها النقابة الأردنية. وبالتالي هناك افتعال لازمة لا أساس لها في الواقع، أساسها شخصنة الأمور، ومحاولات القائمين على اللجنة الفرعية لنقابة الأطباء الأردنيين مكشوفة، ولا تمت للحقيقة بصلة.
وكان الاجدر بالدكتور صبحة ومن معه من الأطباء ان يطالبوا بتعديل المرسوم، لا الى الغائه. وهذا الامر مقبول ومشروع ومنطقي، ومن حقهم تنسيب عددا منهم ليكونوا شركاء في المجلس التاسيسي، واعتقد جازما ان الجميع بمن فيه الرئيس أبو مازن يقبل بذلك. لكن الغاء القانون غير قابل للقسمة، ولا يمكن تنفيذه، ويتعارض جملة وتفصيلا مع المصالح الوطنية. وبدل الدعوة للاضراب، كان من الأنسب مطالبة الأطباء جميعا تكثيف جهودهم في اللحظة الصعبة والحرجة، التي يواجهها الشعب في كافة المحافظات، حيث يسقط كل يوم العديد من الجرحى والشهداء. كما ان القسم، قسم ابقراط، الذي اقسموا عليه لتأدية مهامهم الإنسانية مع تخرجهم من كليات الطب المختلفة، يحتم عليهم البقاء في خنادق حماية أرواح المواطنين، والكف عن فلسفة الاضراب، الذي يتناقض أيضا مع القرار بقانون رقم 11 لعام 2017، الذي يحظر على الأطباء والممرضين الاضراب. لان اللجوء للاضراب يضعهم تحت طائلة المساءلة القانونية. بالإضافة الى ان الاضراب من حيث المبدأ يتنافى مع طبيعة وخصوصية عملهم الإنساني. وهذا لا ينتقص من حقوقهم ومكانتهم الوظيفية.
ومؤسف جدا ان تركض بعض الفصائل والنخب السياسية والنقابية في دوامة التحريض المفتعل، الذي تحركه الحسابات الشخصية واجندات أخرى لا تمت بصلة للعمل الطبي، ولا لمصالح الشعب العربي الفلسطيني.
وقبل ان اختم أتوجه كمواطن فلسطيني الى كل طبيب يملك ناصية الحقيقة، وحريص على هويته الوطنية، ومسكون بهموم وشعبه وقضيته وأهدافه الوطنية ان يعيد النظر في تساوقه مع اللجنة الفرعية التي يقودها رئيسها، وهو بالمناسبة ليس نقيبا، انما هو عضوا في مجلس النقابة الاردنية، ورئيس اللجنة الفرعية في القدس، واقصد الدكتور شوقي صبحة. وعليه عودوا الى خياركم المنطقي والصائب، الذي يخدم مصالحكم وشعبكم في آن.
[email protected]
[email protected]