تطاول جنات المفتعل والخبيث -1-

بي دي ان |

24 ابريل 2022 الساعة 01:03ص

كثيرون من امة العرب يعملون لصالح مؤسسات امنية غربية، وتحت يافطة حرية الرأي والتعبير، وهو حق مشروع لكل بني البشر، كفلته القوانين والقرارات الأممية، تتم الإساءة للذات قبل الشعوب، خاصة اذا كانت المقالة او البحث او الكتاب يستهدف رموز الامة، وشعوبها بقصد مقابل ثمن، وحتى أحيانا لمجرد تلميع الذات، او الادعاء بان الكاتب او صاحب الرأي هنا او هناك يتحدث بوجهة نظر مغايرة للسائد، او كما يقولون "التفكير خارج الصحن"، معتقدا هذا الانسان، انه "يلجأ للنهج الموضوعي" لكشف الحقائق، في الوقت الذي يسيء فيه للتاريخ وللثقافة والمعرفة، ومنحدرا نحو مستنقع الثقافة الصفراء، وعبثية ادعياء "الفكر"، ومتنكرا للحقائق او مجتزأً قراءة الشروط الذاتية والموضوعية لسيرورة وصيرورة التاريخ وتطور المجتمعات، فيذهب بعيدا في اسقاطاته الرغبوية بإعتباره عنصرا هاما في لحظة رمادية من الزمن البائس.
من المؤكد في الثقافة والمعرفة مدارس وفرق متعددة المشارب والاتجاهات، منها الثقافة الملتزمة، والثقافة الصفراء الملتزمة بمدارس ذات خلفيات تخريبية او مأجورة، او ثقافة عبثية فوضوية يهرف أصحابها بما لا يعرفون، وثقافة ميليشاوية عنترية وكيدية، وثقافة تحصر نفسها في الماضي، ولا ترى الحاضر او المستقبل الا بمنظار الماضي وقياساته وادواته المعرفية القاصرة عن مواكبة العصر ومعاييره الحداثوية، وتعتمد القدرية نهجا في محاكاة المجتمعات والمفكرين والادباء، الامر الذي يضعها كحاجز او متراس لاعاقة التطور الوطني والقومي والإنساني.
ما تقدم له عميق العلاقة بمقال نشرته الدكتورة السورية هدى جنات، وجاء بلا عنوان بتاريخ 13 ابريل الحالي، خلطت به بين مجموعة عناوين بهدف واحد وحيد الإساءة للرموز والوطن والأمة، ولخدمة اعداءهم، وكل قوى الردة والتخلف والإرهاب في المنطقة والعالم. وأول من بدأت به كان الشاعر الفلسطيني والعربي والعالمي الكبير محمود درويش، ثم الشعب الفلسطيني وإسرائيل والأمة العربية. وعرفت عن نفسها، انها كانت سابقا كاتبة في صحيفة "الغارديان" البريطانية. وكأن الكتابة في احدى الصحف الأجنبية يمثل رصيدا لها او لغيرها من ادعياء الكتابة المأجورة او القاصرة والصفراء. ورغم اني عشت في سوريا زمنا، وكانت تربطني علاقات وطيدة من النخب الثقافية، وحصلت على عضوية اتحاد الكتاب العرب السوريين، الا اني لم اسمه بالكاتبة المذكورة، ولا اعتبر ذلك نقيصة، وانما النقيصة تكمن في انتاجها ورسائلها المسيئة للثقافة الفلسطينية والعربية ولكفاح الشعب العربي الفلسطيني وللامة العربية، التي اعتز وافخر بانتمائي لها.  
وقبل ان ارد على الكاتبة الدعية، حرصت ان اسأل بعض الأصدقاء من سوريا عنها، فقالوا ما قالوا فيها من الذم ما يفيض عن الحاجة للرد عليها. لكن حرصي على تصويب وكشف المفاهيم والمعايير الخاطئة والمسيئة لرمز بمكانة درويش رمز الثقافة الوطنية الفلسطينية، وللشعب العربي الفلسطيني، وللامة العربية دعاني لان اضع مقالها فوق طاولة التشريح، لفضح وتعرية خلفياتها المعادية، والتي تتجاوز حدود النقد البناء والهادف، كما اني لن اناقش كل تفاصيل مقالها، وانما ساخذ الأساسي منه للرد عليها، وكشف هشاشتها وبؤس مآلها، وسقوط ادواتها المعرفية الرمادية.
