المعلم مفتاح المعرفة

بي دي ان |

17 ديسمبر 2020 الساعة 07:22ص

منذ بدء الخليقة والإنسان يتلمس طريقه نحو النور والمعرفة للخروج من ظلمات الجهل والأمية، وسَّبر اغوار العوالم المحيطة به. وسعى لإستنطاق ومحاكاة الظواهر الطبيعية والإجتماعية بتحربته الخاصة وتجارب المحيط والأقوام الأخرى. بيد ان ذلك لم يف بالوصول لما يطمح له، مما دفع النبغاء والفلاسفة والعلماء من كل المشارب على نقل الإنسان من حالة التواصل الشفوي، إلى حالة جديدة تجمع بين بعدين الشفوي والكتابي المقروء مع خلق وإنتاج الأبجديات وتطوير اللغات، وإغنائها بالمعارف وفق تطور كل مجتمع من المجتمعات ارتباطا بالتحولات النوعية في مناحي الحياة المختلفة، وصولا لما نحن عليه اليوم من تطور عاصف تعيشه البشرية مع ولوج عالم السيبيرانية.
وهذا التحول ما كان له، ان يبلغ ما نعيشه إلا بتطور عملية العلم والمعرفة في ميادين العلوم والثقافة الواسعة والعميقة، والتي كان عمادها وعنوانها الأساس المعلم، حامل معول وراية العلم لنقلها للأجيال المتعاقبة. ولولاه لما حققت البشرية ما حققته. نعم مدرسة الاسرة تساهم في التأصيل لعملية التربية والأخلاق، وتفتح قوس العلم امام الأبناء من الجنسين، لكنها لا تملك سوى النذر اليسير مما يحتاجه الأبناء والمجتمع ككل، وهو الجهد الموكل، والمنصب على عاتق وكاهل المعلم في مراحل التعليم المختلفة.
وللمعلم في فلسطين خصوصا والعالم عموما أكثر من دور ومسؤولية، فهو بالإضافة لتقديم قواعد المعرفة والعلوم للتلاميذ والطلاب، يقوم بتنشئة الأجيال الجديدة على حب الوطن، والدفاع عنه، ونقل تاريخ وميراث وحضارة الشعب والأمة لها، وغرس المعايير والقيم الأصيلة بينهم وفيهم ولهم، لينقلوها بدورهم للإجيال القادمة. وبالتالي لم يكن إختيار يوم المعلم الفلسطيني بالصدفة في ال14 من كانون اول / ديسمبر، انما إرتنبط ذلك إرتباطا عميقا بالكفاح الوطني، وعمد لحظة وطنية جسدها المعلمون الفلسطينيون عام 1972، عندما تعرض العشرات منهم للقمع والتنكيل على ايدي جلاوزة المستعمر الصهيوني، لدورهم الريادي في تعزيز وحماية العملية التعليمية، ورفضهم إملاءات إدارات المستعمر في تزوير التاريخ الوطني، أو إختزال تاريخه وثقافته وهويته الوطنية، كان يوم ال14 من كانون اول/ ديسمبر عام 1982، الذي انطلقت به اول مسيرة للمعلمين من مدرسة المغتربين في مدينة البيرة دفاعا عن المنهاج الوطني، ومطالبهم النقابية، مما عرضهم للتنكيل والقمع والإعتقال، وتلا ذلك إضرابا طويلا استمر 75 يوما متتاليا حتى رضخت سلطات الإستعمار الإسرائيلية لمطالبهم. ولم يتوقف نضالهم عند ذلك الحد، بل واصلوا الدفاع عن نضال الشعب وسجله الكفاحي في حقب التاريخ المختلفة، ومنذ ذلك التاريخ إحتل يوم الرابع عشر من كانون اول مكانة متميزة في كفاح المعلمين، مما حدا بجهات الإختصاص مع القيادة لتعميده يوما للمعلم الفلسطيني عرفانا بكفاحهم، وتكريسا لدورهم الريادي، وتقديرا لجهودهم المتميزة والمتفانية في تعميق العملية التعليمية.
وما تقدم ليس سوى عنوان من عناوين النضال الوطني في محافظة من محافظات الوطن، لإن المعلم الفلسطيني في الوطن والشتات شكل دائما وابدا رافعة من روافع الكفاح التحرري، وكانوا المعلم والمربي والقائد، ومتقدم الصفوف في ميادين الحياة المتشعبة. وكانت تجربة الإنتفاضة الكبرى 1987/1993 محطة هامة جدا في حماية العملية التربوية، التي تعمقت بتوسيع دائرة التعليم الشعبي في البيوت والنوادي وحيثما امكن ذلك. والتي تتجدد الآن في ظل جائحة الكورونا، حيث يثابر المعلمون عبر تقنيات التواصل الإجتماعي "الزوم" وغيره لنقل المعارف والعلوم لكل الأجيال من الأطفال حتى الجامعيين والدراسات العليا.
هذا الجهد الإبداعي المتعاظم للمعلم يحتاج دوما وابدا إلى الوفاء والدعم والإسناد والإنصاف من قبل كل المستويات القيادية، لإنه لا يستحق الثناء والتبجيل بالكلمة فقط، وانما بالمقابل المادي، الذي يشد من عضضه، ويعزز من مكانته داخل المجتمع، والعمل على تأهيله بشكل دوري ومنتظم للإرتقاء بالعملية التعليمية. ونعلم جميعا، ان مجتمعا ما يسعى للنهوض والتطور واللحاق بركب العصر، عليه اعطاء الأولوية للمعلم، لإنه بمقدار ما يكون المعلم مؤهلا وكفؤا بمقدار ما تخلق جيلا ومجتمعا ناجحا ومتقدما، والعكس صحيح. ويمكن الجزم بمقدار ما تؤهل المعلم بمقدار ما تنتج مجتمعا متعلما ومتقدما ووطنيا بامتياز، لإن العلم احد اهم الأسلحة في كل العصور. وعندما يقال، ان المجتمع الفلسطيني لا يملك النفط والثروات الطبيعية، ولكنه يملك العقول، التي هي رأس المال الأساس، إذا كرموا وساندوا المعلم، وهيئوا له شروط الحياة اللائقة، وعززوا مكانتة في المجتمع.
[email protected]
[email protected]