فوضى الساحة الحزبية

بي دي ان |

28 ديسمبر 2020 الساعة 08:06ص

ليست المرة الأولى، التي تشهد الساحة الحزبية الإسرائيلية فوضى الإنشقاقات، ولن تكون الأخيرة، وبالتالي ما حدث ليس إستثناءً، بيد انه حدث ذات اهمية خاصة، وله ما بعده من تداعيات على المشهد الإسرائيلي الداخلي. لاسيما وان الخروج عن عصا الطاعة النتنياهوية يتم مع حل الكنيست لنفسها والذهاب لإنتخابات رابعة في ال23 من آذار/ مارس 2021 في اقل من سنتين، وفتح الباب أمام عمليات تمرد جديدة على الملك الفاسد.

نعم لم يكن إنشقاق ساعر في الثامن ديسمبر الحالي (2020) حدثا عاديا في الليكود، لإنه سحب معه النائبة يفعات شاشا – بيطون بعد ايام، وقبلها لحق به من كاحول لافان كل من تسيفكا هاوزر ويوعاز هندل من كتلة "ديريخ ايرتس"، ثم جاءت الضربة الموجعة الثانية مع إنشقاق زئيف إلكين، احد حلفاء نتنياهو المقربين في 23 من ديسمبر، واصدر بيانا كان بمثابة لائحة إتهام جديدة ضد رجل الليكود القوي، والذي بدأت فعلا الأرض تهتز من تحت أقدامه. ولا اعتقد ان عملية التسرب من الليكود ستتوقف عند وزير التعليم، لإن الباب الليكودي إنفتح على مصراعيه امام الساخطين والناقمين على الملك الساحر، الذي فقد بريقه، وعلى ما يبدو ان اوراق الفهلوة والسحر تلاشت لديه، وبات الحاوي عاجزا. والأهم ان ساعر لم يتوقف عند لحظة الإنشقاق عن الخصم اللدود، ولم ينتظر طويلا لتسديد ضربة اكثر إيلاما ووجعا، عندما شكل حزبه الجديد "امل إسرائيل"، والذي حصد في إستطلاعات الرأي عددا إقترب إلى حد كبير من مقاعد الليكود 22 مقابل 26  مقعدا، وتجاوز حصة حزب "يمينا" بزعامة نفتالي بينت، الذي هبط إلى 15 مقعدا.

ومازالت الساحة الحزبية تموج بالجديد، فهذا عوفر شيلح من حزب "يش عتيد" يعلن يوم الخميس الماضي الموافق 24 /12/2020 انشقاقه عن يئير لبيد، وينوي تشكيل حزب مع روعي كوهين، رئيس منظمات اصحاب المهن الحرة. أضف لذلك ينوي عمير بيرتس توريث قيادة حزب العمل لمن يفوز في الإنتخابات الداخلية، بعدما اقر بفشله في إحياء الحزب فاقد الأهلية والبقاء. كما ان كل من بيني غانتس وغابي إشكنازي زعماء حزب "مناعة إسرائيل" يفكران جديا بالإنسحاب من المشهد الحزبي والسياسي، لإنهما لم يثبتا جدارتهما في تجربتهما المتواضعة الآيلة للإندثار.

من المؤكد مازال مبكرا الجزم بأن اللوحة الحزبية في الشارع الإسرائيلي ستنتهي عند ما ذكر، فالأيام القادمة تحمل في طياتها مفاجآت أخرى. لكن الاستنتاجات شبه المؤكدة، من خلال قراءة التحولات الجارية، تشير إلى الآتي: اولا بات سقوط نتنياهو، وزواله عن المشهد السياسي والحزبي في عداد الفرضيات الممكنة؛ ثانيا إنهيار الليكود بات إمكانية واردة، لا سيما وانه لا يوجد زعامات كاريزماتية بعد خروج ساعر والكين، ونتيجة إشتداد المنافسة فيما بين شخصيات المركز على التنافس لوراثة لقيط شارع بلفور؛ ثالثا التنافس القائم بين الكتل والأحزاب ينحصر بين اليمين التقليدي واليمين الأكثر تطرفا؛ رابعا الحكومة القادمة بعد الإنتخابات في مارس 2021 ستكون من اليمين الأكثر تطرفا، وهو ما يشي بأن إسرائيل تغرق أكثر فأكثر في دوامة العنصرية، وتأبيد الإستعمار، وتغييب الحل السياسي، إلآ إذا تغيرت المعادلة الدولية في العلاقة مع دولة الإستعمار الإسرائيلية؛ خامسا تلاشي دور ما يسمى ب"يسار الوسط"، وتراجعه بشكل ملحوظ؛ سادسا إرتفاع نسبة ولوج القائمة المشتركة في دوامة الإنشقاق بعد إفتراق مواقف الحركة الإسلامية الجنوبية عن باقي مكونات القائمة. وهذا الموضوع يحتاج لمعالجة مختلفة ومستقلة.

رغم ان الفوضى الحزبية الإسرائيلية الراهنة ليست الأولى، بيد انها تحمل في طياتها ابعادا تتجاوز الدائرة الحزبية، إلى ما هو اعمق، ويرتقي لتفاقم حدة أزمة المشروع الصهيوني، وقاعدته المادية الكولونيالية، وهي إنعكاس لواقع الصهيونية كحركة رجعية، حاملة في طياتها عوامل موتها وفنائها، لإنها اولا لا تمثل اتباع الديانة اليهودية، وثانيا لإنها إغتصبت وفرضت نفسها على قطاع واسع من اتباع اليهودية، وادخلتهم في دوامة الصراعات العرقية والدينية والجنسية واللون ثالثا لا تختلف عن كل أدوات الغرب الرأسمالي في الإقليم إلا بدورها الوظيفي، رابعا كل إفرازاتها الحزبية، الغارقة في وحولها اشبه إلى حد بعيد بما افرزته جماعة الإخوان المسلمين من "داعش" و"النصرة" وغيرها، وحدود التباين محصور في الأبعاد الشخصية والنفعية وإلإنتهازية، وتنفيذ تعليمات أولي الأمر في الحكومة العالمية..
[email protected]
[email protected]