كورين تعري غوغل واخواتها

بي دي ان |

03 سبتمبر 2022 الساعة 12:45ص

ثورة الاتصالات والمعلومات شكلت قفزة نوعية في مسار تطور البشرية، واحدثت تقاربا كبيرا بين الشعوب، وفتحت بوابات الثقافات والمثاقفة بين سكان الكرة الأرضية، حتى اطلق البعض على العالم مفهوم "القرية الصغيرة" نتاج تقريب المسافات، وتجاوز الحدود، وفتح الأبواب المغلقة، وكسر قيود الأجهزة الأمنية بمعايير محددة. بيد انها (الثورة) في المقابل، سمحت لتك الأجهزة والدول البوليسية والاستعمارية من اقتحام بيوت الناس جميعا، وملاحقتهم، والوقوف على نبضهم الفكري السياسي والاجتماعي والثقافي والديني، وسماع ومراقبة همسهم ووجعهم وفرحهم وغضبهم وانفعالاتهم.
ولهذا قامت دول العالم قاطبة من اقطابها إلى أطرافها في قارات الدنيا الست بدفع أموال طائلة للحصول على برامج التجسس، واستثمار المواد الارشيفية المعلوماتية من الأجهزة الرقمية، التي تجمعها شركات ومواقع التواصل الاجتماعي من المشتركين معها، وامست جزءا هاما من الصراع الكوني بين الأقطاب الدولية، واداة ضاربة ومؤثرة في حياة الدول وانتخاباتها، وذات تأثير هام على الأجهزة الأمنية، واختراقها لبعضها البعض، ونشر الاشاعات والاكاذيب وتزوير الحقائق، وإعادة منتجة الصور وشرائط الفيديو بما يخدم توجهات الدول والأجهزة الامنية.
ما تقدم يؤكد ان ثورة الاتصالات سلاح ذو حدين، بقدر ما حملت الإيجابيات، وقربت المسافات واقامت الجسور بين الشعوب وبني البشر، وقدمت كما هائلا من المعلومات، بقدر ما استلبت حياة الناس، وباتت بمثابة جهاز تصنت ومراقبة على حركاتهم واناتهم وهواجسهم، والشق الأخير هو الخطير، لانه يتعدى بشكل مباشر على حرية الانسان، وحقوق الملكية الفكرية الخاصة به، وينتهك قانون حقوق الانسان الاممي بشكل واضح، كما انه ناهب ثروات العباد، وخلق اساطين واباطرة جدد من رأس المال المالي، بائعوا الهوى.
في سياق ما تقدم، لن اتوقف امام برنامج التجسس الإسرائيلي بيغاسوس، الذي باعته إسرائيل الاستعمارية للعديد من الدول بعد ان اثار فضائح عدة نتاج مراقبة ورصد تحركات قوى المعارضة للعديد من الأنظمة السياسية الأوروبية والعربية وحتى للولايات المتحدة من خلال مراقبة الهاتف المحمول للشخص المستهدف والاطلاع على ملفاته وكل ما يتعلق به.
لكني ساعرض ما تعرضت له الموظفة الأميركية ارييل كورين من اتباع الديانة اليهودية، مديرة التسويق في قسم المنتجات التعليمية في شركة غوغل من اضطهاد وانتقام من قبل الشركة، ودفعها للاستقالة من وظيفتها، كونها فضحت وعرت شركة غوغل ورديفتها شركة امازون من خلال كشفها للصفقة المتفق عليها بين الشركتين الأميركيتين وعابرة الحدود والجيش الإسرائيلي، الذي تم نهاية العام الماضي، وأعلنت عنه الشركتان تحت اسم مشروع "نيمبوس" بقيمة مليار ومئتي مليون دولار أميركي لتوفير خدمات سحابية إلكترونية لإسرائيل المارقة والخارجة على القانون.
وواجه المشروع معارضة من قبل عدد لا بأس به من موظفي الشركتين، وعبروا عن ذلك بنشر رسالة في صحيفة "الغارديان" البريطانية، قادته الموظفة الشجاعة كورين منذ اكثر من عام مضى، من خلال توزيع الالتماسات والتواصل مع مجموعات للضغط على المسؤولين التنفيذيين. كما تحدثت مع مؤسسات إعلامية في محاولة منها، ومن ساندها لثني الشركتين عن جريمتهما، حسب ما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، كون المشروع سوف يستخدم للتجسس على أبناء الشعب الفلسطيني، وجمع المعلومات والبيانات بشكل غير قانوني من قبل الحكومة الاسرائيلية، أولا، وممارسة القمع عليهم ومضاعفة اضطهادهم، ثانيا، وتزوير الحقائق وجرائم الحرب الإسرائيلية، وستجعل التمييز المنهجي والتهجير الذي يمارسه الجيش الإسرائيلي بشكل يومي ضد الفلسطينيين اكثر قسوة وفتكا بهم، ثالثا، وغيرها من الانتهاكات الخطيرة، التي تسبب مزيدا من الاضطهاد وعمليات التطهير العرقي ضد الفلسطينيين.
وفي تشرين ثان/ نوفمبر 2021 تلقت كورين إنذارا مفاجئا من غوغل مفاده، اما الموافقة على الانتقال الى ساو باولو في البرازيل في غضون 17 يوم او الاستقالة وفقدان الوظيفة. وفي اثر ذلك، كتبت كورين الاميركية اليهودية توضح فيها أسباب الاستقالة قائلة "شركة غوغل تُسكت بشكل منهجي الأصوات الفلسطينية واليهودية والعربية والمسلمة التي تشعر بالقلق إزاء تواطؤ غوغل في انتهاكات حقوق الانسان الفلسطيني، الى درجة الانتقام رسميا من العمل، وترهيبهم، ووضعهم في بيئة من الرعب.
وحادثة كورين ليست الأولى وفق تقرير "نيويورك تايمز"، انما هي الجريمة الاحدث لشركة غوغل واخواتها من الشركات، وكان تم دفع ستابلتون وميريديث ويتاكر للاستقالة عام 2019 بعد ان نظمتا اضرابا للعمال عام 2018. بتعبير ادق، كل شركات التواصل الاجتماعي اسوة بالشركات الرأسمالية بمختلف تصنيفاتها لا تتورع عن القاء الموظف او العامل على قارعة الطريق، ان لم يلتزم بتوجهات الشركة، ويعمل وفق معاييرها. ولكن قيمة واهمية واقعة كورين ودفعها للاستقالة كونها دافعت عن الحقوق السياسية والقانونية ووفق معايير القانون الدولي عن أبناء الشعب الفلسطيني، وايمانا منها بضرورة انصافه، ومنحه حقوقه، والتوقف عن الإرهاب وجرائم الحرب ضد النساء والأطفال والشيوخ والشباب.