تطاول جنات المفتعل والخبيث -2-

بي دي ان |

25 ابريل 2022 الساعة 12:15ص

ثم انتقلت بشكل دراماتيكي إلى الامة العربية بلا مقدمات، وطرحت عددا من الأسئلة منها على سبيل المثال لا الحصر: هل تعلمون لماذا الامة العربية في هذا الحال؟ لماذا لم تتطور مثل باقي الشعوب التي تعيش معنا على نفس الكوكب الذي نعيش فيه معا؟ لماذا نحن دائما من ننتج الجهل والتخلف واللاجئين والفقر والإرهاب لهذا العالم؟ (..) وهل لاننا خير امة؟ وبعد طرح مجموعة أسئلة تافهة، تجيب إجابات واهنة واقرب للمنطق الشوارعي الساذج، وتعكس امية وجهل مدقع في علوم التاريخ والسياسية والثقافة. لان الامة العربية، التي كانت صاحبة حضارة عظيمة يعترف بها الغرب قبل الشرق والشمال والجنوب، عاشت جملة من العوامل الذاتية والموضوعية، التي أدت إلى ما هي عليه الان؟ وهذا ليس دفاعا اعمى عن الامة، وانما انصافا لتاريخها، ومع ذلك لا ابرر النواقص والخلل البنيوي في مقومات الخطاب الفكري والسياسي الرسمي وحتى الشعبي  العربي، والحال البائس للامة منذ تسيد العثمانيين الخلافة بعد انهيار الدولة العباسية في القرن السادس عشر، وصولا لتفكك الإمبراطورية التركية وسيطرة الدول الاستعمارية الغربية البريطانية والفرنسية والإيطالية، للأسف بتعاون الشريف حسين مع ذلك الغرب الرأسمالي، الذي خدعه بمنح العرب الاستقلال بعد الحرب العالمية الأولى 1914/1917، غير ان ما حصل كان تطبيق بنود اتفاقية سايكس بيكو الإنكليزية الفرنسية 1916، والتي جاءت كترجمة دقيقة لنتائج مؤتمر كامبل نبرمان 1905/1907، ثم وعد بلفور 1917، ومؤتمر سان ريمو 1920، وتلاه المصادقة على صك الانتداب البريطاني الذي تبنى ورَسمْ وعد بلفور 1922 ... إلخ من الانهيارات في مركبات حال الامة العربية وشعوبها.
كما ان الامة العربية ليست من انتج اللاجئين، بل اسيادك الغربيين الذين انتجوا كل ظواهر وعوامل الفقر والفاقة والإرهاب وإسرائيل النووية، التي تتغنين بها، وبحكم وجود أنظمة عربية لم تتمكن من تحمل مسؤولياتها الوطنية والقومية، فضلا عن انها وقعت أسيرة سيطرة الغرب الاستعماري والتبعية الكاملة له، وترافق مع غياب حركة قومية مؤهلة لمواجهة التحديات، وإعادة الاعتبار للمشروع القومي العربي التنويري. ومن ثم بعد الحرب العالمية الثانية 1939/1945حلت الولايات المتحدة الأميركية في قيادة المشروع الاستعماري بشكليه الجديد والقديم، وانتجت ادواتها واتباعها ومواليها، وحاربت كل ظاهرة قومية اصيلة في الوطن العربي الكبير، وحالت دون تمكن ونهوض الانوية القومية بفعل اكثر من عامل: ضعف الأدوات القومية والديمقراطية، فضلا عن صراعاتها الداخلية، وتمكن أجهزة الامن الغربية الأمنية وعلى رأسها ال CIA والأدوات العربية المأجورة، بالاضافة لإسرائيل الاستعمارية، مما سهل عليها تحقيق مآربها. ومازالت تمارس الوصاية على الحالة الرسمية العربية بفضل تلك الادوات المزروعة داخل كل دولة على انفراد، ومن خلال دولة التطهير العرقي الاسرائيلية في قلب الوطن العربي الكبير، في فلسطين المغتصبة، مما مكنها من نهب ثروات العرب، وتدمير مرتكزات نهوضهم وديمومة دولة الإرهاب المنظم خنجرا مسموما في قلب العالم العربي حتى الان.
ثم تنتقل للدفاع عن إسرائيل بشكل غير مباشر من خلال الطعن في مكانة شعوب الامة العربية ونخبها الوطنية والقومية والديمقراطية، وتحاول ان تسقط الدور التخريبي والتدميري لوجود إسرائيل في وسط الوطن العربي الكبير، من خلال ايرادها المقولات السطحية والساذجة، والتي لبعضها أساس للاسف في الواقع، دون ان يلغي او يقلل ذلك من ان إسرائيل  احد اهم عوامل التخريب والاعاقة لعملية التطور في الوطن العربي، فتقول "أنها الثقافة البائسة التي تربينا عليها والتي (علمونا إياها) ورسخت في عقولنا ...فكرة أنه كل مشاكلنا سببها إسرائيل ...الفقر والجهل والتخلف الذي نعيشه ...لا بل حتى الزبايل المرمية بجانب بيتك ..سببها إسرائيل ...وبزوال إسرائيل سيتحسن حالنا... هكذا علمونا في المدارس والمساجد والإعلام والتلفزيون والجرائد والشارع ...واليوم في مواقع التواصل ... ومنذ نعومة أظافرنا ونحن نعيش على هذه القاعدة او المعادلة.اسرائيل كانت ولا زالت شماعة يضعون عليها فشلهم في تسيير البلاد والعباد منذ ١٩٤٨."
