السلام او الحرب

بي دي ان |

06 مايو 2022 الساعة 11:22م

الصراعات السياسية الناتجة عن الاستعمار بمختلف مسمياته ومستوياته القديمة والجديدة، وخلفياته وفرضياته تبقى أسيرة أحد خيارين لا ثالث لهما، اما السلام الذي يقوم على احترام إرادة وكفاح الشعب الواقع تحت نير الاستعمار، ومنحه الاستقلال السياسي والاقتصادي الناجز، واما ديمومة الصراع والعنف والحرب. لان كل الحلول الترقيعية، والالتفافية على إرادة الشعوب المكافحة لا تساهم في الخروج من نفق الصراع التناحري بين المستَعمر والمستعمِر، لا بل تفاقم نيران الصراع، وتزيده احتداما واشتعالا مهما طال امد وزمن الصراع.
والجزم أعلاه في التأكيد على الخيارين الاجباريين للصراع، لا ينفي ولا يسقط ولوج دوامة المساومة السياسية، ولكن المساومة مطلق مساومة لا تسقط حق الشعب المقهور ومستلب الإرادة من قبل الدولة الاستعمارية في الاستقلال على ارض  دولته، وضمان حريته وسيادته على ترابه الوطني. وهنا فرق عميق بين المساومة السياسية وبين الحلول الترقيعية والالتفافية التآمرية، التي تستهدف بقاء بسطار الاستعمار مفروضا على الشعب المضطهد بذرائع وحجج واهية.
ولو توقفنا امام الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الذي مضى عليه حتى الان 74 عاما بعد نكبة العام 1948، وما يزيد على القرن منذ وعد بلفور عام 1917، واتساع وازدياد الهجرات الصهيونية لفلسطين من مطلع القرن العشرين، وحتى من الربع الأخير من القرن التاسع عشر، التي تجسدت ببناء اول مستعمرة صهيونية على ارض قرية الخالصة 1882. سنجد ان الصراع لم يتوقف يوما، ولن يتوقف ثانية واحدة إلا بإقامة السلام، وتحرر الشعب العربي الفلسطيني من ربقة الاستعمار الاجلائي الاحلالي الصهيوني وفق قرارات الشرعية الدولية.
ومن يعتقد من اقطاب ونخب الحركة الصهيونية بإمكانية مواصلة سياسة القضم التدريجي للأرض الفلسطينية العربية، ونفي الحق الفلسطيني في الحرية والاستقلال والعودة وتقرير المصير يكون ساذجا، ومغفلا ولا يفقه الف باء السياسة، واي كانت العوامل الموضوعية مجحفة وقاسية ومرة بمستوياتها العربية والإقليمية والدولية، فإنها لن تفت في عضد الشعب وقيادة منظمة التحرير، ولن تثني الحركة الوطنية عن بلوغ اهدافها وثوابتها الوطنية بمعايير المساومة التاريخية المطروحة، رغم ان فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر ومن رأس الناقورة حتى ام الرشراش، وعلى مساحة 27009 كيلومتر مربع، هي ارض ووطن الشعب العربي الفلسطيني دون سواه من بني الارض.
لكن انطلاقا من اعلاء القيادة الفلسطينية راية السلام، وحقنها للدماء قبلت الانخراط في المساومة التاريخية وفق قرارات الشرعية الدولية. بيد ان قادة إسرائيل الدولة المارقة والخارجة على القانون رفضوا، ومازالوا يديرون ظهورهم لخيار السلام. لا بل كلما تقدم الفلسطينيون خطوة جديدة نحو السلام، كلما تراجع الصهاينة الاسرائيليون خطوات جديدة، وارتدوا الى هدفهم الاستراتيجي الذي عكسه شعارهم الأهم والأخطر ليس لانه مزور، انما لانه متناقض مع الحقائق التاريخية والجغرافية والحضارية، والقائل "ارض بلا شعب، لشعب بلا ارض"، ولانهم يرتكزون على دعم مطلق من قبل دول الغرب الرأسمالي عموما والولايات المتحدة الأميركية خصوصا، الامر الذي اطلق يدهم في استباحة الدم والمصالح والحقوق الوطنية الفلسطينية في ظل تهافت وتخلي غالبية اهل النظام الرسمي العربي عن مبادرة السلام العربية ومحدداتها الأربع وفق أولوياتها المعروفة: انسحاب، استقلال، عودة، ثم تطبيع  .
ومع ذلك لن يتوقف الصراع مهما كانت تكلفته. ومن يعتقد من الصهاينة الاستعمارين وحلفائهم الاستراتيجيين من عرب وعجم وغرب رأسمالي باستسلام الشعب الفلسطيني وقيادته، يكون مخطئا جدا. وشواهد الصراع المحتدم على مدار العقود السبعة الماضية، والتي تتعاظم في الأسابيع الأخيرة منذ بداية شهر رمضان الفضيل الماضي وحتى تنفيذ عملية حديقة العاد على مشارف تل ابيب اول امس الخميس الموافق الخامس من أيار / مايو الحالي (2022)، وما سبقها من اجتياحات في ذات اليوم للمسجد الأقصى المبارك، وغيرها من الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية يدلل بشكل عميق لكل ذي بصيرة في العالم اجمع، ان الحق الفلسطيني العربي لن يموت، ولن يتنازل عنه أي فلسطيني طفلا ام شيخا، امرأة ام رجلا، قائدا او مناضلا عاديا. هنا ولد الفلسطينيون، وهنا انغرسوا وتجذروا، وسيبقون هنا مهما طال امد الصراع، ولن يرحلوا، ولن يقبلوا بترانسفير ونكبة جديدة، فإما ان يقبل الإسرائيليون ومن يدعمهم المساومة التاريخية، ويقبلوا بصناعة السلام الممكن والمقبول، او ليواصلوا عنفهم وارهابهم وجرائم حربهم ضد أبناء الشعب العربي الفلسطيني، الذين سيدافعون دفاعا مستميتا عن حقهم في الحياة الحرة والكريمة حتى بلوغ أهدافهم الاستراتيجية، وانتزاع استقلالهم على ارض دولتهم الوطنية المستقلة وذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية، وضمان العودة للاجئين لوطنهم الام على أساس القرار الدولي 194 والمساواة الكاملة لابناء الشعب في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة.
[email protected]
[email protected]