الفلسطينيون متمسكون بثوابتهم

بي دي ان |

13 يونيو 2022 الساعة 12:17ص

في الانعطافات التاريخية المعقدة والصعبة في حياة الشعوب إن كانت مستقلة او مستعمرة تطفو على السطح فقاعات صابونية بين الحين والأخر يروج لها المتنفذون والمستفيدون من اثارتها، لضرب عصفورين بحجر واحد، أولا قياس ردود الفعل عليها؛ ثانيا تعويم تلك الأفكار داخل الأوساط الشعبية المستهدفة للتشكيك بالاهداف الأساسية لها، او حرف بوصلة الصراع، وشق الجبهة الداخلية. اضف الى ان نشر سموم بلالين الاختبار الصفراء المعادية او المتناقضة مع الرأي العام السائد في جبهة الشعب او النظام السياسي يستهدف زيادة وتوسيع دائرة الإحباط، ومضاعفة الضغوط النفسية والمعنوية بالتلازم مع ضغوط مالية اقتصادية واجتماعية وامنية وثقافية لتمرير تلك البلالين او بعضها.
الفقرة انفة الذكر لها صلة عميقة ببالون اختبار قديم جديد مشحون باليأس والإحباط، والدعوة للاستسلام، والتنازل عن الثوابت والمصالح العليا طرحه الدكتور منذر الحوارات على موقع "العربية نت"، وأعاد نشره موقع "نور نيوز" يوم السبت الماضي الموافق 11 حزيران الحالي، ومن القراءة السريعة لعنوان المقالة "مملكة فلسطين الهاشمية.. أيها الفلسطينيون عليكم التنازل عن حقوقكم" تقرأ خلفية الكاتب السوداء وهدفه التخريبي المباشر، وهو ما تضمنه متن المقال  بالتالي: أولا إسرائيل حقيقة واقعة، وعليكم التعامل معها كحقيقة راسخة وثابتة، ويقول "وهذا الامر حصل فعلا من خلال اتفاقيات السلام التي وقعت.."؛ ثانيا على الشعب الفلسطيني ان يكون "واقعيا"، وبالتالي مطلوب لتكريس الواقعية التخلي عن حق العودة كليا، ويقول بهذا الصدد، ان حق العودة "لن يتم باي يوم من الأيام بسبب قوة إسرائيل، وعدم وجود إمكانية للانتصار عليها". وعطفا على ذلك عليهم "ان يملكوا هوية قانونية ومواطنة تحظى بالاحترام عالميا. ولكن ليست الهوية الفلسطينية"؛ ثالثا وارتباطا بذلك عليهم، ان يقبلوا التوطين حيثما لجأوا؛ رابعا اما موضوع القدس، هو موضوع قابل للمساومة للحصول على مكاسب، بتعبير اخر يقر مبدئيا التخلي عن "الاستاتيكو التاريخي"، ويمنح الحق للاسرائيليين عليها، وان تمكن الفلسطينيين والاردنيين والعرب من تحقيق بعض الإنجازات مثل "الصلاة في المسجد الأقصى" وأداء فروض العبادة المسيحية في كنيسة القيامة، فهذا جيد، ويعتبره "مكسبا". لكنه لم يلغ ولم يسقط حق التنازل الكلي عنها، خامسا والمحصلة لهذه التنازلات تقوم على القبول الأردني بالاندماج مع الفلسطينيين في دولة واحدة تحت "مسمى دولة فلسطين الهاشمية، والتي تضم قطاع غزة والضفة الغربية" وفق الرؤية الاسرائيلية؛ سادسا وبعد توسيع المملكة الهاشمية يقترح "سحب الاعتراف من منظمة التحرير الفلسطينية" الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني؛ سابعا ولتمرير ذلك يقترح الحوارات "اجراء استفتاء شعبي لجميع الفلسطينيين" مفترضا قبولهم بالصيغة المطروحة؛ ثامنا في حال فشل هذه الخطة ستقوم إسرائيل بفرضها عنوة من خلال ما يسمى "الترانسفير"، أي التطهير العرقي لسبعة ملايين فلسطيني ودفعهم نحو الأردن "الوطن البديل"، وذلك للتخلص من مأزق الديمغرافيا، ويعتقد من يقف خلف الحوارات، ان