أيها الفتحاويون تراصوا

بي دي ان |

12 أغسطس 2022 الساعة 12:17ص

كتبت في هذه الزاوية عديد المرات عن أزمة حركة فتح خصوصا، وأزمة حركة التحرر الوطني الفلسطينية والعربية والعالمية عموما. واعود مجددا لاطرق على جدران الخزان الفتحاوي محاولا تذكير الهيئات القيادية الأولى والثانية والاقاليم ورواد وانصار حماية الفكرة والجمرة والسيرة والمسيرة، وصيانة تاريخ ومجد الحركة التي قادت ومازالت حتى اللحظة تقود راية المشروع الوطني الفلسطيني.
ولكن شتان ما بين مرحلتين، بين ما كانت عليه زمن الكفاح المسلح والثورة المعاصرة، وبين مرحلة التآكل والتراجع والمراوحة بعد الانخراط في دوامة أوسلو، وإقامة السلطة الوطنية، التي تأكد انها حقل الغام لتبديد المشروع الوطني. وبدل ان تكون رافعة في بناء مداميك مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة، امست بمثابة جلد الدب، الذي يتصارع عليه الاخوة قبل اصطياده، وقبل التحرر من ربقة الاستعمار الإسرائيلي، ومع تصاعد التغول الاستيطاني الاستعماري في ارض الوطن الفلسطيني، واتساع وتعمق تدخل أجهزة الموت الإسرائيلية في تفاصيل التفاصيل الوطنية، ويذهب البعض للاعتقاد بان دولة المحرقة أصبحت تملك مفاتيح التقرير فيمن سيكون الخليفة القادم بعد عمر طويل للرئيس عباس.
ما يجري هذه الأيام من فتح لبعض الملفات والتسجيلات المفبركة او غير المفبركة، القديمة والجديدة في البيت الفتحاوي لا يستهدف الأسماء المتداولة بعينها، وان بدا للحظة، وكأنها هي المستهدفة شخصيا. بيد ان الحقيقة، ان المستهدف الأساس هي حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح كلها قيادة وكوادر وأعضاء وانصار، وبالتالي المشروع الوطني برمته.
ولم يعد خافيا على احد، ان حركة فتح تعاني من ازمة بنيوية عميقة، تستهدف الرئيس أبو مازن وأعضاء اللحنة المركزية والمجلس الثوري وكل موروثها الكفاحي، ولا اضيف جديدا، ان اكدت، ان الخلل الأساس يكمن في الذات الفتحاوية، وليس في العوامل الموضوعية فقط: الاستعمار الإسرائيلي وحركة الانقلاب الاخوانية، والدول الشقيقة ودول الإقليم وأميركا ودول الغرب الأوروبي ... الخ. لان الذات المتمثلة بالنخب القيادية والكادرية، الباحثة عن الاستئثار بالمواقع الوزارية والأمنية والبرلمانية وغيرها من مراكز النفوذ، انغمس معظمها في الملذات، وسقطت الغالبية في استحقاقات حسابات القوى المؤثرة في صناعة القيادات، او الترويج لهم، ورفع اسهمهم. الامر الذي فاقم من عوامل الفساد الإداري والمالي التنظيمي الداخلي وفي الدوائر العامة للمنظمة والسلطة وأجهزتها.
ومن النماذج التي برزت في نطاق الصراعات والتجاذبات الخاصة والشخصية، وتصفية الحسابات، ان بادر بعض المتنفذين في مراكز القرار المختلفة المستويات، وخاصة في المؤسسة الأمنية بايلاء تركيزهم على اكثر من بعد، منها زيادة ومضاعفة ارصدتهم المالية مستفيدين من نفوذهم في المعابر وغيرها؛ تجييش الأنصار داخل اطر التنظيم عبر الرشوة والفساد الإداري والمالي؛ تقديم أوراق حسن السير والسلوك عند بعض القوى المتنفذة في المشهد الفلسطيني؛ بالاضافة لرصد تصرفات وعلاقات رفاقهم واخوانهم من الجنسين للي ذراعهم، وتطويعهم لخدمة اجندات خاصة .. وغيرها من المظاهر السلبية، وتلازم مع ذلك غياب المساءلة والشفافية والنزاهة مما فاقم من عمق الازمة الداخلية.
في ضوء ما تقدم، هل باتت الازمة مستعصية، ولا يمكن الخروج من اثارها وتداعياتها، ام هناك إمكانية لمغادرة المستنقع؟ اعتقد ان إمكانية الإصلاح قائمة وممكنة من خلال: أولا مكاشفة الذات من الأعلى للاسفل؛ ثانيا تصليب الأداة التنظيمية، وتعميق الوعي الوطني العام؛ ثالثا التركيز على استعادة روح الفكرة الفتحاوية؛ رابعا مغادرة المربع الإسرائيلي، وتنظيف الأجهزة الأمنية من أي شخص متورط بالتعاون مع العدو الإسرائيلي خارج نطاق مهمته الوظيفية المحددة؛ خامسا فصل التنظيم عن الأجهزة والسلطة والمنظمة، وإعادة نظر في الأشخاص والمواقع؛ سادسا تحديد حاسم وجازم لسنوات قيادة الأجهزة والمؤسسات العامة، بحيث لا تتجاوز الست سنوات مع التمديد؛ سابعا تصليب العمل النقابي الشعبي، وابعاد الأجهزة عنه؛ ثامنا دورية الانتخابات التنظيمية على كل المستويات، وابعادها عن روح الجهوية والمناطقية والعشائرية والقبلية والاستزلام والنفعية. وأيضا عكس ذلك على المستوى الوطني؛ تاسعا مساءلة كل مسؤول