ذرائعية السيادات المشروخة

بي دي ان |

15 ديسمبر 2020 الساعة 07:11ص

قطار التطبيع الاستسلامي يجرف في طريقة بقايا سيادات الدول العربية، ويحرف بوصلة الصراع العربي الصهيوني، ويقلب معادلات مرتكزات السياسة العربية الرسمية رأسا على عقب. تتهاوى انظمة الحكم مقابل فتات من رشاوي تاجر العقارات الافنجليكاني المهزوم، ولتغطي انهيارها المهين لجأت لذريعة ممجوجة ومفضوحة، عنوانها السيادة، والقرار السيادي الوطني! مع ان الجميع يعلم أن سيادات الدول العربية مشروخة وممزقة منذ وجدت اسرائيل على انقاض نكبة الشعب العربي الفلسطيني عام 1948، ورغم النهوض القومي بعد ثورة يوليو 1952 المصرية، وما تلاها من صعود للروح القومية العربية في العديد من الدول، وإنتعاش حركة التحرر الوطني العربية، بيد انها سرعان ما انكفأت وتراجعت بعد هزيمة حزيران 1967، وخصوصا بعد انتصار اكتوبر 1973 مع ولوج انظمة الطوق العربية المسارات المنفردة في المفاوضات مع دولة الاستعمار الاسرائيلية، التي قادها هنري كيسنجر، وزير خارجية اميركا الاسبق. وبقيت تتراجع المسألة القومية مع الإستفراد الصهيو اميركي لقلاع الصمود العربي في العراق وسوريا واليمن وليبيا وبلدان المغرب العربي ولبنان والصومال والسودان وقبلهم وبعدهم في فلسطين، والتي بلغت الذروة مع ما يسمى "ثورات الربيع العربي" وتداعياتها المختلفة والمعروفة في مطلع العقد الثاني من الالفية الثالثة، والتي ركبت على ظهرها جماعة الاخوان المسلمين، والجماعات التكفيرية، التي انتجتها ودعمتها الولايات المتحدة والغرب الرأسمالي عموما وصتيعتهم دولة اسرائيل المارقة.
موضوعيا نجح العدو الصهيو اميركي الغربي في تهشيم وتمزيق وحدة الموقف العربي الرسمي بعد تمرير وتجريع العرب إتفاقيات التطبيع المذلة المتعاقبة، والإعتراف المجاني بدولة اسرائيل الإستعمارية من قبل بعض اهل النظام العربي الرسمي في متوالية هندسية وبطريقة مهينة ومفجعة يجللها العار.
لم يعد امر التطبيع الإستسلامي لهذة الدولة او تلك يستدعي الرد التفصيلي، لإن المسألة تعدت لحظة الغضب، وردود الفعل الإنفعالية، التي لا تجدي نفعا، وكون الإنفعال يعكس جهل الواقع، وتغييب حقيقة، ان النظام العربي الرسمي سقط منذ سقطت فلسطين في قبضة المستعمرين الصهاينة، وكل التحولات العربية اللاحقة الأيجابية والمضيئة اللحظية في ال70 عاما الماضية غابت، وإندثرت مع تسيد انظمة فاشلة ومهزومة، وتابعة للغرب الرأسمالي، وبعضها شريك من تحت الطاولة ومن فوقها في محاصرة وتطويق قضية العرب المركزية، قضية فلسطين خصوصا وحركة التحرر العربية عموما.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه على الدول المطبعة حاليا، والتي ستلحق بركب الإنسحاق والغوص في مستنقع العدو الصهيو اميركي، عندما تبنيتم مبادرة السلام العربية في قمة بيروت العربية عام 2002 بمحدداتها الأربع: انسحاب اسرائيل من اراضي دولة فلسطين المحتلة اولا، إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية ثانيا، وعودة اللاجئين الفلسطينيين على اساس القرار الدولي 194 ثالثا، الإعتراف والتطبيع مع دولة المشروع الرأسمالي الصهيونية رابعا، الم تكونوا في وعيكم؟ هل صادقتم عليها، وانتم في حالة غيبوبة عن الوعي، ام ان القيادة الفلسطينية او صاحب المبادرة الأمير عبد الله بن عبد العزيز (قبل ان يصبح ملكا) ضللوكم، ام انكم اردتم دحرجة عملية الإستسلام وفق مبدأ "الخطوة خطوة" الكيسنجري؟ وهل كانت انذاك سياداتكم مفقودة وغير موجودة، والآن استيقظتم وإستعدتم سيادات دولكم المرهونة لسادة الغرب عموما وراعي البقر الأميركي خصوصا؟ وهل تعتقدوا انكم بلهاثكم الذليل، والركض في متاهة العدو الصهيو اميركي يمكن ان تحفظوا ماء وجوهكم؟ وهل تعتقدوا ان اسرائيل ستقبل خيار السلام الممكن والمقبول فلسطينيا وعربيا فيما مضى، ان لم تقبله وانتم نسبيا ورسميا خارج دائرة التطبيع، هل ستقبل به الآن وبعد ذلك؟ كيف؟ وعلى اي اساس؟ وما هي معاييركم لتحقيق ذلك، بقلب معادلة الصراع ومبادرة السلام العربية، وبالتخلي عن ورقة التوت التي غطت، وكانت تغطي عوراتكم فيما مضى؟ الم تدركوا انكم ستؤكلون يوم اكل الثور الأبيض؟ ام اذكركم بقصة الحمار الذي إصطاد اسدا، وإفترض انه بات سيد الغابة، ونام على وسائد الوهم وخديعة الذات، حتى إلتهم الأسد كل قطيع الحمير واحدا تلو الآخر، حتى إلتهم الحمار ذاته المغفل والساذج؟
أكدت فيما مضى وبعد السقوط في وحول التطبيع الإستسلامي، ان النظام الرسمي العربي، الذي كنا نعرفه، طويت صفحته، ومات، وما بقي منه لا يسمن ولا يغني من جوع. وأعود وأؤكد على ان العالم العربي دخل منذ إحتلال العراق عام 2003 مرحلة جديدة ونوعية من الإنهيار التام. ولم يعد امام الجماهير العربية ونخبها السياسية صاحبة المصلحة في التغيير الحقيقي إلا ان تنهض من جديد، لإنها لم توافق على فضائحكم التطبيعية المذلة، ولن تتساوق معكم، ولن تقبل بهزيمة المشروع القومي العربي النهضوي، وآن لها وعليها ان تستعيد عافيتها، وترفع راية إنعتاقها وتحررها من جرائر افعالكم وعاركم. وقادم الأيام كفيل بالرد.
[email protected]
[email protected]