ما وراء خطاب الرئيس عباس في برلين؟!

بي دي ان |

18 أغسطس 2022 الساعة 08:11م

قنبلة فجرها الرئيس محمود عباس "أبو مازن" في دولة هي الأكثر حساسية لليهود، فقبل يومين في السادس عشر من أغسطس وأثناء لقائه بالمستشار الألماني شولتز، تم توجيه سؤالًا "لم يكن بريئا" من قبل صحفي خلال المؤتمر الصحفي الذي أقيم بين الرجلين في العاصمة التي ما زالت ترفض الاعتراف بدولة فلسطين رغم كل القرارات الشرعية والدولية الصادرة بحق فلسطين. 

وكان السؤال فيما إذا كان الرئيس محمود عباس سيعتذر عن عملية ميونخ التي نفذتها منظمة أيلول الأسود 1972 حيث تم احتجاز رهائن إسرائيليين أثناء دورة الأولمبياد الصيفية المقامة في ألمانيا وكان المطلب الفلسطيني حينها "الإفراج عن 236 معتقلا في السجون الإسرائيلية معظمهم من العرب". 

وكان رد الرئيس عباس صادما ودون المتوقع، قائلا:  لقد ارتكب الإسرائيلييون خمسين مجزرة، خمسين هولوكست وكل يوم لدينا قتل من الإسرائيليين إلى الآن. نعم في برلين العاصمة تحدث الرئيس الفلسطيني بكل قوة وثبات عن المجازر والجرائم اليومية التي يقوم  بها الصهاينة بحق الشعب الفلسطيني.

تصريحات فلسطينية بامتياز تنبع من رجل مسؤول عن شعب، وقد وصل ذروة الخذلان من قيادة إسرائيلية كان يتوقع منها أن تكون شريكًا في عملية سلام تضمن حياة هانئة لكل من يعيش على هذه الأرض. 

الجرائم الإسرائيلية لم تعد تحتمل وفاقت ليست القوانين والأعراف الدولية بل والأعراف الآدمية أيضًا، فالعمليات الوحشية المسعورة التي يقوم بها جيش الحرب بحق الفلسطينيين كل يوم تؤكد، أن هذا الاحتلال لن يكون يوما شريكًا في أي عملية سلام، بل يجب عزله ومحاصرته وإزاحته عن أرضنا لأنه يشكل ورم خبيث في صدر فلسطين الدولة المحتلة. 

تصريحات أبو مازن أدخلت برلين إحدى عواصم النفاق الإسرائيلي في صدمة، مما أثارت غضب مستشارها ليستنكر ما قاله أبو مازن رغم أنها حقيقة شاهده عليها برلين وغيرها من عواصم النفاق السياسي.

موجة غضب وهستيريا أصابت القادة الإسرائيليين بشقيهم  السياسي والعسكري، مما جعلهم يسكبون سيل من الشتائم والسباب بحق الرئيس أبو مازن، ففي تصريح لوزير المالية ليبرمان يغرد بصوته النشاذ على تويتر قائلًا: "أبو مازن" حصل على الدكتوراه في موسكو عن إنكار المحرقة، وقدم شكاوي إلى محكمة الجنايات في لاهاي، واتهم جنود الجيش الإسرائيلي بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

مضيفا هو إرهابي "أبومازن" متورط في الاٍرهاب السياسي، بالتالي فهو أخطر من كل النشطاء الارهابيين لحركة حماس أو الجهاد. 

أما داني ديان رئيس مؤسسة ياد فاشية المختصة بضحايا "الهولوكوست" يقول:" إن أقوال عباس مثيرة للاشمئزاز داعيًا ألمانيا إلى إتخاذ رد ملائم على تصريحاته خاصة أنه أطلقها من مكتب المستشار الألماني". 

وغيرها الكثير من التصريحات الاعلامية التي صدرت عن مسؤولين اسرائيليين بحق أبومازن، فمنهم طالب بمنعه من العودة لرام الله ومنهم طالب بسحب شرعيته، والكثير من ذلك. 

نحن اليوم أمام حالة نفاق ألماني وهو جزء من النفاق الدولي الذي يستخدمه الغرب في مجاملة دولة الاحتلال على حساب الدم والحق الفلسطيني. 

ومن طرف آخر أمام وقاحة إسرائيلية منقطعة النظير ومحاولة منها لاستخفاف العقل البشري ومحاولة تضليل الشعوب وتصدير رواية كاذبة يستخدمها الكيان على الدوام، كما يبدو دائما في حالة تمثيل دور الضحية رغم كل الجرائم التي يرتكبها بحق الفلسطينيين أمام العالم كله، والتي ربما لن تكون آخرها عدوان الثلاثة أيام الذي ارتكبه جيش الاحتلال على غزة يوم الجمعة في الخامس من أغسطس الجاري، والذي راح ضحيته ٤٩ شهيدا، جلهم من الأطفال والنساء وباعتراف العدو ذاته بارتكابه لمجزرة بحق أطفال في جباليا راح ضحيتها ٦ أطفال. وما زال يرتكب جرائم كل يوم وكل لحظة. 

لقد أثلج الرئيس محمود عباس صدر شعبه، هو قال الحقيقة التي يتغافل عنها الغرب برغبة منه، بالتالي مطلوب التذكير بشكل دائم ودون أي "مكياج" للحقائق، فلم تعد جرائم دولة الفصل العنصري "الابرتهايد" تخفى على أحد. 

وبات مطلوبًا من القيادة الفلسطينية أخذ مسارًا مختلف بالتعاطي مع العدو وتنفيذ قرارات المجلس الوطني والمركزي، وإعادة اللحمة الفلسطينية قدر المستطاع، وتعزيز حضور وقوة فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وإعادة النظر بالشأن الفلسطيني الداخلي، خاصة وأن في الشق الثاني من الوطن يتم العبث والسير باتجاه دولة في غزة، بدعم إسرائيلي، واقليمي، في خطوة لقتل حلم الدولة الفلسطينية، في ظل تهميش كامل لصوت الشارع الفلسطيني في غزة تحديدًا. 

فصائليا مطلوب دعم الرئيس أبو مازن في معركته الحالية، كما كان داعما للعديد من الفصائل الفلسطينية خاصة حين تعرضها لحظر دولي أو اعتبارها منظمة "إرهابية" فمن حقنا أن نختلف، لكن من الواجب الوطني والأخلاقي أن تشكل رافعة لبعضنا حين تكون معركتنا مع العدو الصهيوني. وإلا نتجرد من المسؤولية الوطنية ونكون مثار شك. 

وشعبيا: بفعل اعتبارات كثيرة غاب الدعم الشعبي الواضح للرئيس في معركته تلك، فكان لابد من استغلال هذه اللحظات لفرض معطيات فلسطينية وطنية جديدة تعزز لحوار وطني ولحالة فلسطينية مسؤولة في القادم القريب.