فلسطين ذاكرة العرب الأصيلة

بي دي ان |

19 ديسمبر 2020 الساعة 01:24م

في محطات وحقب التاريخ المختلفة كان لفلسطين منذ وجد الإنسان فيها قبل عشرة الاف عام في مدينة القمراريحا، نصيب كبير من ذاكرة العرب خصوصا والحضارات واتباع الديانات السماوية عموما، ليس لإنها دولة شاسعة، ولا لإنها دولة قوية وعظيمة، ولا إرتباطا بالتطور الإجتماعي والإقتصادي، وأي كان شكل وطبيعة النظام السياسي الذي تتبع، او تخضع له. بيد انها كانت، ومازالت تدين لهويتها وإنتمائها الحضاري والتاريخي والجيوبولتيكي العربي من المحيط إلى الخليج، ولم تخلع يوما ثوبها وثقافتها العربية، رغم مرور قوافل متعاقبة من اشكال الإستعمار باسماء وعناوين مختلفة، وإدعاءات قوى إستعمارية بإعتبارها جزءً من ممالكها، كما الرومان والأغريق والصليبيون عموما والفرس، واتباع الديانة اليهودية، الذين أقاموا مملكتين صغيرتين في القدس ونابلس إندثرت، ولم تترك اثرا دالا على وجودها قبل اكثر من الفي عام.
وكانت القدس،عاصمة فلسطين الأبدية عنوانها الأعظم، ونقطة الإستقطاب الأبرز، والمدينة الأكثر حضورا في اجندات الأطماع الإستعمارية المتعاقبة لميراثها التاريخي والديني والثقافي، وللموقع الإستراتيجي في جويبتك الصراع بين الأقطاب المتنافسة، ولعلاقتها بالأنبياء والرسل بدءً من ابو الأنبياء إبراهيم وابنائه يعقوب واسحاق واسماعيل والأسباط جميعا وموسى وهارون وعيسى ومحمد عليهم جميعا الصلاة والسلام. ورغم اشتداد الصراع والأطماع فيها وعليها، إلا انها لم تنصاع، ولم تستكن لغاصب أو محتل مهما علا شأنه وجبروته ووحشيته، وبقيت قبلة العرب والمسلمين، وعنوانا اساسيا من عناوين مجدهم، وحاملة ذاكرة بطولاتهم وإنتصاراتهم، ورمز عزتهم، وعنفوانهم.  
وفي الزمن المعاصر مع تشكل الدول القومية في عصر النهضة الأوروبي، وإحتدام الصراع بين الإمبراطوريات على تقاسم النفوذ على العالم كانت فلسطين على أولويات اجندة دول الغرب الرأسمالي، وعاملا  اساسيا من العوامل الموحدة للغرب الصليبي، ونقطة إرتكاز لإستقطاب الصهاينة مغتصبي الديانة اليهودية منذ القرن السابع عشر وتحديدا في 1648/19653 لتكون أداتهم في نهب ثروات وخيرات العرب كل العرب دون استثناء من جهة، والحؤول دون نهوضهم وتطورهم وإستقلالهم وصولا إلى مؤتمر كامبل نبرمان، واتفاقية سايكس بيكو، ومؤتمر سان ريمو ووعد بلفور والإنتداب البريطاني حتى تاسيس الدولة الصهيونية على حساب مصالح وحقوق ابناء الشعب الفلسطيني 1948، وحمايتها ودعمها بكل مقومات البقاء على حساب العرب جميعا. ولم يكن إقامة الدولة الصهيونية في فلسطين عن سذاجة، او عملا إعتباطيا، إنما إسقاطا رغبويا وإرادويا من قبل الغرب الرأسمالي، الذي وجه وركز خيار الحركة الصهيونية، اداته الوظيفية الإستعمالية على فلسطين دون المشاريع الأخرى، التي كانت مطروحة في اوساطها: الأرجنتين واوغندا وليبيا ... إلخ، لإنها تحتل موقعا إستراتيجيا في الوطن العربي، وإغتصابها مكنهم من تمزيق وتفتيت العرب عن بعضهم البعض، وفصل القسم الآسيوي عن القسم الأفريقي من بلاد العرب، وحال دون وحدتهم وتحررهم السياسي والإقتصادي، وأمكنهم من إقامة انظمة تابعة ومرتهنة لإجندة الغرب الرأسمالي واداته الصهيونية معا.  
ولم يحدث حدث في التاريخ العربي إلآ وكانت فلسطين عنوانا له، لإنها كانت مفتاحا رئيسيا من مفاتيح القومية العربية، ورافعة من روافعها، ومصدرا للإلهام والعطاء والتضحية، وركيزة اساسية لإستعادة العرب عافيتهم، وحريتهم، ونهضتهم. وهذا التأكيد ليس نابعا من العاطفة، او تضخيم للمسألة الفلسطينية، ولا إنتقاصا من قيمة ومكانة اي مدينة او دولة عربية، وانما لعلاقتها بمستقبل ومكانة الأمة العربية تحت الشمس. وكما دائما اجزم، ان قوة العرب من قوة مصر الشقيقة الكبرى، وضعفهم من ضعفها، أجزم ايضا ان ذاكرة العرب، ومصدر تعزيز وتعميق هويتهم القومية، ورافعة مشروعهم القومي، كانت ومازالت فلسطين العربية. لإنه بمقدار ما يتحرر العرب من المشروع الكولونيالي الصهيوني، بمقدار ما تستعيد القومية العربية دورها ومكانتها، لإنها ستتحرر من التبعية والخنوع للسوق الرأسمالي الغربي. لهذا ستبقى فلسطين قبلة وذاكرة العرب شاء المطبعون المستسلمون ام أبوا، لإن فلسطين في وجدان وعقل وتفكير كل عربي مؤمن بوطنيته وقوميته ومستقبله.
[email protected]
[email protected]