هند القطّاوي.. يدٌ تُعالجُ ندوبَ الأفكار وأخرى تُعالِجُ نُدوبَ الرَّوح

بي دي ان |

07 ديسمبر 2020 الساعة 07:19ص

في كلِّ صباحٍ تُشرع هند نافذةَ أملها على مصراعيها لتتدفَّقَ شمسُ الحياة داخل روحَها مغذيّةً طموحها، فمن بين لحظاتِ الحياةِ المريرة تسترقُ النظرَ للحظات السعادة التي تعيشها داخل عالمها الصغير.

لَمْ تتوقفْ طموحاتُ هند القطاوي على الحياةِ العلميةِ فَحَسبْ؛ فَكانَتِ الفتاةُ التي تمتلكُ العديدَ من الهواياتِ مثلَ: الرسمِ وَغيرِهِ، وأَنْ تَمنحَ طاقاتٍ إيجابيةً مِنْ خِلالِ لَوْحاتِها الفنيةِ.

تقولُ هند: "ولدتُ في غزّة الحبيبة ثم وقُبيل اكتمالِ عامي الثاني دخلتُ خضّمِ الحياةِ بَعْدَ أنْ رحلتُ بعيدًا عن الوَطن، وانتقلَتْ أُسرتي للعيشِ في الإماراتِ العربيةِ المتحدةِ حتى سنِّ العشرينَ، وعُدّتُ بعدها إلى غَزَّةَ، وَحصلتُ على البكالوريوسِ والماجستيرِ في التحاليلِ الطبيةِ، وحديثًا على بكالوريوس العلومِ الشرعيةِ "دعوةٌ إسلاميةٌ معاصرةٌ"، وَحاليًّا أنا مدربةُ تنميةٍ بشريةٍ، أَمتلكُ موهبةَ الفنِّ التشكيليِّ، وَالكتابةِ النَّثْريةِ.

بدأت وَأنا في الصفِّ الرابعِ الابتدائيِّ، حيثُ كنتُ أُعيد رسمَ وَتلوينَ الرُّسومِ المتحرِّكةِ، التي كنتُ أُشاهِدُها عَبْرَ التلفازِ، وَمَعَ المُمارَسَةِ وجدتُ نفسي في تطورٍ مستمرٍ في موهبةِ الرَّسمِ، ورُبَّما كانَ الدافعُ في استمرارِي وَإتقاني لموْهِبَتي هُوَ الهدفُ الذي رسمتُهُ في مُخَيِّلَتي مُنْذُ نُعومة أظافري.

وتابعت هند: "فَعندما كنتُ أتابعُ بعضَ برامجِ التلفازِ التي تستضيفُ أصحَابَ المواهبِ مِنَ الرَّسامينَ والفنّانين وغَيرِهم ، فيكونُ السؤالُ في بدايةِ حوارِهِم: متى بدأت موهبتَكَ؟ فكانتْ إجاباتُ مُعْظَمَهُمْ: مُنْذُ الطُّفولةِ، حينَها تَبادَرَ إلى ذهني سؤالٌ: لماذا لا أكونُ في يومٍ منَ الأيامِ ضيفةً على أحدِ هذهِ البرامِجَ خلالَ وسائلِ الإعلامِ، وَيسْأَلوننِي ذاتَ السؤال؟".

وأشارت هند: "الفنُّ التشكيليُّ بدأَ معي منذُ الصغَر، وَكانَ لالتحاقي بِالجامعةِ الإسلاميةِ وَدراستي التحاليلَ الطبيةِ الأَثَرَ الكبيرَ في مساعدتي لِرسمِ بعضِ الملامح، خاصَّةً في اعتمادي على كتابِ التشريحِ في تَخَصصي، حيثُ استفدتُ منه كثيرًا في رسمِ بعضِ الملامح، وَكَما قلت لك مثلًا : رسمَ بعضِ الأطرافِ، وَرسمَ قلبِ الإنسان بِصورَتِهِ الحقيقيَّةِ الواقعيةِ كثيرًا، وبعضُ اللَّوحات كان الجمهور يتأَثر معها، وَيدرِك من خلالِ هذهِ اللَّوحاتِ أنَّ صاحبَ هذهِ اللوحةِ يعملُ في المجالِ الطِّبِيِّ؛ لِأنّي أستخدمُ أحيانًا الشاشَ الطبيَّ في بعضِ اللَّوحات.

لربّمَا يستغربُ البعضُ عدمَ الالتقاء والتّوأمة أو حتى وجودَ رابِطٍ ما بينَ الفنِّ التّشكيلي وبَين التحاليلِ الطبيَّةِ، وأنّهما مجالانِ مختلفانِ تمامًا عن بعضِهِما البعضِ، ولكِنْ إذا كنَا في مجالِ الطّبِّ نعالِج ندوبًا ونضمد جروحا ونخفف آلامًا، فأنا أعتَقِد جازِمةً أنّنا من خلالِ الفنِّ نعالجُ أفكارًا، وَنعالج أرواحًا، وَنقترِّبُ آراءً منْ خلالِ هذهِ اللَّوحة، أَوْ مِنْ خلالِ الرَّسْمة، أَوْ منْ خلالِ الخطوطِ التي تعبّرُ عنْ أفكارِنا، وَعَنْ آرائِنا، وَعَنْ مشاعِرِنا، فالفنُّ كما الطّبُّ يُعالِجُنا ويشفينا.