دون استثناء عن ادائه وارصدته، بحيث يشعر الجميع انهم تحت سيف القانون كاسنان المشط؛ عاشرا الفصل بين المسائل الشخصية والقضايا التنظيمية والوظيفية والكفاحية. ومن يتورط في ارتكاب جريمة التصوير والتسجيل للمناضلين من اقرانه او من الشخصيات الوطنية دون قرار من النائب العام والقضاء يحاكم، وتتخذ بحقه العقوبات الواجبة وفق روح القانون؛ حادي عشر في الهيئات القيادية الأولى يتحمل الجميع المسؤوليات كاملة عن أدائهم التنظيمي والوطني العام، والكف عن وضع الرؤوس في الرمال كالنعام، وتحمل المسؤوليات بشجاعة واقتدار. لا سيما وان التاريخ لا يرحم لاحقا كائنا من كان. كأن يخرج احد القيادات ويدعي انه لا حيلة لديه في الدفاع عن رأيه، مثل هذه الحالات من النماذج القيادية عليها الانسحاب من موقعها، حتى لا تبقى عبئا على ذاتها وعلى الحركة وعلى الشعب العربي الفلسطيني؛ ثاني عشر إعادة نظر جدية في اليات عمل الهيئات القيادية الفتحاوية وفي منظمة التحرير والحكومة والسلطة عموما بما يتوافق مع روح الديمقراطية ووفق المصالح الوطنية، وليس وفق الامزجة الشخصية؛ ثالث عشر مغادرة موقع المراوحة والانتقال فعلا لتوسيع وتطوير وتعظيم اشكال المقاومة الشعبية دون انتظار التطورات الإقليمية والدولية، والعمل على التصدي الجدي والفعلي لبلطجة جيش العدو ومقطعان مستعمريه وكل ادواته الاستعمارية بما في ذلك الإدارة "المدنية"؛ رابع عشر الالتزام الكامل والدقيق بتنفيذ كافة القرارات التي اتخذتها وقد تتخذها الهيئات المركزية في حركة فتح ومنظمة التحرير وخاصة المجلسين الوطني والمركزي، ورفع سوية ودور وهيبة اللجنة التنفيذية للمنظمة، ومغادرتها مواقع المراوحة.
بالمحصلة ما جرى ويجري داخل المشهد الفتحاوي يمكن معالجته من موقع الحرص أولا على دور ومكانة وريادة حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، كعمود فقري للحركة الوطنية؛ ثانيا مطالبة الاخوة المعنيين بالترفع عن الابعاد الشخصية في الاساءات التي حصلت او يعتقد انها حصلت، دون اغفال حق مساءلة ومحاسبة من ارتكب الخطأ او الخطيئة ضد الاخر؛ ثالثا التركيز على رص الصفوف الداخلية، والابتعاد عن خيار الشرذمة والتمزق والتصفيات الشخصية، لان مواصلة هكذا سياسة يعمق الهوة، ويخدم الأعداء والمتربصين بالحركة عموما وهيئاتها القيادية خصوصا، وللمرة الالف ساعود وأؤكد: بقدر ما تنهض حركة فتح، وتستعيد عافيتها وقدراتها الكفاحية، بقدر ما تنهض فصائل العمل الوطني، ويستعيد المشروع الوطني التحرري مكانته واولويته في اجندة المواجهة مع العدو الإسرائيلي؛ رابعا تعزيز الشراكة مع فصائل منظمة التحرير الفلسطينية دون استثناء وفي طليعتها الجبهة الشعبية وفق المعايير الوطنية وبرنامج الاجماع، والتوقف عن سياسة لي الذراع لتلك الفصائل والقوى، والتطبيق الخلاق للوائح التنظيمية والإدارية والمالية الناظمة لمنظمة التحرير؛ خامسا المحافظة على دورية اجتماعات المجلسين الوطني والمركزي، والاعداد الفوري لتشكيل المجلس الوطني الجديد وفق المعاير التي تم الاتفاق عليها مع فصائل العمل السياسي؛ سادسا في ضوء استفحال جرائم إسرائيل الاستعمارية ضد أبناء الشعب في كل محافظات الوطن تملي الضرورة اجراء مراجعة وطنية شاملة للبرنامج السياسي والكفاحي المعتمد حتى الان. لاني اعتقد ان المرحلة الحالية اكدت عدم ملائمته للتحديات الجديدة؛ سابعا تطبيق اتفاقيات المصالحة وطي صفحة الانقلاب الأسود على الشرعية بكل الوسائل الممكنة، وترتيب شؤون البيت الفلسطيني بما يستجيب للمصالح الوطنية العليا؛ ثامنا تعزيز العلاقة مع قوى حركة التحر العربية وحركة التحرر العالمية، دون اغفال التعامل السياسي والديبلوماسي مع المنظومة الرسمية العربية والإقليمية والدولية.
ملاحظة أخيرة، طلب مني احد الأصدقاء ان اجري اتصالا مباشرا مع الاخوة المعنيين بالتطورات الجارية داخل حركة فتح، مع اني وعدته بذلك، لكني لم افعل، ورأيت ان اكتب موجها رسالتي للجميع، ومخاطبا المعنيين وكل اركان القيادة من موقع الانتماء للوطن والقضية والمشروع الوطني ولحث الجميع لرفع سوية الانتماء لفلسطين كل فلسطين. وامل ان تكون رسالتي وصلت لاصحابها.
وساختم بكلمة مكثفة: ان لم نملك شجاعة قول كلمة الحق، فلندفن رؤوسنا في التراب. آن أوان المكاشفة مع الذات، والخروج من نفق الصمت والمراوحة والتأتأة ,,,
[email protected]
[email protected]