وفي ردي على الكاتبة جنات، التي لا نصيب لها من اسمها، لانها عنوان من عناوين النار ومرتكبي الخطايا والموبقات، جاء مقالها غير متماسك، وكما ذكرت انفا تناول العنوانين أنفة الذكر، والرابط الوحيد بين النقاط او الموضوعات هو الإساءة والانتقاص من رمز الثقافة الوطنية، ومن كفاح ونضال الشعب الفلسطيني وشعوب الامة كلها، وبالمقابل الدفاع بشكل غير مباشر عن إسرائيل والولايات المتحدة والغرب الرأسمالي. بالتالي جاء مقالها غثا ورخيصا، حيث تبدأ بالتطاول على شاعرنا ومبدعنا الرمز درويش، فتقول دون مقدمات وبشكل اسقاطي رغبوي "يذكرني بالشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش ... الذي الف كتبا واشعار عن المقاومة والصمود والتحرير وخبز امي.. وقهوة امي، فجمع ملايين الدولارات من هذه الكتب.. اشترى بها بيتا في لندن عند (أصحاب وعد بلفور) ... وبيت اخر في اميركا (الام الشرعية لإسرائيل) وصرف الباقي على حبيبته الإسرائيلية هناك بهذه السهولة ... وتوفى في اميركا، بعد ان عاش على الكافيار والويسكي وليس خبز امه ... باختصار كان هو أيضا يبيع شعارات.. ويسترزق منها."  
أولا لم تميز جنات بين مراحل حياة الشاعر الكبير درويش، وتجهل تطورها، ولذا اعتقدت انه بقي على علاقة بحبيبته الإسرائيلية، وهي علاقة قديمة وقبل مغادرته ارض الوطن للجوء للوطن العربي. وهذه العلاقة لا تعيب درويش، ولا تنتقص من وطنيته وديمقراطيته ولا انسانيته، لا بل تزكيها، وتعمقها. لكنها شاءت ان تلقي سهما ساما، فارتد عليها. ثانيا اود ان اسأل الكاتبة جنات غير المهدية، هل مطلوب من الشاعر ان يموت من الجوع مثلا؟ وهل على الشاعر مطلق شاعر ان يعيش على قهوة او خبز امه طوال حياته، واسير رموزه وقصائده التي نظمها في زمن معين؟ وهل مطلوب من الشاعر ان يكون فدائيا وشاعرا وفقيرا ومسحوقا، وان يقطع صلاته بالمجتمعات الغربية والمجتمع البشري كي يكون وفيا لقيمه ومبادئه؟ واذا كان الامر كذلك، لماذا تعيشين ايتها العربية السورية في لندن عاصمة الضباب؟ ام انت حلال عليك وحرام على درويش؟ ومعلومة كل بيوت الشاعر الكبير في أي بقعة من العالم(وانا لا ادعي اني اعرف ما له من بيوت في العواصم العالمية) لم تمثل له شيئا ذات قيمة، لانه كان مسكونا بفلسطين وطنه الام، وبحريتها واستقلالها وعودة لاجئيها الى ديارهم ووطنهم الام، ورفض محمود درويش كل المواقع والمناصب السياسية الأولى في قيادة الثورة وفي الحكومة الفلسطينية، وأصر على ان يبقى ابن الشعب البار، وشاعر فلسطين الأول والمحبوب ورمز ثقافتها الوطنية والقومية. ثالثا أين الخطأ في انتاج الكتب ودواوين الشعر وبيعها والاستفادة من مردودها المالي في تأمين مصدر عيش كريم في أي مكان من العالم؟ ولماذا استهدفت رمز الثقافة الوطنية؟ ولمصلحة من؟ وما هي الغاية المرجوة من وراء تنطعك لقامة كقامة درويش العظيمة؟ اليس تطاولك على سيد الكلم والبلاغة والنظم في العصر الحديث محاولة بائسة لتلميع ذاتك المأجورة، هذا ان لم يكن مقابل ثمن بخس. واذا كنت مغتاظة من شرائه بيتا في لندن "صاحبة وعد بلفور" لماذا انت كنت تكتبين في صحيفة "الغارديان البريطانية، ان كنت غيورة على الشعب الفلسطيني والأمة العربية، ومعادية لبريطانيا وسياساتها؟ ولماذا خسر الذين اشتروا كتب ودواوين درويش العظيم؟ اليس استنتاجك معادِ للثقافة والمعرفة، وتعميم للجهل والامية والكيدية في آن؟ باءت بضاعتك بالفشل والرخص، لانها بضاعة صفراء وكيدية وانتقامية، ولخدمة أعداء الثقافة والادب والمعرفة.
يتبع غدا
[email protected]
[email protected]