نعم استعملت العديد من الأنظمة العربية الفزاعة الإسرائيلية لفرض قوانين الطوارئ، وتقييد حرية الرأي والتعبير وغياب التنمية المستدامة، وانتفاء الديمقراطية والمواطنة، الا ان ذلك لا يقلل من الخطر الاستراتيجي الذي لعبته إسرائيل وأدوات الغرب الوظيفية في المنطقة، لانهم جميعا ساهموا مساهمة مباشرة في اضعاف دور العامل الذاتي، وانتجت ثقافة صفراء وسطحية تشبهها لتغييب حالة الوعي القومي الحقيقي، اضف الى ان قوى التغيير العربية لم تكن مؤهلة للنهوض بدورها، مما أدى تدريجيا الى سقوطها في أحضان أنظمة غالبيتها فاقدة الاهلية الوطنية والقومية، لا تملك السيادة على أراضيها وقرارها، وحتى التي كانت مؤهلة بمعايير نسبية تم التآمر عليها، واضعافها تدريجيا او شن الحروب الدولية عليها وتدميرها. وتلازم مع ما سبق تعزيز دور العامل الموضوعي في تقرير مصير شعوب الامة ودولها، ويتعاظم ايغال الغرب الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة في استباحة العالم العربي حتى الان، وتفرض اجنداتها وأهدافها وحليفتها إسرائيل على اهل النظام الرسمي العربي من خلال ما يسمى "السلام الابراهيمي" الاستسلامي، وتغيير معادلات الصراع القومي العربي التاريخية بما يتعارض والمصالح القومية العربية والشرق أوسطية ككل.
ثم تعود لتتعرض للشعب الفلسطيني بالاساءة دفاعا عن إسرائيل بشكل غير مباشر، فتقول في حال حمل الإسرائيليون حقائبهم وعادوا لبلدانهم وتحررت فلسطين تخلص لنتيجة خبيثة وتحريضية على الكفاح الوطني التحرري، فتقول ان الفلسطينيين بعد التحرير ماذا سيفعلون؟ "هل تعلمون اول شيء سيحدث ... خمنوا معي.. سهلة ليست صعبة" وتضيف "اقتتال جماعة حماس وجماعة فتح على الحكم، وهذا ستدعمه ايران، والأخر ستدعمه دول الخليج، وسيبدأ الصراع والاقتتال.. والسيارات المفخخة وسيفجرون المسجد الأقصى نفسه من اجل الحكم" وتتابع بابتذال ووقاحة فتدعي من موقع العارف ببواطن الأمور واستشراف المستقبل " لا تقل لي هذا مستحيل.. لن يحدث.. اذكرك كم مسجد في سوريا تم تفجيره، كم مسجد وضريح مقدس في العراق تم تفجيره " وتخلص للدفاع عن الاميركان وإسرائيل "ستقول انها المخابرات الأميركية والإسرائيلية والماسونية والملوخية والمهلبية و و و الكعبة هدمت اكثر من خمس مرات قبل ان توجد إسرائيل وأميركا، ومن هدمها؟ عرب مسلمين، وعلى رأسهم الحجاج بن يوسف الثقفي."
وكأن لسان حال هدى جنات ينادي ببقاء إسرائيل تعيث فسادا في الأرض العربية، لانها ليست السبب في مصائب الفلسطينيين والعرب، وان اميركا وإسرائيل وبريطانيا والماسونية براء من كل جرائم العصر الحديث. وبالتالي لا داعي لان تناضلوا من اجل تحرير فلسطين، وبناء الدولة وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين، لانهم سيقتتلوا فيما بينهم، لهذا "وفروا" الدم الفلسطيني، الذي سينزف نتاج "الاقتتال الداخلي" كي توغل به وتستبيحه دولة الارهاب المنظم الإسرائيلية وأميركا وجماعة الاخوان المسلمين ومن هم على شاكلتها.
لا اغالي بالاستنتاج القائل، ان خطاب الدكتورة هدى جنات خطير، ويستهدف تقويض روح المقاومة والتغيير في فلسطين والبلدان العربية، وتدعو لرؤى سياسية وفكرية وثقافية معادية ومتناقضة مع مصالح الامة وقوى التغيير الوطنية والقومية والديمقراطية، ويصب مباشرة في ثقافة الإحباط والتيئيس والهزيمة، والترويج لبضاعة الغرب الاستعماري بقيادة اميركا وربيبتها إسرائيل.  
[email protected]
[email protected]