ملاحظات على المبادرة

بي دي ان |

15 مايو 2022 الساعة 09:56م

المعلم الفلسطيني يستحق كل التقدير والثناء على جهوده وعطائه وابداعه وتميزه، وكل العلاوات التي يجري الحديث عنها قد لا تفي بحقه ومكانته وكفاءته. لان المعلم يشكل احد اهم ركائز تطور المجتمع، وبمقدار ما يكون لدى مطلق شعب معلم قدير ومبدع، بقدر ما يتمكن هذا الشعب من التطور والرقي ومجاراة دول العالم الاول، ومواجهة التحديات والصعوبات التي تواجهه، والخروج منها باقل الخسائر، لا بل قد يحولها لانجازات، ويضاعف من الإنتاج، وتحديد بوصلة النمو والتطور، ووفق معايير علمية يمكنه تحديد أي الحقول الواجب التركيز عليها، والربط العميق بين قوة العمل والسوق والإنتاج. لا سيما وان المعلم المبدع والمؤهل سيكون قادرا على العطاء المشبع بالثقافة والمعرفة الواسعة وغير التقليدية، ومستعد لبذل كل الجهود لصقل معارف التلاميذ والطلاب في مراحل التعليم المختلفة، أولا لان شرطه المالي والاقتصادي والاجتماعي مناسب؛ ثانيا كونه لا يعاني من الجوع والفقر والفاقة؛ ثالثا التأهيل الدوري والمنظم لقدراته المهنية وفق معايير اهم منظومات العلم والمعرفة الحديثة.
واجزم ان لا احد لا في الحكومة ولا في الاتحاد العام للمعلمين ولا عند أي جهة ذات صلة بالعملية التربوية يمكن ان يكون ضد تأمين مستلزمات واحتياجات المعلم الفلسطيني. ولكن حتى تطاع اطلب المستطاع وفق الشروط العامة في المجتمع الفلسطيني من زاوية أولا وجود الاستعمار الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية، وبالتالي معركة التعليم معركة وطنية بامتياز، وتتجاوز شروط العملية التربوية في المجتمعات المستقلة؛ ثانيا الانعكاس السلبي والخطير لوجود الاستعمار الصهيوني على الاستخدام الأمثل لموارد الوطن، وتأثير ذلك على الناتج المحلي العام للاقتصاد الوطني؛ ثالثا نشوء وتأسيس السلطة الوطنية عام 1994 بعد التوقيع على اتفاقيات أوسلو لم يحرر الاقتصاد الفلسطيني من التبعية شبه المطلقة، ومازال برتوكول باريس الاقتصادي يُّخضع الاقتصاد الوطني المتواضع والضعيف للغلاف الجمركي الإسرائيلي، وابقاه اسير معادلات ذلك الاقتصاد الكولونيالي؛ رابعا دعم الدول المانحة على أهمية ما قدمته لم يسهم في تحرير الاقتصاد الوطني، ليس هذا فحسب، بل ان الناظم الأساس لفلسفة المانحين لم يقم بالربط بين الدعم والتحرر الوطني، وفصل بين الدعم المالي واستقلال الاقتصاد الفلسطيني، وتركت تلك الدول الأمور لمشيئة ومخطط الدولة القائمة بالاستعمار، وابقت السلطة الفلسطينية رهينة معايير حليفهم الإسرائيلي، واغمضت عيونها عن محددات المرحلة الانتقالية التي انتهت قبل 23 عاما خلت، كما لم تقم تلك الدول بدءا من الولايات المتحدة ومرورا بالاتحاد الأوروبي الممول الأساس لموازنة السلطة الفلسطينية بالزام دول الإرهاب المنظم الإسرائيلية بدفع استحقاقات السلام الممكن والمقبول؛ خامسا إدارت دولة الاستعمار الإسرائيلية الظهر لكل الاتفاقيات، ورفضتها بالوثائق والقوانين العنصرية وبالسياسات والانتهاكات المتعددة الأوجه اليومية وفي مقدمتها جرائم الحرب بهدف تأبيد الاستعمار بابشع اشكاله على الأرض الفلسطينية؛ سادسا العجز المتراكم في موازنات الحكومات الفلسطينية المتعاقبة نتاج الاستعمار الإسرائيلي وقرصنته على أموال المقاصة الفلسطينية، وسوء الإدارة المحلية، وغياب الرؤية البرنامجية الحقيقية التي تحاكي الواقع الفلسطيني.
هذه وغيرها من العوامل حالت دون تمكن الحكومات المتعاقبة من تأمين المتطالبات الأساسية لمختلف مؤسسات ووزارات القطاع العام وفي المقدمة منها التعليم والصحة وحتى الامن. ومع ذلك حرصت تلك الحكومات بما فيها حكومة الدكتور محمد اشتيه على الوفاء بالتزاماتها قدر ما تستطيع، وجدولت على موازناتها اللاحقة التزامات تجاه قطاع المعلمين. وتم ابرام اتفاق مع الاتحاد العام للمعلمين، ولكن فئة من قطاع المعلمين رفضت الالتزام بما تم الاتفاق عليه، وتمردت على الهيئة النقابية الأساسية الممثلة لهم تحت عنوان ما يسمى "الحراك"، والذي هدف للي ذراع الحكومة والاتحاد العام للمعلمين، مما أدى لاستمرار قطاع من المعلمين بالاستقواء بمجموعة "الحراك" ، ورفض الالتزام بالعودة لاداء المهمة الوطنية والتربوية كما يليق بفلسطين المحتلة لخمسين يوما حتى الان، مما هدد ويهدد المسيرة التعليمية بشكل خطير، وهو استهداف واضح لاحد اهم أعمدة الكفاح الوطني التحرري، والذي يحتاج من أصحاب الضمائر الوطنية الحية فيما يسمى "الحراك" واوساط المعلمين العودة لجادة الصواب، والتراجع عن سياسة كسر العظم غير الايجابية.
وبناءا على ما تقدم، اعتقد ان المبادرة التي تقدمت بها الهيئة المستقلة ومؤسسات المجتمع المدني واولياء الأمور اول امس السبت الموافق 14 أيار الحالي، على أهمية خلفياتها الإيجابية ، الا انها لم تأخذ بعين الاعتبار مجمل الظروف الفلسطينية بعين الاعتبار، وتعاملت مع الواقع وكأننا في دولة مستقلة وكاملة السيادة، اضف الى انها وضعت نفسسها وصية على المؤسسة النقابية التمثيلية للمعلمين واقصد الاتحاد العام للمعلمين، وهذا من وجهة نظري لا يستقيم مع روح مبادرة وطنية لإنقاذ العملية التربوية، لا بل انها عمقت الازمة، وأضافت جوانب جديدة، وحتى اللجنة التي اقترحتها، فصلتها على مقاس ما يسمى "الحراك" ومن لف لفهم، وفي ذات الوقت تريد من الحكومة والاتحاد العام للمعلمين الرد على المبادرة التي تعاني من نواقص واضحة وجلية. ومع ذلك انصح الحكومة والاتحاد العام الرد على الحكومة، والاخذ بالجوانب الإيجابية، وكشف جوانب الخلل في النقاط غير المقبولة، والعمل بأسرع وقت ممكن لانهاء ازمة العملية التربوية، وملاحقة كل الذين اخلوا واساؤوا للعملية التعليمية من حيث يدروا او لا يدروا.