فوبيا العلم الفلسطيني

بي دي ان |

02 يونيو 2022 الساعة 12:05ص

الحرب والسلام مفهومان متناقضان بالدلالات الفكرية والسياسية والقانونية، رغم ان جذرهما يعود للصراع السياسي والاقتصادي، وما بينهما من روابط ونتائج أيضا شديد وعميق الصلة بالمفهومين السابقين. لان أدوات كل منهما مختلفة ومتنافرة، وسبل الوصول اليهما مغايرة تماما. رغم ان العديد من الدول والقوى الشعبية في حروب التحرر الوطني قد تنخرط في عملية سلام مع اعدائها، لكنها تواصل الضغط عليه بمواصلة كفاحها بهدف تحقيق أهدافها السياسية.، وخشية ارتداد القوى البادئة والمتورطة بالحرب، او القائمة بالعملية الاستعمارية أي كانت طبيعة ومحتوى استعمارها، وبغض النظر عن شكل الكفاح مسلح او سلمي شعبي، المهم الا يشعر الطرف المعادي بالهدوء والاستقرار، ويعاود الانكفاء، والتراجع عن محددات واستحقاقات السلام.
وحين نتوقف امام معادلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، نجد انها قامت، ومازالت تقوم حتى اللحظة السياسية الراهنة على النفي الاستعماري الإسرائيلي الكلي، واللجوء منذ اللحظة الأولى للاجلاء للفلسطينيين عن ديارهم وارض وطنهم الام وشطب تاريخهم وهويتهم الكائنة والمنغرسة في جذور التربة الوطنية في كل زاوية من زوايا وازقة وملامح الوطن الفلسطيني، وبالمقابل الاحلال الفوري والمباشر لادواته الاستعمارية من مرتزقة واسلحة واقتصاد وقوانين وتشريعات وثقافة ولغة ومرجعيات دينية ... الخ بهدف الطمس الكلي للرموز الوطنية كافة مهما كانت صغيرة لتكريس عملية التطهير العرقي الكاملة للأرض والوطن الفلسطيني العربي المستهدف.
ورغم ان القيادة الفلسطينية ذهبت بعيدا في خيار السلام، وقدمت من اجل تجسيده على الأرض تنازلات غير مسبوقة مع قبولها بمعادلة خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، وضمان عودة اللاجئين لديارهم وفق القانون الدولي 194، والمساواة لابناء الشعب في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة، ووقعت على اتفاقية المبادئ أوسلو المشؤومة في 13 أيلول 1993 في البيت الأبيض الأميركي، الذي لم يرعَ يوما سلاما عادلا وقابلا للحياة. الا ان النية المبيتة والمعلنة لقادة دولة المشروع الصهيوني، والتي وثقوها في الاتفاقية المذكورة، وترجموها منذ اليوم الأول لعملية التنفيذ لاشتراطات المرحلة الانتقالية من 1994 حتى 1999 عكسيا، وبشكل انقلابي مع اعلان إسحاق رابين "عدم وجود تواريخ مقدسة"، وبالتالي الرفض المتدحرج للمبادىء المتواضعة والمثلومة، والانقضاض على مرتكزات عملية السلام حتى التراجع الكلي عنها مع مطلع العام 2014، عندما تنكر نتنياهو وحكومته للوفاء بالافراج عن الدفعة الرابعة من المعتقلين السياسيين الذين اعتقلوا قبل التوقيع على اتفاقية أوسلو، ورفض العودة لطاولة المفاوضات، وفي نفس الوقت مع التصعيد المتواتر للاستيطان الاستعماري على ارض دولة فلسطين المحتلة عام 1967، وبتعميق عمليات القتل والاعتقال والاجتياحات والحروب اليومية والمتواصلة على كافة المحافظات وخاصة على قطاع غزة وجنين، والتي سبقها الاجتياح الكامل لمحافظات الضفة الفلسطينية عام 2002 من قبل حكومة شارون، الذي كرس عمليا القطع الإسرائيلي الفعلي مع عملية السلام واغتيال رمز الكفاح الوطني وقائد الشرعية أبو عمار وبضوء اخضر أميركي من قبل إدارة بوش الابن.