وَتوَضِح هند: "إنَّ الذي دفعني للانتقالِ إلى دائرةِ التنميةِ البشريةِ هو أنَّني بعدَ انتهائي من دراسة الماجستيرِ في التحاليلِ الطبيةِ، الْتَحَقْتُ بِبَعْضِ الدَّوراتِ: دوراتِ اليومِ الواحدِ في التنميةِ، َدَوراتٍ متعددةٍ بَعناوينَ مختلفةٍ؛ وهذا ما جعلني أستَبطِنُ ذاتي بِصورةٍ أعمَق لأجدَ من خلالِ هذا العلم الرّاقي تحقيقًا لجزءٍ مُهمٍّ من رِسالتي في الحياة. 

وتضيف: "كنتُ أحدَ سفراءِ التنميةِ في قطاعِ غزةَ، أنتمي لِأكاديميةِ سفراءْ التنميةِ، وهي أكاديميةٌ عالميةٌ ندرِ من خلالِها الشبابَ وَالشابَّاتِ وَالأطفالَ، وَخاصةً في سِنّ المرحلةِ الإعداديةِ على التخطيطِ الاستراتيجيِّ الشخصيِّ، وكيفَ يخَطّطُونَ لِحياتِهِم وَيصنعونَ أهدافَهُم وَيكتبونَها بدايةً، ثمَّ نبَيِنُ لهم الخُطواتِ التي تساعدهم على تحقيقِ هذه الأهداف، فيصِلُونَ إلى مرحلةِ الثانويةِ وَهُم يُدركونَ الطريقَ والهدفَ الذي يَسْعَوْنَ إليهِ دونَ ترنُّحٍ وتردد". 

وَتقولُ هندُ: "(صراخُ الصمتِ، المساحاتُ البيضاءُ) كانَ هذا توقيعي على جميعِ لَوْحاتي، ابتدأتُ بِ (صراخُ الصَّمتِ)، ثمَّ أتْبَعْتُهُ بعدَ سنواتٍ بِ (المساحاتُ البيضاءُ)، لكُلِ اسمٍ منهُما غايةٌ ورسالةٌ وهدف".

واستكملت هند دراستها في تخصصِها الذي طالما كانَ الحُلُمَ الأولَ، والحُلُمَ الذي راوَدَها منذُ عشرينَ عامًا، بِالنسبَةِ لها كانَ أجملَ إنجازٍ في حياتِها، وهو تخصصُ العلومِ الشرعيةِ الذي تعلَّمَتْ منهُ الكثيرَ مِنْ تفاصيلِ دينِنا الحنيفِ، عَرَفَتْ من خلالِهِ عميقَ الرحمةِ التي أرسلَها اللهُ لنا محمدًا ﷺ وَتَخَرَّجَتْ بِامتيازٍ في هذا التخصُّصِ الجديدِ. 

بينما أكثرُ الصعوباتِ والعقباتِ التي واجهَتها هند: "هيَ الاختلاف في بعض الثقافةِ وَالمفرداتِ، والظروف المعيشيَّةُ الصعبةُ في قطاعِ غزةَ، تقول: كنتُ أُعاني في البدايةِ من البيئةِ التي تفرضُ كثيرًا منَ الأفكارِ، وَالمشاعرِ، وَالآراءِ على الأشخاصِ الذينَ يعيشونَ ضمنَ بيئةٍ معَيَّنةٍ بِظروفٍ معَيَّنَةٍ، ظروفِ الألمِ، وَالقهرِ، وَالاحتلالِ، وَالحصارِ، كلُّ هذهِ الأمورِ تنعكسُ على سلوكياتِ الإنسانِ الذي يعيشُ تلكَ الظروف". 

وَتختم هند القول : "همَّي أنْ أكونَ مِعول بناء لا مِعول هدم، وَأن أكون مِفتاحا للخيرِ مِغلاقا للشرّ، وان أعين الناس على فهم دينهِم ودنياهم،وأن يؤمنوا برحمةِ اللهِ، وأن يحسنوا الظنَّ باللهِ، وان يشعروا أَنَّه لا يزالُ في الأيامِ خيرٌ، وفي الدنيا خيرٌ، وَأَنْ أرسّخ وأنشر بينَ الناسِ الفَألَ الحسن، من خلال قولِ ابنِ القيِّمِ الجوزيّة رحمه الله حينَ قال: "ما أغلقَ اللهُ بابا لِعبدٍ بِحكمتِه إلّا َفتحَ لهُ بابينِ برحمتهِ".