هجوم الوعران على الفنانين

بي دي ان |

12 يوليو 2022 الساعة 12:20ص

مدينة الانفتاح والثقافة والفن والتسامح تتعرض بين الفينة والأخرى لهجمات واعتداءات من قبل مجموعات خارجة على القانون، او بعض أعداء المعرفة والتنوير بذرائع وحجج واهية لضرب مكانتها واهميتها السياسية والثقافية. مدينة رام الله العاصمة المؤقتة كانت يوم الجمعة الماضي الموافق الثامن من تموز / يوليو الحالي عشية عيد الأضحى، وفي ذكرى رحيل الاديب والمفكر والمناضل المبدع غسان كنفاني الخمسين عرضة لهجوم من زعران البلدة القديمة ضد فرقة عشتار الفنية وطلبة مسرحها وضيوفها الفنانين الامميين المناصرين لقضية فلسطين قبل انطلاق مسيرتها الفنية، مما أدى لاصابة العديد من المشاركين في المسيرة، التي لم تتم نتاج بلطجة تلك المجموعة العبثية بكسور ورضوض.
وكانت مديرة مسرح عشتار، ايمان عون صرحت ل"راية"، انه في بداية تحضيرنا لخروج المسيرة، تفاجأنا بمجموعة من الشباب قاموا بطرح العديد من الأسئلة حول الألوان ومن نحن وماهية الفعالية، ثم بدأوا بالاعتداء على المشاركين في المسيرة، وكان بحوزتهم عصي وحجارة. وأكدت عون، ان بعض الشباب لاحقوا المشاركين الى ساحة البلدية واعتدوا عليهم مرة أخرى، وللأسف حينئذ لم تحاول الشرطة التدخل لوقف جريمة الزعران الخبيثة.
وذكر بيان فرقة عشتار عقب الاعتداء المعيب والمخزي، والذي يعكس الجهل والامية، ان "مجموعة من الزعران اعتدت (عند الساعة الخامسة والنصف من مساء الجمعة) على مجموعة من ضيوف مسرح عشتار الدوليين، وطلابها اثناء الوقوف امام المحكمة العثمانية، ولم تكن هناك مسيرة في الشارع، وانما انتظار وجود الشرطة، التي أعطت الاذن للمسيرة الفنية، ثم تراجعت عنه (لماذا؟ وما هي الأسباب؟ وما هي الخلفيات؟) لذا لم تتم المسيرة، ومع ذلك تم الاعتداء على الفنانين، وهم مكانهم واقفين، ويحزمون امتعتهم؟؟؟
مع العلم كان يفترض ان تبدأ المسيرة وفي مقدمتها العلم الفلسطيني وخريطة فلسطين وتتبعها الدمية الكبيرة. لكن الزعران الافاقين بادروا بالهجوم دون سبب يذكر، سوى تلفيق تهمة كاذبة لا أساس لها من الصحة، والادعاء بان المسيرة ل"لمثليين"، وهذا يكشف ان هناك عملية تحريض مقصودة على الفرقة، واهداف المسيرة. رغم ان الهدف الاحتفاء بعيد الأضحى، وإدخال البهجة على المدينة وسكانها. لا سيما وانه كان معهم دمية كبيرة لنثر الفرح والسعادة على الأجيال المختلفة ومن الاعمار كلها، أطفالا ونساءا وشيوخا وشباب.
كان الهجوم مدبرا وهادفا لهدم روح الفن والثقافة والتنوير، ويعكس خطورة ما يشهده المجتمع الفلسطيني من تراجع، وانحراف عن بوصلة التقدم، والنهوض بثقافة ورقي الشعب عموما والاجيال الصاعدة خصوصا. وهذا يحتاج من جهات الاختصاص في المؤسسة الرسمية والمؤسسات الخاصة وفصائل العمل الوطني ومنظمات المجتمع المدني والقطاع التربوي والثقافي بمستوياته كافة للتكافل والتعاضد فيما بينها، وكل من موقعه ومسؤولياته للتصدي للبؤر المتخلفة والعدمية ولقوى الردة من مختلف المدارس والفرق دينية واجتماعية لاعادة الاعتبار أولا للفنانين عموما، وفرقة عشتار خصوصا؛ ثانيا حماية المجتمع من الثقافة الصفراء المعادية للفن والثقافة والمعرفة؛ ثالثا صون القيم الوطنية والاجتماعية الإيجابية، التي لا تتعارض مع قيم واخلاق ومعايير المجتمع الفلسطيني؛ رابعا تكريس سياسة التسامح والتعاضد والتكافل الاجتماعي والاخوي بين أبناء الشعب بمختلف طبقاته وشرائحه؛ خامسا دعوة رجال الدين المسلمين والمسيحيين والسمرة لبث روح الوحدة في صفوف المواطنين، وتعزيز روح الشراكة؛ سادسا الاهتمام بالتراث والموروث الثقافي للشعب، والتمييز بين الفن وغير الفن.
ان ما جرى في البلدة القديمة للمدينة جرس انذار جديد يستدعي من الكل الوطني وخاصة المؤسسات الرسمية التنفيذية تحمل مسؤولياتها في صون الحرية والديمقراطية ودعم الفرق الفنية بكل الإمكانيات لتنهض بدورها الريادي في بناء مجتمع فلسطيني عصري بمعايير الوطنية الفلسطينية لينافس الشعوب والمجتمعات المتقدمة باصالته وثقافته وعراقته وابداعاته ليتمكن من مجابهة العدو الصهيوني واذنابه من المتردين والمنحرفين والغوغائين. وبمقدار ما يتمكن النظام السياسي الفلسطيني من ترسيخ معايير الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير والتسامح والتكافل، بمقدار ما سيتمكن من التصدي لدولة التطهير العرقي الإسرائيلية وادواتها داخل المجتمع. ودرء اخطار سياساته الاجرامية في طمس الهوية الوطنية، واستباحة موروث الشعب الحضاري.