الأردنيين والفلسطينيين من طينة طائفية واحدة في اغلبهم، أي من السنة، وبالتالي الأقلية الأردنية او الفلسطينية المتزمتة الرافضة هذا الخيار يمكن اسكاتها اما بالاغراءات او بالعصا الغليظة؛ ثامنا وجانب اخر لتحفيز الأردن للقبول بالخيار السياسي، ولاخراجه من ازماته المالية وفشله الاقتصادي سيتم ضخ المساعدات المالية الدولية والخليجية له. ولكن ان رفض ذلك، إضافة للترانسفير تحجب تلك المساعدات المالية كليا، ويفرض الحصار عليه لتركيعه، مما يؤدي لانهياره الاقتصادي بحيث يصبح دولة ومجتمع فاشل، وادخاله في تيه الفوضى والفلتان والحرب الاهليه.
من قرأ محددات اقتراح أصحاب الاستسلام الابراهيمي لا يراه طرحا جديدا، خاصة وان هكذا مشاريع طرحت سابقا، وواكبت عقود الصراع العربي الصهيوني منذ البديات، ولكن عودة طرحه مجددا، وفي هذا التوقيت بالذات، لم يكن وليد الصدفة، او مجرد وجهة نظر عابرة اثارها صاحب رأي، انما هو طرح يعكس طبيعة المرحلة، وما تتداوله القوى صاحبة المصلحة في تصفية القضية الفلسطينية، والهادفة لتبديد المشروع الوطني الفلسطيني وشطب الهوية الوطنية الفلسطينية عبر ما يسمى "الوطن البديل"، وأيضا شطب الهوية الاردنية. وفي ذات الوقت نسف مقولة الملك عبدالله الثاني والرئيس محمود عباس القائلة "الأردن للاردنيين، وفلسطين للفلسطينيين." التي لا تهم القائمين على المخطط الخطير.
ومن هنا نلحظ التالي: أولا رفض إسرائيل لاية تسوية سياسية وفي مقدمتها خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967؛ ثانيا رفض التعامل من حيث المبدأ مع الشريك الفلسطيني، وترويض الفلسطينيين من خلال مشروع التحسينات المعيشية، او الخيار الاقتصادي، وأيضا مؤقتا حتى تحين لحظة "الترانسفير" او "القبول الطوعي بالمملكة الجديدة"؛ ثالثا حل ازمة الديمغرافيا في إسرائيل، وفي ذات الوقت، خلق الشروط المؤاتية للدولة الصهيونية النقية؛ رابعا دمج إسرائيل في اطار الجامعة العربية كشريك أساسي ومقرر فيها، وهو ما يجري التمهيد له بالحلف العربي الإسرائيلي الأمني، الذي تعمل إدارة بايدن على إخراجه للنور قريبا.
وبودي ان أؤكد، ان الشعب الفلسطيني وقيادته الشرعية وفصائله الوطنية ونخبه السياسيه ومنابره الثقافية وكل مكون من مكوناته يرفض هذا المشروع جملة وتفصيلا، ولا يقبل القسمة عليه، ولن يمر مهما كلف من تضحيات، لا بالترانسفير ولا بقطع المساعدات المالية، ولا بالايغال في جرائم الحرب الصهيونية، ولا باي وسيلة قهرية كانت. وكما قاوم على مدار ال74 عاما الماضية، ودافع عن هويته الوطنية، وفجر ثورته المعاصرة، وتمكن من الارتقاء بمكانة منظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد امام منابر الدنيا، لن يسمح باقل من ثوابته الوطنية المعلنة وفي مقدمتها حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس، والمساواة الكاملة لابناء الشعب في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة. اما بقاء إسرائيل كحقيقة من عدمه، فهذا الامر متروك للمستقبل المنظور، وليس البعيد ليبت بذلك. وبالتالي ما اثاره الحوارات مصيره لن يكون افضل حالا من كل المشاريع التآمرية السابقة.
[email protected]
[email protected]