اذا عملية السلام تقطعت بها السبل، وتم تشظيتها، وسحق عظامها مع ارتداد الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة عن ركائزها وامام العالم اجمع، وعلى مرآى منه دون ان يتدخل احد من الغرب الرأسمالي وخاصة اميركا بالمعنى الجدي لوقف التدهور الخطير الناجم عن جرائم وانتهاكات ومطاردة دولة إسرائيل المارقة لرموز وحقوق ومصالح الشعب الفلسطيني دون استثناء، ولم يكن آخرها مطاردة العلم الفلسطيني، واعتقال او قتل من يحمله او يرفعه، ليس هذا فحسب، بل ان اللجنة الوزارية لشؤون التشريع اقرت يوم الاحد الفائت الموافق 29 من أيار الماضي مشروع قانون النائب الليكودي، ايلي كوهين الذي يحظر "رفع علم دولة عدو، او علم السلطة الفلسطينية في مؤسسات ممولة او مدعومة من الدولة" الإسرائيلية بما في ذلك الجامعات.
وكان عدد من الوزراء السابقين والحاليين اعلنوا عن غضبهم وعنصريتهم وكراهيتهم لمجرد رفع العلم الفلسطيني في ذكرى يوم النكبة ال74 عندما رفعه الطلاب من أبناء فلسطين في جامعتي تل ابيب والسبع، وتضاعف جنونهم اثناء تشييع شهيدة الاعلام والقدس والحقيقة شيرين أبو عاقلة لمثواها الأخير يوم الخميس الموافق 12 من أيار الماضي، عندما غطى العلم الفلسطيني القدس العاصمة الأبدية لفلسطين بكل احيائها وشوارعها ومساجدها وكنائسها. وتسابقوا في الموالاة والمعارضة على كيفية مواجهة رفع العلم الفلسطيني، باعتباره أولا رمز الهوية الوطنية الفلسطينية، التي جاؤوا من اجل دفنها وتطهير وطنها الفلسطيني العربي منها، غير انهم فشلوا؛ ثانيا لان رفعه في المدن والقرى والمؤسسات العامة وخاصة الجامعات الإسرائيلية يسقط ما يطمحون اليه، وهو بناء الدولة الإسرائيلية (اليهودية الصهيونية) النقية؛ ثالثا وكونه النقيض لعلم الرواية المزورة، والدولة غير الشرعية؛ رابعا لان رفعه يؤكد هزيمة مخططاتهم القائمة على مبدأ "فرق تسد"، حيث اعتقدوا انهم خلال ال74 عاما الماضية تمكنوا من ترسيخ تفتيت وحدة النسيج الوطني والاجتماعي الفلسطيني عندما قسموهم لمسيحيين ومسلمين ودروز وبدو .. ألخ، لكن الشواهد اكدت ان الشعب الفلسطيني من سامريين ومسيحيين ومسلمين وبكل الوان طيفهم المذهبية والطائفية والدينية وحدة واحدة لا تقبل القسمة الا على الوطنية الفلسطينية.  
الفوبيا من العلم الفلسطيني تعمق الحقيقة المدعمة بالوقائع على الأرض، وتؤكد ان المجتمع الإسرائيلي ونخبه السياسية والقانونية والدينية لا يؤمنون بالسلام، ولن يعترفوا بحقوق ومصالح الشعب العربي الفلسطيني، وسيحاربوا إلى آخر رمق خيار التعايش والتسامح والسلام مع الشعب الفلسطيني أولا ومع العرب ثانيا بمن في ذلك أولئك الغارقون في دوامة وتيه التطبيع الاستسلامي.
[email protected]
[email protected]