الكونغرس والاعتراف بالنكبة

بي دي ان |

16 يونيو 2022 الساعة 01:54ص

المشهد الأميركي ليس سوداويا تماما، بالتأكيد فيه من الظلم والغبن والشر الداخلي والخارجي ما يكفي ليعمي العيون، ويحول دون رؤية التلاوين الأخرى، او ليغطي عليها، ويحجبها عن انظار المراقبين. بيد ان الحقيقة تؤكد ان فيه من الصفحات البيضاء المتناثرة، ما يفتح الأفق على بعض التغيرات الكمية الإيجابية، والتي تشكل روافع متنامية تدريجيا لامكانية تحولات كيفية على اكثر من مستوى وصعيد.
والمجتمع الأميركي بما له وعليه من المجتمعات الديناميكية والحيوية، رغم سطوة الدولة العميقة ومرجعياتها من اباطرة رأس المال المالي والصناعي والتكنولوجي، الا ان الديمقراطية البرجوازية في الولايات المتحدة تسهم في توسيع دائرة الاختراق هنا وهناك، والتي قد لا تبدو ذات شأن قياسا بمنسوب ما تنتجة من إرهاب وشرور داخل حدود المجتمع وعلى المستوى الإقليمي والعالمي.
ودون استطراد في العموميات، وبالولوج لمتن الموضوع، فإن الخطوة الصغيرة والهامة جدا، التي اقدم عليها عدد من أعضاء الكونغرس الأميركي بينهم رشيدة طليب والهان عمر وبيتي ماكولم وماري نيومان واوكاسيا كورتز يوم الاثنين الموافق 11 أيار / مايو 2022 بتقديم مشروع قرار للكونغرس للاعتراف بالنكبة الفلسطينية، باعتبارها جريمة كارثية لا تزال اثارها متواصلة لليوم على الفلسطينيين. ويتضمن مشروع القرار الإقرار بالطرد الجماعي للفلسطينيين من فلسطين التاريخية عام 1948. وربط ذلك بأزمة اللاجئين، ودور الولايات المتحدة في دعم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل الاللاجئين الفلسطينيين (الاونروا). وطالب مشروع القرار باستمرار دعم "الاونروا" عبر "دعم تنفيذ القرارات المتعلقة بحقوق اللاجئين الفلسطينيين المنصوص عليها في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 والاعلان العالمي لحقوق الانسان."
ويدعو القرار إلى اعتراف البرلمان الأميركي بالنكبة، ويطالب ب"احياء ذكرى النكبة من خلال الاعتراف الرسمي بها، والتذكير بها كل عام." كما ويطالب القرار برفض "الجهود المبذولة لتجنيد أو اشراك او ربط حكومة الولايات المتحدة بإنكار النكبة." بالإضافة لتشجيع المشروع على "التثقيف والفهم العام لحقائق النكبة."  
مما لا شك فيه، ان فكرة رفع مشروع القرار للكونغرس الأميركي يعتبر اختراقا مهما لدائرة التشريع الأميركية الأولى، والتي سيطر عليها انصار الايباك الصهيوني وانصارهم من الحزبين الجمهوري والديمقراطي طيلة العقود الماضية من عمر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ويعتبر سابقة مهمة الكونغرس، ويعكس حجم التحول النسبي والمتواضع في أوساط المشرعين الاميركيين، ولكنه بمضامينه السياسية والقانونية يعني الكثير، كونه أولا يعتبر تحولا إيجابيا مهما صغر شأنه؛ ثانيا كسر حدة الهجوم الصهيو أميركي داخل الكونغرس؛ ثالثا شكل ويشكل نقلة هامة يمكن المراكمة عليها لتقديم مشاريع قوانين وقرارات ذات صلة بدعم الكفاح الوطني الفلسطيني لتحقيق أهدافه السياسية؛ رابعا وضع كوابح صغيرة امام تغول التشريعات الصهيو أميركية لدعم دولة التطهير العرقي الإسرائيلية؛ خامسا يساهم في توسيع وتعميق دائرة التثقيف والمعرفة اكثر فاكثر بالرواية الفلسطينية الاصلانية. وهو ما يعزز تدريجيا من مكانة الحضور الفلسطيني في المشهد الأميركي، الذي بات ملموسا في السنوات القليلة الماضية داخل مختلف الولايات الأميركية.
كما ان مشروع القرار جاء بالتلازم مع التحول النسبي داخل أوساط اتباع الديانة اليهودية وخاصة من الشباب، الذين تمردوا على الرواية الصهيونية المزيفة، وباتوا يرفضونها علانية وفي مختلف المنابر، ولم يعودوا صدى صوت للاسطوانات الصهيونية المشروخة والمفضوحة، وساعد في ذلك تصاعد عربدة ووحشية الانتهاكات وجرائم الحرب الإسرائيلية، ورفضها لخيار السلام.
وبالنتيجة الملموسة بحدودها المتواضعة، ولكن المتنامية هناك تلاوين جديدة داخل اللوحة السياسية البرلمانية والإعلامية الثقافية الأميركية، وبات اللون الأبيض تتسع مساحة حضوره، رغم كل خطايا وموبقات الإدارات الأميركية المتعاقبة تجاه مصالح وحقوق الشعب العربي الفلسطيني. لكن التحول الكيفي يحتاج الى وقت وجهد وفعل هادف وفق خطة عمل شاملة رسمية وشعبية فلسطينية وعربية واممية ومن كل انصار السلام والحرية والعدالة.
[email protected]
[email protected]